الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:07 مـ 14 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
جامعة المنوفية توقع بروتوكول تعاون مع الهيئة القومية للإعتماد والرقابة الصحيةلمنح شهادة ”جهار- ايجيكاب”، ودعم المنظومة الطبية بالجامعة رئيس مياه الفيوم يتفقد مشروع إستكمال محطة معالجة الصرف الصحي بشكشوك «صحة كفر الشيخ» خامس الجمهورية في تقييم القوافل العلاجية ضمن مبادرة «حياة كريمة» جنايات المنصورة: المؤبد لقاتل شاب بعد سحله بالدقهلية رؤى المدني تشارك كعضو لجنة تحكيم في مسابقة الأفلام القصيرة في الدورة ال 4 من مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي المركز القومي للمسرح يكرم اسم الفنان الكبير الراحل أشرف عبد الغفور..غدًا سيشن تصوير ليوسف وأسرة”شقو” بالسعودية بعد تخطى الإيردات لـ 51 مليون جنيه خلال 13 يوم كوريا الشمالية تُجري محاكاة تنفيذ ضربة نووية ضد ”عدو خارجي خفي” استغاثة باللواء أحمد راشد محافظ الجيزة.. انقذوا سكان أبراج الخليج بالبحر الأعظم من الاستيلاء على جراجات 8 أبراج نقدًا لاستخدام الفيتو المتكرر.. بعثة مصر بالأمم المتحدة: مجلس الأمن بات يخاطر بفقدان أهمية دوره حارس يد الزمالك: نسعى للحصول على ”أبطال الكؤوس” للمرة الثالثة على التوالى تعطيل العمل بالبنوك والبورصة الخميس المقبل

مقالات

الحرب القذرة وسمفونيا المصالح!

 

 

            بقلم : عادل الأشرم ابن عمار

 

قدر العرب أن تكون بلادهم مطمع الغزاة، وقدرهم أن يكونوا ميدان لتصارع الأمم عبر التاريخ، وهذا الحال مرتبط بعوامل كثيرة لم تكن وليدة عهد حديث أو مرحلة محددة بعينها، بل هو نتاج طبيعي لحالة شاذة في سفر الأمم، وقد تكون المعطيات الدينية والإعتقادية والأخلاقية التي أختص بها العرب دون سواهم من المجتمعات إحدى أبرز تلك العوامل.

     ولكن! هذا لايعني أن نقلل من أهمية العوامل الأخرى سواءا منها الاجتماعية المرتبطة بالبنية الثقافية والسلوكية، أو العادات والأنماط والقيم، أو المكارم والخصال التي تقود إلى بناء مجتمع إنساني يتوافق مع فطرة الخليقة في تشكيل الوحدة الاجتماعية المنضبطة، أو مايتعلق بالعوامل السياسية التي في جلها مرتبط بالتأثيرات الخارجية والتدخلات الأجنبية الناشئة في كل عهد لمواجهة الإنضباط الأسري الإنساني للعرب.

      ومع هذا وذاك كان نصيب العرب كبيراً من الحروب التي شنت وتشن عليهم، سواءا الحروب الهجومية المباشرة المتعلقة بالمطامع والأهداف الدينية والجغرافية والإقتصادية والتسلطية، أو الحروب الدفاعية غير المباشرة التي يشرعها المتدخلون في الشأن العربي، بإعطاء أنفسهم الحق في تدمير وتفتيت المجتمع العربي، وعدم السماح له أن يأخذ دوره العالمي بطريقة توافق تطلعات أبناءه.

      اذاً يقف في كل هذا مطامع لاتنتهي، بدأت مع العرب ولن تقف إلا بإنتهاءهم، وبين ذا وذاك تقف "سمفونيا المصالح" لتطل على المشهد، كعادتها المألوفة تدخل من باب تعتليه زخرفة شكلية، عليها عبارات رنانة تدغدغ مشاعر الناس المغيبون عن مايجري، جل فحواها يدور عن حرب تناقضات، بل عن سمفونيا تضادات عكسية في كل شيء، وكأن اللغة المخترعة لهذه التوجهات التي تشرع بأسم النظام العالمي أختزلت بها.

     في خضم الأحداث الأليمة، ككل مرة، نجد أن بلادنا العربية هي مرتع للتوجهات المختلفة المؤتلفة، وكأن الأمر مرتبط بأجندة ثابتة لاتقبل المس في المضمون، محكومة لعرش الشر الذي ترثه الأنظمة الكونية العظمى.

     ففي كل مرة من تاريخها، وفي كل عهد، تبرز قوى ترث قوى أخرى أختفت تحت ضرباتها، أو أنهارت تلقاء نفسها بتداعي أساسها، نجد أن نصب عين المعتلي قمة عرش الأرض هم العرب، وكأن الكون متوقف على هذه البقعة الجغرافية التي تتوسط اليابسة المأهولة، والتي خصها الله بمناخ وموقع جغرافي مميز، وأرض ومياه وثروات عظيمة، لم يستفاد أهلها منها بشيء، ولم يكونوا يوماً أصحاب خيار حر في التصرف بها، وخاصة في العصر الحديث، حينما وجدوا أنفسهم أنهم محكومون للتقسيمات القطرية التي هي محددة على شكل مؤسسة مصرفية تتفرع إلى عدد من البنوك، يديرها موظفون معينون يخضعون لسيادة عالمية أسمها "سمفونيا مصالح الدول العظمى"، دون أن يكون لأهل هذا البنك حرية في التحكم بشكل السيولة الداخلة أو الخارجة اليه أو منه، وتترك الغالبية الساحقة من الشعب تعيش تحت خط الفقر.

    هذا نوع من الحروب التي لاتنتهي ضد العرب، حرب الفقر والحرمان، حرب الإذلال والتبعية، حرب القمع والتسلط، حرب نهب الثروات وإغتصاب الحقوق، حرب الفتن والصراعات الفئوية المخلوقة من الخارج وبدعم الخارج، فكلها أشكال تندرج في حرب قذرة واحدة مستمرة، أتضحت صورتها في الآونة الأخيرة، وباتت تتطور وتتكيف وفقاً لمعطيات شعار المصالح الدولية التي تقاطعت وأتفقت في صورة أشبه بأن تكون مسلسل هندي لاتنتهي حلقاته، حتى دخلنا في نوع جديد منها، بل هو أخطرها، وهو حرب الذات بأسم الذات، تحت مدرجات ملاعب مكشوفة في الهواء الطلق بعنوان "الشرعية"، شرعية حكام تستمد شرعيتها من الخارج بدون رغبات الجماهير، وتفرض عنوة، فتصبع أمراً مألوفاً، وعرفاً سلوكياً لايمكن الخروج عنه، غايته حشر كل عنوان قطري ضمن نطاق جغرافي محدد لخلق تبعية الانهاية.

     واليوم والعالم يصل إلى مرحلة غير مسبوقة من الفطنة الفكرية في دوافع العقل الذاتي، تعيش شعوبنا ذاك الكابوس وذاك الهاجس الذي لاينتهي، هو قدرنا أن نعيش الإذلال إلى أجل غير معلوم تحت عناوين حروب إستباقية، أو حروب شرعية تشرعها القوى العظمى، بعد أن تجد لها الحجج والذرائع التي تخترعها وتسوقها إعلامياً، فيصير هناك "بعبع" مخيف يستلزم من الشرق والغرب مواجهته، وطبعا التحرك سيكون مناط بالدول الضعيفة قبل القوية، وستكون الفاتورة من مسؤولية النخبة السرية التي تتحكم بمصدر القوة في العالم، فهي من تحدد التكاليف في قاعات مافوية تجارية أعدت لهذا الغرض.

     هي حرب قذرة أشعلوها في ديارنا، خلقوا أعذارها وحججها من ذاتنا، ونحن وقودها، ونحن من يدفع فاتورتها أبتداءا من العيارات الطائشة السكرانة، وانتهاءا بالصواريخ القاذفة العابرة للقارات.

     ندفع المال لكل حرب ضدنا، ونحن من نفقد الرجال، ونسلم الأرض، ونبيع الكرامة، وكلها ننفذها تحت بند "العدالة الدولية" الضامنة لحقوق البشر. فأين حقوقنا؟ بمجرد المطالبة بأدناها يكون الثمن هذا الذي نراه في الحرب القذرة التي شنت علينا.

     أجندة لاتخطر على بال حتى الشيطان، تطبق بأرضنا، وأمام أعيننا، ونقطف ثمار شرها بأنفسنا قتلاً وتشريداً وتهجيراً، وتغييراً ديموغرافياً، وتحولاً اجتماعياً، وتسويقاً عقائدياً، فيكون ثمن الكلمة الحرة بلدان مدمرة، وحدود مستباحة، وكرامة مفقودة، ورايات متنوعة، وأفكار دخيلة، وفوضى عارمة، فتخلق الجسور لتدميرنا، فنجد في كل بقعة من أرض العرب بؤرة صراع تنمو، تغذيها أفكار دخيلة على عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا الحربية، تغذيها مصالح دولية أرادت لها هذه الولادة، وأعدت لها كل شيء مسبقاً، حتى يكون العربي همه الوحيد الصراع من أجل البقاء.

     ونحن أين؟ نعيش صراع الذوات الداخلية تحت الإعتقادات والاختلافات المذهبية التي لازالت تعشعش في نفوسنا عبر قرون طويلة من الزمن، نعرف أسبابها ومآلاتها، ولكننا لانستطيع مجرد التفكير بالتخلص منها.

     الحرب القذرة اليوم تصل إلى صورة عجيبة، تقودها دول ولدت من رحم الموت، وتسيدت تحت بنود المنتصر في الحرب العالمية الثانية، فأعطت نفسها الحق في أن تتحكم بمصير البشرية، بدافع المصالح الخاصة قبل العامة، فنجدها اليوم في سوريا والعراق تخوض صراع الإرادات من أجل المصالح والنفوذ، غير مبالية بما حصل ويحصل على مدار الساعة، غير مراعية للمواثيق التي هي من وضعتها، فهي من تقود الحرب القذرة.

     الحرب القذرة هي التي لاتراعي حقوق، ويغيب فيها الضمير الإنساني، ويستباح فيها كل شيء، وتشرع بأسم العدالة الإنسانية بينما واقعها شريعة غاب، شعارات رنانة ماهي إلا كذبة وضعها المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية، لتبرير تدخلهم بشؤون الدول والأمم بصورة لاتحزن الرأي العام، شعارات أقل مافيها سخيفة، فكل دولة همها الأول تأمين مصالحها الخاصة.

     سوريا والعراق تدمر والطريق نحو الدول العربية الأخرى واحدة تلو الأخرى، بحجة "بعبع" هم خلقوه بأنفسهم، وهم من يغذيه، وهم من يستخدمه متى شاء وكيف شاء. أقطاب عالمية متنافسة ومهيمنة، وقوى اقليمية تبحث عن إلتقاط الفتات الساقط من فم الأسد، وأسئلة وعلامات إستفهام تنتظر من يجيب عليها في المستقبل.

     فعندما يقتل مئات الألآف من المدنيين الأبرياء العزل، ويتم تهجير الملايين من ديارهم، وتنهب أملاكهم، وتحرق منازلهم، وتعطل الحياة في بلادهم، وتتحول مدنهم الكبرئ والصغرئ إلى معسكرات أجنبية، وإلى أوكار لفئات وسرايا وفصائل وجماعات متصارعة ومتناحرة، فماذا نسمي هذا إلا عقوبة من تلك القوى التي وجدت تمرداً على مصالحها، أسترعت تلك الحرب القذرة القاسية؟ عقوبة شعب  أراد أن يعبر عن نفسه كحال الشعوب الأخرى، ويقول للظلم كفى!

     ماذا نقول عن تلك العقوبة؟ متى العزف على سمفونيا المصالح ينتهي، لتتنفس شعوب المنطقة هواء نقي خالي من ريحة البارود؟

                                                   

موضوعات متعلقة