قمة الدوحة تكشف تعثر مشروع القوة الدولية في غزة
يسود قدر كبير من الغموض بشأن مخرجات القمة التي عقدتها القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) في الدوحة، حول إنشاء قوة دولية لتحقيق الاستقرار في قطاع غزة، في وقت تكثف فيه واشنطن مساعيها للحصول على التزامات عسكرية ومالية من دول عدة، وسط استبعاد إسرائيل بالكامل من المشاورات.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن دبلوماسيين غربيين أن تفاصيل محورية تتعلق بالقوة المقترحة لا تزال غير محسومة، بما في ذلك طبيعة ولايتها، ومناطق انتشارها، وقواعد الاشتباك التي ستحكم عملها على الأرض، وهو ما يعكس حجم التعقيد السياسي والأمني المحيط بالمبادرة الأميركية.
وتأمل الولايات المتحدة في بدء نشر القوة مطلع يناير المقبل، إلا أن مخاوف جدية لا تزال قائمة بشأن احتمال اندلاع اشتباكات مباشرة مع عناصر من حركة حماس أو فصائل مسلحة أخرى في القطاع، فضلًا عن الاحتكاك المحتمل مع القوات الإسرائيلية المنتشرة في محيط مناطق العمليات.
قمة مغلقة بلا تمثيل إسرائيلي
القمة، التي عقدت الأربعاء في الدوحة، شارك فيها ممثلون عن نحو 45 دولة، وجاءت في إطار من السرية، حيث عُقد الاجتماع خلف أبواب مغلقة دون مشاركة إسرائيلية، في خطوة تعكس حساسية الطرح الأميركي ومحاولة تجنب أي تعطيل سياسي مبكر للمبادرة.
وخلال الاجتماع، عرضت واشنطن تصوراتها الأولية بشأن هيكل القوة، وطلبت من الدول المشاركة تحديد مساهماتها المحتملة، سواء عبر إرسال قوات ميدانية، أو تقديم دعم مالي، أو المشاركة في برامج التدريب، على أن يُعقد اجتماع متابعة في يناير المقبل لتقييم مستوى الالتزامات.
هيكل غير محسوم ومخاوف المشاركة
وأكد دبلوماسيون غربيون أن هيكل القوة لا يزال في طور التقييم، مشيرين إلى أن الإدارة الأميركية تركز حاليًا على قياس مدى استعداد الدول للانخراط، دون حسم نهائي للأدوار أو المسؤوليات.
وفي هذا السياق، اقترح ممثلو الاتحاد الأوروبي توسيع برامج تدريب الشرطة الفلسطينية القائمة حاليًا في الضفة الغربية، لتشمل عناصر قد يُعاد نشرها مستقبلًا في قطاع غزة، ضمن مقاربة تعتمد على “إعادة بناء القدرات الأمنية المحلية” بدل الانتشار العسكري المباشر.
وتجري مناقشات مع عدد من الدول بشأن المساهمة المحتملة، من بينها إندونيسيا، أذربيجان، باكستان، وبنغلاديش، بينما أبدت إيطاليا اهتمامًا مشروطًا، مع ترجيح تركيزها على التدريب والإشراف الفني بدل إرسال قوات، خصوصًا في ظل الدور الذي يؤديه مسؤولون إيطاليون حاليًا في ملف التدريب والإشراف المقترح على معبر رفح.
تحفظات دولية وحسابات إقليمية
وبحسب مسؤولين أميركيين، تجري واشنطن محادثات مع ما بين 15 و20 دولة، إلا أن عددًا منها أبدى قلقه من مخاطر الانزلاق إلى مواجهات مباشرة، سواء مع الفصائل المسلحة داخل غزة أو مع الجيش الإسرائيلي، في ظل غياب رؤية واضحة لقواعد الاشتباك، وأنماط التسليح، ومواقع الانتشار والتدريب.
ولم تُدعَ تركيا إلى القمة نتيجة اعتراضات إسرائيلية، رغم أن مسؤولين أميركيين لم يستبعدوا انخراط أنقرة في مراحل لاحقة، في وقت تشير فيه تقارير إلى أن تركيا تمارس ضغوطًا دبلوماسية على بعض الدول لثنيها عن المشاركة.
انتشار تدريجي وقيادة أميركية محتملة
ويتوقع مسؤولون أن تبدأ القوة بالتشكل تدريجيًا اعتبارًا من يناير، مع احتمال تنفيذ برامج تدريب في دولة ثالثة بالمنطقة، قبل انتشار أولي في محيط رفح داخل ما يُعرف بـ“الخط الأصفر” الذي تحدده إسرائيل وتخضع أجزاء منه لسيطرة الجيش الإسرائيلي.
وتسعى واشنطن إلى تعيين جنرال أميركي لقيادة القوة، ويبرز اسم الجنرال جاسبر جيفرز، الذي سبق أن أشرف على فريق مراقبة وقف إطلاق النار في لبنان، كأحد أبرز المرشحين لتولي هذا المنصب.
ونقل دبلوماسي غربي، استنادًا إلى تحديثات من القيادة الإقليمية الأميركية في جنوب إسرائيل، قوله: “نأمل الانتقال إلى المرحلة الثانية قريبًا، لكن قد لا تكون هناك نقطة بداية واضحة. العملية تدريجية بالكامل، والجدول الزمني يخضع لتقديرات الولايات المتحدة”.
تعكس قمة الدوحة محاولة أميركية لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة بأدوات أمنية متعددة الأطراف، لكنها في الوقت ذاته تكشف هشاشة التوافق الدولي حول طبيعة الدور المطلوب وحدوده. فغياب إسرائيل عن المحادثات، مقابل مخاوف الدول المشاركة من الاشتباك معها أو مع الفصائل الفلسطينية، يضع المشروع أمام اختبار صعب، قد يحوله إلى قوة “ضبط مؤقت” أكثر منه إطارًا مستدامًا للاستقرار، ما لم تُحسم قواعد العمل والولاية السياسية بوضوح.


.jpg)

.png)












.jpeg)

.jpg)



