النهار
الجمعة 21 نوفمبر 2025 01:14 صـ 29 جمادى أول 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
جامعة طنطا تدخل لأول مرة قائمة أفضل 350 جامعة عالميًا في تصنيف التايمز للعلوم البينية رئيس جامعة طنطا يشارك ف استقبال رئيس كوريا الجنوبية بجامعة القاهرة خلال أولى زياراته الرسمية لمصر مقتل مسجل خطر وضبط آخرين خلال مداهمة أمنية في بندر قنا أبو الغيط يرحب باتفاق مجلسي النواب والدولة الليبيين على البرنامج التنموي الموحد اتحاد المستثمرات العرب يشارك فى مؤتمر و معرض أوغندا ” لؤلؤة أفريقيا ” للسياحة .. كشريك استراتيجي لدعم... اليابان تفتح باب التسلح النووي.. ماذا يدور في الكواليس؟ تداعيات قرار الترويكا الأوروبية بمطالبة إيران تقديم تقارير دقيقة بشأن برنامجها النووي بالصور.. افتتاح مقر مودرن سبورت دبي ذوو الإعاقة السمعية يستغيثون.. معاناتنا لا تُقاس بالسماعات والمعينات لا تُلغي الإعاقة الوفد الثاني من المُلحقين الدبلوماسيين بوزارة الخارجية يزور استديو أحمد زويل بماسبيرو إسرائيل إلى الزوال.. متى تختفي دولة الاحتلال؟ فضيحة فساد كبرى تهز أوكرانيا.. زيلينسكي يواجه ضغوطًا لإقالة مسؤولين كبار بعد اختلاس 100 مليون دولار من قطاع الطاقة

مقالات

المناشي قطار المآسي

محمد السمالوسي
محمد السمالوسي

 

بقلم : محمد السمالوسي

قادني قدري للاتجاه شمالًا إلى محافظة البحيرة، فكانت وسيلة المُواصلات المُتاحة هي ركوب خط قطار القاهرة / المناشي الذي شَهِدَ مُؤخرًا حادثًا مروعًا راح ضحيته الغلابة؛ فرائحة الدّماء حاضرة في كُلّ مسامٍ في جلدي الرقيق، وصرخات الاستغاثات تُدوّي في أذني كدوّي النّحل، ويغلي التوتر في داخلي كمرجل ليس له صمام أمان، فكل ثانية تغزوني أفكار المصير والمجهول، ولا يوجد في هذا العالم أشد ألما من التوتر الذي يطيح بالقوة العصبية!

 على المقاعد المتهالكة أشدُّ ظهري، وأُسند رأسي للخلف قليلًا، مُهاجرًا بذاكرتي نحو المآسي الإنسانية في عالمِ البُؤس والحرمان، غامضًا عيوني، غاسلًا أجفاني بِدمع العجز عن التّسرية أو المُواساة.

مقاعدٌ مُرهقة كالواقع المُرهق الذي نحياه، فهي تُتعب الفقرات وتُرهق البدن، وتشدُّ العضلات المتوترة أساسًا دون شد، مللٌ رهيب يذبح صبري، قصص وحكايات تُلقى على قاع أذني، وجوه مسكونة بتجاعيد الأوجاع الثقيلة، وأرواح حبيسة المتاعب والمشاق.

سعيتُ جدًا لكسر هذا الملل الذي يُزاحمني، ويُصارع روحي، بالخروج من دائرة السلب إلى الإيجاب قليلًا..  سريت عن نفسي بفتح محادثات مع من يُجاورني في هذا المقعد القاسي.

«إبراهيم» مُجند، من "وردان" أخذنا نتجاذب أطراف الحديث ونتبادل المُداعبات والتلطف، وفتح مسارات لتوسيع الأفق في هذا العالم البائس، تحدثنا عن التدني الأخلاقي الدخيل على مجتمعنا والذي لم يستثني أحداً وكأنها جرعة إجبارية عامة ولابد أن يأخذ كل فرد منها نصيبه دون تمييز بين نوع، ولا سن، ولا بيئة، ولا ثقافة، ألسنا في عصر السماوات المفتوحة! اتفقت وإبراهيم بعد هذا الحوار الثري على ضرورة أن يكون لكل فرد دوره في تغير أخلاقيات المجتمع الذي يعيش فيه قدر استطاعته. أخذنا الحديث بعد ذلك نحو الطموح وصعوبات الحياة وعوائقها، وأن الواقع قاس، والمستقبل ضبابي إلا أن يُقدِّر الله شيئا آخر.

وهذا الحج «علي» كهربائي من «باشتيل» رجل مُسن، أخذ الزمان من جسده ما أخذ بيد أنه لازال يحتفظ بضحكة طفولية، حدب ظهره من الهموم، واستوطنت الغموم في وجهه المُجعد بِعامل الشقاء والسنون المريرة، بيد أنه حامد وشاكر (يا ابني كل يوم بركب كده!)..

 فكانت كلمات هذا المسن بمثابة ممحاة محت هذا الاضطراب والسخط الذي طغى على عقلي!

وهذه أخرى تُوصي ابنتها بألا تُلقي السّلام على جارتها حتى يغلقوا أمامها أي مساحة للتصالح أو عودة المياه لمجاريها، وأوصت ابنتها بـ«المحشي» لذا علمت سر وزنها المُرعب!

 

وهذه «سعدية» تَحكي قصة غدر الزمان، فأولادها تخلوا عنها بعد زواجهم، فأي سعد فيه يا مسكينة، والأليق بحالك «مَخْزِيَّة»!

قطار المآسي في كل مقعد قصة، وفي كلّ ركن حكاية، وفي كُلّ عربة رواية..

بعدما شحنتِني المآسي بطاقة السلبيات وأنا العاجز عن مداواة جراحات غيري، ومنهجي ألا أرقص على جراحات مذبوحة.. قررت التركيز في الخارج...

وجدت متعتي في النظر لفرع النيل وسحر البساتين على جانبي الطريق.. ففي داخل القطار الألم والملل، وفي خارجه الأمل والبهجة وزهور الربيع البديعة، والمساحات الخضراء، والحدائق الغناء. من خلال هذه النظرة السريعة والخاطفة خارج القطار أدركت كم يوجد في بلادنا من الخيرات والموارد والإمكانيات التي لو وجدت من يحسن استغلالها لتغير حالنا إلى أحسن حال.

وختامًا: هذه كانت مشاهد سريعة مُوجزة لما رصدته، تظهر ما في المجتمع من ألم وأمل دون الاستغراق في تفاصيل فهل سنجد مسئول حازق وعقل أريب نجيب يستأصل ما في جسد الوطن من علل ويحفز ما به من إمكانيات ليتعافى وليسترد شبابه وليرجع لسابق عهده !! أتمنى ذلك.

موضوعات متعلقة