النهار
الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 01:20 مـ 10 رجب 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
جلوبال كورب تغلق إصدار توريق بـ2.5 مليار جنيه بمشاركة IFC وبنوك كبرى انطلاق مسابقة «دايرة واحدة لإعادة ابتكار حلول تكنولوجية مستدامة» لدعم الاقتصاد الدائري في مصر مدينة مصر تتلقى 13.9 مليار جنيه مقدما.. هل تواجه الشركة تحديات في التسليم؟ برج الدلو في 2026: عام التجديد والفرص المهنية والعاطفية أزمة القيد تفتح باب عودة حسام أشرف للزمالك فى يناير راموس يقترب من العودة إلى أوروبا عبر بوابة نيس الفرنسي شيخ صوفية الصين عبد الرؤوف اليماني الحسني يسهم بدور بارز في تعزيز التعايش والحوار بين القوميات تامر حسني: حياتك محدودة بدقات القلب فلا تضيعها على ما لا يستحق مفاجأة للعزاب وخبر سار للمرتبطين.. توقعات برج الحوت لعام 2026 وزير الخارجية الصيني يدين صفقة الأسلحة الأميركية لتايوان من قلب العريش.. وزير الثقافة يطلق «بيت السرد» والمنصة الرقمية لأندية الأدب ويعلن عامًا ثقافيًا كاملًا في شمال سيناء جلاكسو سميثكلاين تعلن توزيع أرباح نقدية بقيمة 1 جنيه للسهم

مقالات

الجوع العاطفي

عائشة بكير
عائشة بكير


بقلم : عائشة بكير 


هو دافع دينامي قد يكون له مع المريض تاريخ قديم يمتد إلى الطفولة. والمعروف من الأطوار النفسية الجنسية أن أحدها هو الطور الفمي، وفيه تتركز كل الحساسية الشهوانية عند الطفل في فمه. وفي هذا الطور أيضًا نجد في الطفل نهمًا لأن يُعمل فمه في كل شيء، ويجد لذة كبرى في تناول الطعام أو في الرضاعة، ونجده يُعمل شفتيه في ثدي أمه مصًّا وعضًّا، فإذا حُرم من الرضاعة في غير الأوان، أو إذا لم تلبَّ حاجاته الفمية ظلت به تلازمه وتلح في طلب الإشباع، وتستمر في هذا الإلحاح حتى البلوغ وما بعده، وقد لا تجد الإشباع طوال هذه المدة، ومن ثم فقد يتحول المرء وهو صغير، أو عندما يبلغ، إلى الطعام يشبع به هذه الحاجات الفمية التي لم تشبع .
النفس البشرية خلقها الله وميَّزها عن سائر المخلوقات الأخرى، هي دائمًا في حاجة شديدة وملحَّة للعاطفة والاحتواء كحاجتها للطعام والشراب، الجوع العاطفي يعد سلوكًا ونمطًا مزعجين، وهو يسبب للإنسان عطشًا روحيًّا وفراغًا نفسيًّا وعاطفيًّا مؤلمًا للغاية، ويطلق عليه البعض في مجتمعنا الجفاف العاطفي؛ وذلك لعدم الاهتمام بالجانب العاطفي والنفسي عند الأبناء والزوجة وعدم إشباع هذا الجانب، بل يتم التعامل معه بنوع من الجفاف المؤلم. وينصبّ جُل الاهتمام على توفير الطعام والشراب واللباس والمسكن والكماليات، ويتجاهلون تمامًا وينسون، أو يتناسون، أن إشباع العاطفة والمشاعر والاحتواء أهم بكثير من الطعام والشراب واللباس، فتكوين الإنسان الفسيولوجي يختلف كل الاختلاف عن سائر المخلوقات الأخرى التي تكون في حاجة إلى الطعام والشراب فقط، خُلق الإنسان بشكل يختلف عن سائر المخلوقات، هو كائن عاطفي في حاجة لإشباع عواطفه ومشاعره أكثر من حاجته لإشباع جسده؛ فالجوع العاطفي والنفسي والروحي هو الجوع الحقيقي عند الإنسان عامة وعند الأبناء والمرأة بشكل خاص، وهو أشد ألمًا من الجوع الغذائي؛ لأن من جاع غذائيًّا يمكن أن يجد طعامًا في أي مكان أو يصنع لنفسه طعامًا، لكن من جاعت مشاعره وأحاسيسه فكيف يجد من يُشبع عواطفه ومشاعره ورغباته ويحتويه إن لم يجد من داخل أسرته؟
الجوع العاطفي قد يتسبب في ظهور بعض الانحرافات السلوكية عند فئة قليلة من البنات والأولاد والنساء والشباب الذين قد تتغلب عليهم الرغبة والعاطفة الجائعة دائمًا في البحث عن الحب والعطف والحنان خارج الإطار الأسري وخارج الإطار المشروع، الممنوع مرغوب.
وللأسف الشديد يساعد مجتمعنا وبشكل كبير في ذلك؛ فهو محاط ومنقاد بعادات وأنماط وأفكار ومفاهيم شديدة التخلف، مبغوضة وممقوتة، تنحصر في عدم إيمانهم بالعواطف الإنسانية؛ لأنها في نظرهم سوف تحط من قدرهم وهيبتهم، فأصبحت هذه المفاهيم والأفكار هي التي تشكل مجتمعنا تشكيلًا بغيضًا وترسم ملامح متفككة وترسم إنسانيتنا رسمًا مشوَّهًا وقبيحًا!
وعلى المجتمع، إن أراد أن يشكل أسرًا متحابة متجانسة، أن يعيد النظر بل ويؤمن بالإشباع العاطفي للأسر والأبناء، ويكون ذلك بطرق مختلفة مثل استخدام حسن الحديث والتعامل الراقي، والاحتواء والاستماع إلى هموم وشجون الأبناء والبنات والأخوات والزوجات ومناقشتهم وإقامة جسر من الحوار معهم والمساهمة في حل مشكلاتهم ورفع معنوياتهم وتشجيعهم والترفيه عنهم واحترام ميولهم وهواياتهم والقرب من نفوسهم وتحفيزهم وتلافي التعامل الجاف معهم للعبور إلى بر الأمان بهم من خلال هذا الجسر المقام بين جميع الأطراف، ونشر ثقافة العواطف المباحة وثقافة الاحترام والتسامح والرقة واللين في التعامل، وعلى المجتمع أن يعي أهمية إشباع العاطفة؛ فعندما لا تُشبع العاطفة يكون لها آثار وانعكاسات سلبية في نفسية وتعامل الأبناء والزوجات؛ فمن أسس التربية النفسية السليمة الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية السليمة، والبعد عن الأعراف والسلوكيات الاجتماعية التي تكرّس الجفاف والتسلط والقمع، والتي جعلت كثيرين لا يهتمون بالجوانب العاطفية في محيطهم الأسري والاجتماعي.
 

موضوعات متعلقة