الجمعة 29 مارس 2024 02:15 مـ 19 رمضان 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

كرباتشوف أمريكا والطريق نحو التفكك!

عادل الأشرم ابن عمار
عادل الأشرم ابن عمار

بقلم : عادل الأشرم ابن عمار

قد يتفق الجميع في العالم على ان أمريكا اليوم ليست بأمريكا الأمس، وأن تلك القوة والهيبة التي طالما تمتعت بها تلك الدولة العظمى ماعادت كسابق عهدها، وأن هذا لم يكن وليد قاعدة ابن خلدون في شكل نهاية الدول، بل هو بسبب وصول الحاكم الضعيف إلى سدة الحكم.

لقد خرج الجميع اليوم عن طور الخضوع والخنوع من هيمنة شبه مطلقة أستمرت عقود طويله من الزمن، باستثناء الفصيل المسمى "العرب" الذين رقصوا طربا على إيقاع سمفونيا أوباما وهو يختزل قضية شعب ومصير أمة بمجرد قرار يتيم في أخر لحظات الرئيس، لايعدو كونه إلا حبرا على ورق أمام ممارسات اسرائيلية ضد الفلسطينيين تجاوزت حد المعقول على مدار عقود طويلة من الاحتلال المباشر، وأن الهدف الرئيسي من السماح بتمريره ليس حبا بسواد عيون العرب، بقدر ماهو عملية تصفية حسابات داخلية.

عندما دخل أوباما البيت الأبيض حاكما لأقوى دولة في العالم، كان ينظر الجميع على أن هذا حدثا غير عادي، فكيف يسمح "العرق الأبيض" المهيمن في أمريكا بحاكم من "عرق أسود"، كان يصنفه قديما في عرف القانون الأمريكي "رق"، ولكن المفاجئة كانت أن يعاد انتخاب هذا الرئيس في ولاية ثانية، حينما تمكن أن يقنع الناخبين أن الخطر الإقتصادي يمثل أكبر التحديات لهم، فلم يكن هذا الشعب واع للخطر الحقيقي الذي يكمن وراء فقدان هيبة الدولة التي ستؤدي إلى نهايتها حتما.

ان السياسة التي أنتهجها أوباما توحي من اللحظة الأولى أن هناك رئيسا ضعيفا في البيت الأبيض، بل ربما كان يمثل أضعف رئيس دخل هذا البيت منذ أول يوم تشييده، وأن هذا الضعف جعل لعاب المتطلعين نحو المنافسة يسيل، أملا في سحق هذا المارد الذي هيمن على الجميع عقود طويلة، وهكذا تم استغلال الرئيس، وتمكن خصومه الأقوياء من اختباره في أكثر من مرة، فعندما تيقنوا من ضعفه، وعدم إمكانية قيامه باتخاذ أي قرار شجاع لحماية هيبة أمريكا أدركوا انها فرصتهم.

ان سياسة أوباما وادارته وطريقة تعاطيه مع القضايا الخارجية الملحة، شبيهة إلى حد كبير بما كان عليه الحال في عهد كرباتشوف الذي أنتهت على يده منظومة دول الاتحاد السفييتي، وان الفترة التي قضاها كرباتشوف في الحكم كانت بحق مرحلة الإعداد والتنفيذ لنهاية الاتحاد السفييتي وحلف وارسو، وقد يتهم أوباما في يوما ما أنه عميل لروسيا، مثلما اتهم كرباتشوف من قبل أنه عميل لأمريكا، وقد تكون الحقيقة لاعلاقة لها بالعمالة، بقدر ماهي سبب وصول حاكم ضعيف إلى سدة الحكم، لاتتناسب شخصيته ومقدرته مع حجم ومكانة الدولة التي حكمها.

ومع كل هذا فالنتيجة التي يراها الجميع توحي أن روسيا جعلت أمريكا تشرب من نفس الكأس الذي شربت منه يوما. ولكن! إن كان الاتحاد السفييتي قد أنتهى أو تفكك على يد كرباتشوف باعتباره كان خاضعا وخانعا لأمريكا، فاننا اليوم أيضا نستطيع أن نقول أن أوباما طوال فترة رئاسته كان متواطئا وخانعا لروسيا، وأن ما نراه من تظاهر بالحكمة لايعدو كونه إلا ردة فعل لرئيس مهزوز ومتذبذب، لايستطيع أن يواجه جبروت رجل قوي تسلط عليه، وأرهبه من البدء حتى أخر لحظات حكمه في البيت الأبيض، وطبعا هو بوتين، الذي نجح في اعادة عجلة التاريخ لصالح روسيا.

إن سلمنا أن التاريخ يعيد نفسه في الحالتين، فهذا يعني أننا سنشهد في المستقبل عملية تفكك لأمريكا على غرار ماحصل للاتحاد السفييتي زمن كرباتشوف، رغم اننا سنميز اختلاف بين الحالتين من حيث النتيجة، مابين القطبين العالميين اللذين هيمنا على العالم عقود طويلة، تخللها خلل في العدالة الدولية، والتوازن المطلوب بين الأمم.

 ان أوجه الاختلاف هو أن الاتحاد السفييتي كانت قوته تكمن في مركز سيطرة رئيسي يمثل نواة استقطاب للجمهوريات المنضوية تحت رايته، وهذه القوة أو النواة بيدها كل مقاليد الأمور الخاصة بقوة الاتحاد السفييتي، فهي من يمتلك الترسانة العسكرية، والثقل الإقتصادي، والتحكم بالموارد، فعندما تفككت جمهورياته، صمدت تلك القوة باسم روسيا الاتحادية، كدولة قوية لم تفقد وجودها عبر المستوى الخاص باستغلال الجمهوريات السفييتية، بينما في أمريكا ليس هناك قوة أو نواة استقطاب للولايات الأمريكية، فكل القوة والموارد والصناعة موزعة بين الولايات بنسب متفاوتة، فأي انهيار وتفكك سيؤدي حتما إلى زوال أمريكا من الخارطة، وعدم وجود قوة ترثها، وتشكل رقم عالمي جديد في موازين القوى.

الحقيقة.... أوباما وان كانت فترة حكمه قد أنتهت، إلا انه ترك تركة ثقيلة من الضعف لإدارة جديدة تبدو غير مختلفة عن النهج الذي سلكه، وإن تظاهرت بخلاف هذا، فيبدوا أنها لن تستطيع ايقاف انكماش أمريكا، بل ربما انها سترتمي باحضان روسيا أكثر من ذي قبل، وعلى حساب أقرب حلفاءها الأوربيين، وان الشواهد في هذا كثيرة، وربما أكثرها وضوحا هو اتهام هذه القيادة انها صنيعة بوتين، وانها كانت ثمرت ضعف أوباما، الذي جعل اليأس والاستسلام يسيطر على الشعب الأمريكي بصورة عامة، إلى درجة لم يستطع هذا الشعب حتى أن يجد القرار المناسب في أختيار حاكم قوي في أخر انتخابات شهدتها البلاد، فلاحظنا منذ الجولات الأولى للانتخابات التمهيدية ان هناك تذبذب وفقدان للبوصلة، ولم نجد شخصية قوية يمكن ان تشكل رقم صعب قي معادلة المتنافسين، وأمرا طبيعيا ان يكون هناك حاكما، بغض النظر عن ملائمته لهذه الدولة العظمى من عدمه، فكان ترامب المتهم أصلا انه "دمية" بيد بوتين.

وهكذا نجد ان السيد أوباما وضع مستقبل أمريكا على المحك، وان محاولته التنصل من المسؤولية لاتجدي نفعا، فلم يعد يفيده طرد مجموعة دبلوماسيين ليظهر انه عدوا لروسيا، فالمؤشرات بائنة، وكلنا رأئ انعكاساتها في الانتخابات الأخيرة التي أفرزت عن ظواهر غير مسبوقة تتعلق باستقطابات سياسية حادة، واتهامات متبادلة بالعمالة والتبعية للخارج، أو حتى الفشل الإعلامي في تقدير الأمور من خلال إستطلاعات الرأي، أو حتى تدخل المخابرات لصالح طرف ضد الآخر، فكلها لخصتها عبارة واحدة صدرت من مسؤول روسي بالنص: (ان روسيا تريد شريكا امريكيا مقبولا لها).

فمتى كانت روسيا صاحبت المبادرة في هذا؟ إلا في عهد أوباما.

                                                                   

موضوعات متعلقة