الخميس 28 مارس 2024 11:58 صـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

مصر من معركة البقاء إلى بقاء المعركة

الموجى
الموجى

 

 

بقلم: محمد شعبان الموجى

مرت مصر كبقية دول الربيع العربى بمعركة بقاء الدولة أو تثبيت الدولة، وكان ذلك على رأس أولويات الرئيس السيسى، وكان هذا أمرا طبيعيا وكان من الطبيعى أن يتصرف السيسى كقائد معركة يرتدى بدلته العسكرية حتى بعد تولى السلطة.. ويتعامل مع الواقع كما يتعامل قائد عسكرى مع معركة حربية.

وقد تفهم هذا الدور الكثير من العقلاء لأن البديل كان الوقوع فى حكم طائفى يديره كيان مواز للدولة لا يريد أن يتنازل عن كينونته كجماعة سرية وكدولة داخل الدولة رغم وصوله إلى الحكم بالفعل.. كان يجب أن نفهم طبيعة المرحلة.. فالقائد العسكرى الذى يقود جيشا فى معركة يرى أنه يجب أن تسخر وتتحول كل وسائل المعارضة ومنابر الرأى إلى لجان إلكترونية وشئون معنوية ومجهود حربى.. وكان الخطاب العام للسيسى يصب فى هذا الاتجاه.. فمن غير المقبول وقت المعركة أن تخرج علينا صحيفة أو فضائية من الفضائيات تتحدث عن سلبيات وأخطاء السياسة والاقتصاد.. ولو كان صوتا واحدا عبر مواقع التواصل الاجتماعى.

وكان من الطبيعى لمن يريد أن يحاسب الرئيس السيسى أن يحاسبه كقائد عسكرى يسخر كل شىء للمجهود الحربى وليس كرئيس دولة تديرها مؤسسات.. وقد نجح بالفعل فى صد موجات الفوضى التى كانت تعم البلاد وتهدد مستقبلها وكنا جميعا متقبلين لفكرة أن تكون مصر كلها جيشا داخل دولة فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة .

لكن بقاء آليات المعركة وأجوائها وأسلحتها وإعلامها رغم انتهاء معركة البقاء وتثبيت الدولة غير مقبول ومضر جدا بالوطن، ويأتى غالبا بنتائج عكسية تماما.. فإذا كان من المستحيل أن تعيش دولة بلا جيش فمن المستحيل أيضا أن يعيش جيش بلا دولة.. فكان لا بد من إنهاء تلك المعركة وخوض  معركة مصر الحقيقية، وهى معركة بناء الدولة المصرية الحديثة التى تقوم على الفصل الكامل بين السلطات وعلى تفعيل دور الأحزاب وعلى إعلاء دور العمل السياسى والديمقراطية وحرية الكلمة، لكن المشكلة تكمن لدى الرئيس السيسى فى انه لا يؤمن ولا يعتقد بجدوى المعارضة السياسية، ولا بجدوى المراقبة المؤسساتية لميزانية المشروعات العملاقة التى يقوم بها ولا يؤمن كذلك بحق المعرفة للشعب.. بل يبدو أنه يعتقد ان تلك المعارضة والمراقبة مهما كانت هى جزءا او أداة من ادوات المؤامرة على مصر.. أو على أقل تقدير تمثل معوقات حقيقية تعطل مسيرة النهضة والبناء التى يقودها عبر حزبه الحقيقى الذى هو المؤسسة العسكرية التى يعشقها حتى النخاع.

ولذلك لا أتذكر أن الرئيس السيسى تحدث ولو بكلمة واحدة عن دور المعارضة ولا عن حرية الكلمة والرأى ولا كلمة واحدة عن الأحزاب المصرية التى كانت تعيش فى غرفة الإنعاش فى عهد مبارك فجاءت أحداث الثورة فانتزعت تلك الأجهزة فماتت الأحزاب المصرية إلى غير رجعة.. فلم تعد تحس منهم من أحد أو تسمع له رجزا .

إن معركة عودة الحياة السياسية والنيابية الصحيحة إلى مصر كانت دائما وأبدا هى معركة الشعب المصرى منذ عصر محمد على.. لن تقوم إلا من خلال تفعيل دور الأحزاب السياسية وكل التيارات السياسية وعلى رأسها التيار الإسلامى بشرط أن يمارس عمله من خلال أحزاب سياسية حقيقية لا تكون ذراعا لجماعات أيديولوجية.. لأنه يشكل الغالبية العظمى من القاعدة الشعبية شاء من شاء وأبى من أبى.. هذه حقيقة وواقع.. إن عودة الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام الحر لممارسة دورها ليست ترفا ولا يمكن أن تكون معوقا لمعركتها الاقتصادية بل على العكس من ذلك وهو عودة الحياة السياسية والنيابية وحرية الكلمة وعدم مطاردة الأقلام الحرة أو الخوف منها.. وأتعجب كيف لهذا النظام الذى يمارس قبضته الحديدية يهتز لكلمة عابرة من سائق التوك توك الشهير بل مطاردة المذيع الذى استضافه، والسعى إلى استصدار قوانين مكبلة للحريات فى زمن الفضاءات المفتوحة... هو ضرورة اقتصادية لتوفير بيئة استثمارية طبيعية ومحاربة الفساد بكل أنواعه وتفعيل المشاركة الشعبية بالرأى الحر.. وبدون ذلك فسوف تظل مصر دولة فاشلة مرتعشة على كل الأصعدة وبلا حياة حقيقية.. مجرد قطيع يتم إطعامه بالقدر الذى يحفظ له الحياة البيولوجية لا أكثر ولا أقل .

 

موضوعات متعلقة