الجيش الأميركي يشن عملية عسكرية واسعة ضد داعش في سوريا
أسفرت الضربات الجوية الأميركية التي نُفذت ليلًا على مواقع يُشتبه بارتباطها بتنظيم "داعش" في سوريا عن مقتل خمسة عناصر على الأقل من التنظيم، وفق ما أعلنه المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تصعيد عسكري يأتي بعد نحو أسبوع من هجوم دامٍ استهدف قوات أميركية في مدينة تدمر وسط البلاد.
وقال مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، إن من بين القتلى قائد خلية متخصصة في تشغيل الطائرات المسيّرة، كانت تنشط في محافظة دير الزور، مشيرًا إلى أن الضربات استهدفت مواقع عالية الأهمية داخل الهيكل العملياتي للتنظيم، وليس مجرد تجمعات عشوائية لعناصره.
وبحسب مصادر أمنية سورية، فإن الغارات الأميركية طالت شبكات وخلايا نائمة لتنظيم داعش في حمص، ودير الزور، والرقة، وهي مناطق تشهد منذ أشهر نشاطًا متزايدًا للتنظيم، خاصة في البادية السورية والمناطق الصحراوية المفتوحة التي يستغلها في تنفيذ هجمات مباغتة ضد القوات المحلية والدولية.
وجاءت هذه الضربات ضمن عملية عسكرية واسعة أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجمعة، ردًا على كمين مسلح في تدمر أدى إلى مقتل جنديين أميركيين ومترجم أميركي. ورغم أن تنظيم داعش لم يتبنَّ الهجوم رسميًا، فإن الولايات المتحدة نسبت العملية إليه، معتبرة إياها جزءًا من محاولات التنظيم لإعادة إثبات حضوره الميداني.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن العملية استهدفت أكثر من 70 هدفًا في وسط سوريا، شملت مراكز قيادة، مخازن أسلحة، مواقع إطلاق طائرات مسيّرة، ومسارات لوجستية يستخدمها التنظيم في تحركاته بين البادية السورية وشرق البلاد. ونُفذت الضربات باستخدام طائرات مقاتلة، ومروحيات هجومية من طراز أباتشي، إضافة إلى مدفعية بعيدة المدى.
وأوضح مسؤولون أميركيون أن الضربات ركزت على شلّ قدرات داعش على التخطيط والقيادة والسيطرة، خصوصًا في ما يتعلق باستخدام الطائرات المسيّرة التي بات التنظيم يعتمد عليها في الاستطلاع وتنفيذ هجمات محدودة لكنها مؤثرة.
وفي تعليق مباشر، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب العملية بأنها "ضربة انتقامية قوية جدًا"، مؤكدًا أن :"الولايات المتحدة لن تتردد في استخدام القوة الساحقة لحماية جنودها ومصالحها"، وقال:"أمرت بتنفيذ ضربة واسعة النطاق ضد الإرهابيين الذين قتلوا ثلاثة من وطنيينا العظماء الأسبوع الماضي. العملية كانت دقيقة وناجحة من جميع الاتجاهات، دون أخطاء. نحن نعيد فرض السلام من خلال القوة".
وتشير هذه العملية إلى تحول نسبي في قواعد الاشتباك الأميركية داخل سوريا، حيث تعكس استعداد واشنطن للرد السريع والمباشر على أي تهديد يستهدف قواتها، في وقت تتزايد فيه التحذيرات الاستخباراتية من محاولات داعش إعادة بناء شبكاته مستفيدًا من التوترات الإقليمية وتراجع وتيرة العمليات الدولية ضده مقارنة بالسنوات السابقة.
ويرى مراقبون أن الضربات الأميركية تحمل رسائل متعددة؛ أولها إلى تنظيم داعش بأن أي هجوم على القوات الأميركية سيقابَل برد واسع، وثانيها إلى الأطراف الإقليمية الفاعلة في الساحة السورية بأن واشنطن لا تزال تحتفظ بقدرة عسكرية حاسمة، وثالثها إلى الداخل الأميركي، في إطار تأكيد الإدارة على نهج "الردع بالقوة" الذي يرفعه الرئيس ترامب.
خريطة انتشار تنظيم داعش في سوريا: جيوب نشطة وممرات صحراوية
رغم تراجع سيطرته الجغرافية منذ هزيمته المعلنة عام 2019، لا يزال تنظيم داعش يحتفظ بشبكة انتشار مرنة تعتمد على خلايا صغيرة وجيوب متفرقة، تتركز أساسًا في البادية السورية الممتدة بين محافظات حمص، ودير الزور، والرقة، إضافة إلى جيوب محدودة في محيط تدمر والمناطق الصحراوية المتاخمة للحدود العراقية.
وتُعد هذه المناطق ذات طبيعة جغرافية وعرة ومفتوحة، ما يمنح التنظيم قدرة على التخفي والمناورة وتنفيذ هجمات خاطفة، مستفيدًا من الفراغات الأمنية واتساع رقعة الصحراء، إلى جانب استخدام طرق تهريب قديمة ومسارات لوجستية تربط بين شرق سوريا وغرب العراق.
وتشير تقارير أمنية إلى أن التنظيم يعتمد في هذه المناطق على خلايا نائمة مستقلة نسبيًا، تعمل وفق مبدأ «الذئاب المنفردة» أو المجموعات الصغيرة، مع تركيز متزايد على الطائرات المسيّرة في الاستطلاع وتوجيه الهجمات، بدلًا من السيطرة الميدانية المباشرة.
تأثير الضربات الأميركية: إضعاف القيادة وتقييد الحركة
الضربات الأميركية الأخيرة استهدفت، وفق مصادر مطلعة، مراكز قيادة ميدانية ومخازن أسلحة ومسارات تحرك يستخدمها التنظيم في البادية ووسط سوريا، ما يشير إلى تركيز واضح على تفكيك البنية القيادية والقدرات التقنية لداعش، بدلًا من الاكتفاء باستهداف عناصره القتالية فقط.
ومقتل قائد خلية مختصة بتشغيل الطائرات المسيّرة في دير الزور يُعد ضربة نوعية لقدرات التنظيم، إذ يحدّ من قدرته على جمع المعلومات وتنفيذ هجمات دقيقة ضد القوات الأميركية وشركائها المحليين، كما يعكس اختراقًا استخباراتيًا لمستويات حساسة داخل التنظيم.
ويرى محللون أن استهداف أكثر من 70 موقعًا في عملية واحدة من شأنه تعطيل خطوط الإمداد بين خلايا التنظيم، وإرباك آلية القيادة والسيطرة، ودفع داعش إلى العودة لأسلوب الدفاع والتخفي بدلًا من المبادرة بالهجوم، على الأقل في المدى القريب.
لكن في المقابل، تحذّر تقديرات أمنية من أن هذه الضربات، رغم شدتها، قد تدفع التنظيم إلى تكثيف هجمات انتقامية محدودة، أو نقل نشاطه إلى مناطق أقل تعرضًا للضغط العسكري، مستفيدًا من هشاشة الوضع الأمني في بعض المناطق السورية.
وفي ظل هذا التصعيد، يبقى المشهد الأمني في سوريا مرشحًا لمزيد من التوتر، خصوصًا في المناطق الصحراوية التي تشكل ملاذًا تقليديًا لخلايا التنظيم، ما يفتح الباب أمام جولة جديدة من المواجهة المفتوحة بين القوات الأميركية وتنظيم داعش خلال الفترة المقبلة.


.jpg)

.png)














.jpeg)

.jpg)



