الخميس 18 أبريل 2024 10:07 صـ 9 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

الطلاق بين الشفوى والموثق

حسن خليل
حسن خليل

 

بقلم : حسن خليل

الحكم على الشىء فرع تصوره  " بهذه العبارة المنطقية المحكمة ختم مقدم برنامج - والله أعلم - ، الذي يستضيف الدكتور علي جمعة ، المفتي السابق ، حلقة البرنامج  التي خصصها لمناقشة قضية الطلاق الشفوي والطلاق الموثق .. التي تحولت إلى زوبعة مؤخرا بعد أن تكلم الرئيس السيسي عن تزايد معدلات الطلاق بالمجتمع بدرجة ملفتة ، وصلت إلى ٤٠٪ ، في السنوات الخمس الماضية .. الأمر الذي حرك الساكن وأطلق التصريحات والمناظرات حول المسألة على قنوات فضائية معروفة بتوجهاتها غير الطيبة

الدكتور جمعة رجل له ماله وعليه ماعليه ، لكن قيمته الفقهية رغم كل شئ ليست محل نزاع ، ولنكن صرحاء ، وقد أعجبني رده على الهوجة القائمة الآن حول الموضوع .. فقد حرر أصل المشكلة وفصل جوانبها بدقة علمية واضحة .. ومما ذكره في معرض التمهيد لرأيه القاطع فيها ، أن بداية توثيق الطلاق كانت في نهاية العصر العباسي - لم يذكر بالضبط أي عصر للعباسيين مما يدل على أنه قصد نهاية الخلافة العباسية كلها - .. وأن الطلاق الشفوي وهو أصل الطلاق يقع بالقطع طالما إنتفت موانعه وتوفرت شروطه في المرأة والرجل .. وأن كثير من حالات الطلاق الشفوي هذا تؤول في النهاية وبعد الإستفتاء عنها من الزوج والزوجة من متخصص الفتوى إلى عدم الوقوع ، بسبب الجهل المتفشي بين الناس عن أحكام الطلاق بالذات .. فقد أحصت دار الإفتاء بالقاهرة عدد الحالات التي عرضت عليها منذ إنشاءها فكانت ما يقرب من ٣٠٦٣ حالة ، أو رقم قريب من ذلك لا أذكره الآن .. المهم والغريب في الوقت نفسه أن عدد الحالات التي عُدت طلاقاصحيحا منها ، بعد إستفصال المفتي وسؤاله للزوجين ، كانت ثلاثة فقط ، بينما الباقي كان غير صحيح ولم يحسب طلاقا على الإطلاق .. !!

.

إستغرب الرجل من إندهاش الناس للإحصائية التي ذكرها الرئيس ، والدعوة التي واكبتها لضرورة توثيق الطلاق الشفوي.. لأن النسبة المذكورة مأخوذة أصلا من دفاتر المأذونين ، وإلا فكيف أمكن حصرها على هذا النحو الدقيق .. الأمر الذي يؤكد بأن الطلاق الموثق واقع موجود فعلا ، وليس هناك مبرر أبدا للغط الدائر حوله الآن على شاشات الفضائيات المشبوهة .. فهي دعوة في الفراغ وليس لها محل من الإعراب بالتأكيد ، اللهم إلا التعبير عن سوء فهم ونوع من التدخل فيما لايصح الدخول فيه من البعض ، حتى لو كان هذا البعض هو الرئيس نفسه - والكلام هنا من عندي وليس كلام الشيخ علي جمعة - .. فكل الناس اللهم إلا قلة معدودة ولا يأبه لها يسارعون دائما إلى شيخ المسجد المجاور أو لجنة الفتوى الموجودة بمدينتهم ، للإبلاغ والإستفتاء عن يمين الطلاق الذي أوقعه الزوج على زوجته ، سواء كان طلاقا أول أو ثان أو ثالث ، خوفا من الوقوع في الحرام وحفظا للحقوق الخاصة بكل منهما بناءً عليه .. وعند ذلك يتبين لهما الخيط الأبيض من الخيط الأسود للإشكال الأساسي.. هل أُعتبر الطلاق صحيحا لدى المفتي أم لا ، فإن لم يصح وغالبا مايكون كذلك بسبب شيوع المخدرات والأمراض العصبية والنفسية الناشئة عن الأحوال المعيشية السيئة ، الخ .. فلا مشكلة أصلا ، وإن وقعت الطلقة وفق رؤية المفتي المتفقه في هذا الشأن.. فهنا منشأ الإشكال وجوهره ، والذي يريد أنصار التوثيق له أن يكون ، وهو ضرورة لجوء الزوحين لتسجيل أو توثيق الطلقة طالما أنها صحيحة حتى تحسب عليهما.. ويستأنفا العدة للطلقة الرجعية سواء أعاد الرجل زوجته خلالها أم لا ... المهم أن تحتسب الطلقة عليه وعليها حتى لا يذهبا بعد ذلك بعيدا في اللجاج والإنكار إذا خرجت العدة في البينونة الصغرى.. وبانت الزوجة منه فلا يتسنى له إعادتها مرة أخرى إلا بعقد ومهر جديدين ، كما يعرف أهل الإختصاص ، فيصبح التوثيق هنا حائلا دون الفوضى في هذا الجانب الخطير من حياة الناس .. فالتوثيق كما أفهمه ولا أظن أنه يخرج عن هذا السياق الفقهي السليم ، ليس مانعا من الدخول في العدة و إعادة الزوجة أثناءها عند الصلح والتراضي لمن شاء .. فسواء بانت منه الزوجة البينونة الصغرى أم لا عند إرجاعها قبل إنقضاءها .. فلابد من إحتساب الطلقة الصحيحة من رصيد الطلقات المتاحة شرعا للزوج ، وهذا ما يذهب هؤلاء إليه. ..

موضوعات متعلقة