أفريقيا على خريطة القوة العالمية: قمة العشرين في جوهانسبرغ وسط غياب أمريكي

في لحظة وُصفت بأنها تاريخية للقارة السمراء، انطلقت اليوم السبت في مدينة جوهانسبرغ أعمال قمة قادة مجموعة العشرين، التي تُعقد للمرة الأولى في أفريقيا منذ تأسيس المجموعة عام 1999. وتجري القمة وسط انتشار أمني كثيف واهتمام عالمي لافت، في ظل تحديات اقتصادية وجيوسياسية غير مسبوقة تعصف بالعالم.

تشارك في القمة وفود رفيعة من 42 دولة ومؤسسة دولية، فيما تأمل جنوب أفريقيا بوصفها أول دولة أفريقية تتولى رئاسة المجموعة مرتين في تحويل هذا الحدث إلى منصة لإعادة صياغة دور "الجنوب العالمي" في الاقتصاد الدولي.

رئيس جنوب أفريقيا: آن الأوان لتعويض عقود التهميش الاقتصادي للقار

في خطاب الافتتاح، أكد الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا أن استضافة القمة تمثل انتصارًا سياسيًا ومعنويًا للقارة الأفريقية، وفرصة نادرة للدول الكبرى لإعادة التفكير في أساليب مواجهة الأزمات العالمية. وأوضح أن تحقيق ذلك يتطلب إطلاق موجة جديدة من الاستثمارات الموجهة إلى الدول النامية، مع ضرورة مضاعفة التمويل المخصص لمواجهة التغير المناخي، إضافة إلى الشروع في إصلاح جذري لنظام المؤسسات المالية الدولية بما يضمن إنصاف الدول الأكثر هشاشة. كما دعا القادة إلى إنهاء النزاعات المسلحة التي تستنزف موارد الشعوب وتحرمها من فرص التنمية، مشددًا على أن أفريقيا تعلّق آمالًا واسعة على هذه القمة لإحداث تحول حقيقي في ملفات الفقر والبطالة والتنمية المستدامة.

المقعد الأميركي… الغائب الذي يفرض نفسه

ورغم الحضور الواسع، فإن غياب الولايات المتحدة كان الحدث الأكثر إثارة للجدل.فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاطعة بلاده للقمة، متهمًا جنوب أفريقيا بممارسة "تمييز عنصري ضد البيض" وهو تصريح أثار انتقادات دولية واسعة.

كتب ترامب على منصة “تروث سوشيال”:"إنه لأمر مخزٍ أن تُعقد قمة العشرين في دولة تستمر فيها انتهاكات حقوق الإنسان".

وأكّد البيت الأبيض لاحقًا أنه سيكتفي بإرسال ممثل لحضور مراسم تسليم الرئاسة الدورية إلى الولايات المتحدة، من دون المشاركة في جلسات القمة. وتشير التقديرات إلى أن الممثل سيكون القائم بالأعمال الأميركي مارك دي ديلارد.

وقال رامافوزا:"إن بلاده لن تسمح بأن تطغى هذه المقاطعة على عمل القمة"، موضحًا أن واشنطن طلبت في اللحظة الأخيرة صيغة حضور خاصة رغم قرار ترامب.

غيابات مؤثرة وحضور دولي مكثّف

أكدت جنوب أفريقيا أن ستة قادة دول لن يحضروا القمة، لكنهم أوفدوا ممثلين رفيعي المستوى.
وباتت قائمة الغياب ذات دلالات سياسية واضحة:

أبرز الغائبين

شي جين بينغ (الصين) : يمثّله رئيس الوزراء لي تشيانغ.

فلاديمير بوتين (روسيا) : يمثّله ماكسيم أورشكين، بسبب مذكرة التوقيف الدولية.

خافيير ميلي (الأرجنتين) : يمثّله وزير الخارجية.

بولا تينوبو (نيجيريا) : ألغى حضوره إثر حادث خطف 25 طالبة.

كلوديا شينباوم (المكسيك) : مرتبطة ببرنامج داخلي.

أبرز الحاضرين

حضر القمة عدد كبير من قادة القوى الكبرى، من بينهم: ماكرون، مودي، ميرتس، ستارمر، لولا دا سيلفا، أردوغان، ميلوني، ساناي تاكايشي، مارك كارني، وألبانيز.

كما شارك أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وقادة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

أجندة شاملة: الفقر، الديون، والمناخ في الصدارة

وضعت جنوب أفريقيا خطة عمل طموحة للقمة تستهدف معالجة أبرز القضايا التي تشغل دول الجنوب العالمي، بدءًا من إعادة هيكلة ديون الدول منخفضة الدخل، مرورًا بالدفع نحو رفع التمويل المناخي الذي تقدمه الدول الغنية ليصل إلى مئة مليار دولار سنويًا على الأقل، وصولاً إلى حماية الدول المصدّرة للمعادن الإستراتيجية مثل الليثيوم والكوبالت من الضغوط المتزايدة الناتجة عن التنافس الدولي على هذه الموارد الحيوية. كما تتضمن الخطة تعزيز تمويل مشروعات البنية التحتية الرامية إلى مواجهة الكوارث الطبيعية وتحسين قدرة الدول الهشّة على الصمود. ويرى اقتصاديون أن هذه الأجندة قد تشكل محطة مفصلية في إعادة رسم طريقة إدارة النظام المالي العالمي، خصوصًا في ظل تصاعد نفوذ الاقتصادات الناشئة.

جوهانسبرغ تتحول إلى منطقة خضراء

انتشر نحو 3500 عنصر شرطة في العاصمة الاقتصادية لجنوب أفريقيا، فيما وُضعت وحدات من الجيش في حالة تأهب.
وظهرت الطرق من مطار أور تامبو حتى مركز المؤتمرات "ناسريك" مزينة بأعلام الدول والزهور، بينما لفتت الأنظار مشاركة الرئيس رامافوزا شخصيًا في حملات تنظيف الشوارع.

ورغم الاستعدادات، انتقد مواطنون التكلفة العالية للقمة، في بلد يعاني بطالة تتجاوز 31% وارتفاعًا حادًا في أسعار الخدمات الأساسية.

ما هي مجموعة العشرين؟ ولماذا تهم العالم؟

تأسست مجموعة العشرين عام 1999 عقب سلسلة من الأزمات المالية التي عصفت بالأسواق العالمية، لتضم اليوم 19 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، وتمثل معًا نحو 85% من الاقتصاد العالمي وتشمل ما يقارب ثلثي سكان الكوكب. وبعد أزمة عام 2008 المالية، تطورت المجموعة لتصبح المنتدى الاقتصادي الأكثر تأثيرًا في العالم، إذ باتت توصياتها وسياساتها ترسم ملامح التجارة الدولية ومسارات أسواق الطاقة والتمويل والمناخ. وقد انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة منذ يومها الأول، بدعم من الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، باعتبارها الاقتصاد الأكثر تصنيعًا في القارة والصوت الأبرز لتمثيل أفريقيا داخل النظام الاقتصادي العالمي.

يومان حاسمان… وأعين العالم على جوهانسبرغ

تستمر القمة لمدة يومين في مركز "ناسريك" العملاق الذي يمتد على مساحة 150 ألف متر مربع.
وتأمل جنوب أفريقيا أن تخرج القمة بخارطة طريق تُعيد الثقة في الاقتصاد العالمي وتضع الدول النامية في قلب عملية صنع القرار.

ورغم الغيابات والمقاطعات السياسية، يعتقد مراقبون أن مجرد انعقاد القمة في أفريقيا يحمل رسالة مهمة: أن موازين القوى العالمية تتغير، وأن القارة السمراء أصبحت لاعبًا لا يمكن تجاهله.