السبت 27 أبريل 2024 02:15 صـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

ثقافة

شعبان خليفة يكتب : ” توأم الشعلة ” لـ أشرف عبدالشافى حكاية روح متعبة بين جسدين و كاتب معقد

غلاف الرواية
غلاف الرواية

عن دار حابى للنشر صدر حديثاً رواية " توأم الشعلة " للكاتب الصحفى أشرف عبدالشافى و هى العمل الأدبى الرابع لأشرف فى سلسة الأعمال الأدبية التى صدرت له منذ أول مجموعة قصصية له " منظر جانبى " 2003 ، ثم روايتى " ودع هواك 2009 " و أصابع حبيبتى " 2020 و بينهم مجموعة من الكتب “صلاة الجمعة” و " المثقفون وكرة القدم " و البغاء الصحفي”،ثم ”فودكا" و الأخير هو الجزء الثانى من البغاء الصحفى .

التجربة الإبداعية لأشرف عبدالشافى مزواجة بين الخاص والعام .. الشخصى والموضوعى وفى الجميع رموز يطارد فيه أشرف بخيال خصب حلم التجديد و التغير ، ليس فقط بهدف تقديم الجديد أو المتجدد بقدر ما هو خلق سمات خاصة فى الكتابة الأدبية يحشد لها كل ما اكتسب من خبرات و ما طالع وجرب من ثقافات .

التجسير

فى " توأم الشعلة " يمارس أشرف عبد الشافى عملية التجسير الذى يربط بها بين الماضى والحاضر بين الخيال والواقع بين الممكن والمستحيل ..عبر بطل الرواية الكاتب السياسى الذى قرر أن يتحول إلى كاتب روائى " محمد جلال نور الدين " بكل عقده وجموده وتناقضاته ومشاكله و تعقيداته و مصداقتيه الصادمة ، حيث يصدمنا جهل الكاتب بلغة العصر مقارنه بزملاء دراسته فعندما تهمس رشا الحديدى فى أذنه فى بداية الرواية " عشان تصدق لما اقول لك أنا والزفت ده " تقصد زوجها علاء الذى تعود له بعد الانفصال – توأم شعله يبقى تصدقنى... " فإذا به يرد " لم أعرف ماذا تقصد " و كذلك علاقته بالأب جلال لاعب الكرة الفاشل حسب تعبير البطب وزوجة الأب سهير قريبته الإنتهازية التى سرقت مكان الأم بعد رحيلها ، و كذلك علاقاته بأصدقائه من زملاء أيام الجامعة التى يصلح كل منهم رواية منفردة.

يدم لنا عبدالشافى فى روايته شخصيات متعدده حول البطل تمتلىء بها الرواية منها من يستمر خلال الأحداث ومنها من ينتهى دورة سريعاً من ناهد شقيقته ووالدة لاعب الكرة الفاشل وعمه فهمى ثم شلة الأصدقاء رشا ورانيا و شريف و تغريد وفريدة و كامل وخالد عمران ......، وعمه فهمى الذى يظهر لنا وهو يجسد بقايا الأسرة الريفية الإقطاعية حتى حين يذهب مع البطل " جلال " لحزب ينتمى لثورة يوليو و عبدالناصر يحتفظ بالكبرياء القديم الملازم له تظنه اختفى لكن سرعان ما يعود فى نهاية الرواية ليكون محورها ضوء وسط الظلام أو أمل فى مواجهة تمدد اليأس .. مروراً، وو صولاً لموظفة البنك بسمة رامز التى كانت كصعقة كهربائية تعرض لها البطل حتى كاد يؤمن بما يسمى " توأم الشعلة " وهو الرافض له المستهزىء بمن يعتقدون فى وجودها ...... ولا شك أن للأسماء رمزيتها قصد المؤلف أم لم يقصد

الهروب للماضى

يتنقل بنا المؤلف فى سلاسة أحيانا و فى حيرة احياناً أخرى ما بين المرحلة الجامعية التى جمعت كل هؤلاء عبر مواقف مختلفة بعضها صاخب كالمظاهرات ، وبعضها هادىء يجسده مشاركات وجدانيه ومواقف إنسانية تمثلها رشا الحديدى بصورة أبرز من بقية الشخصيات ، و بين ما وصلوا إليه من زواج و أسر ومشكلات ، وجدانية وحياتية قد تقود شخصية للانتحار و أخرى للهرب للخارج ..و الجميع فى حالة هروب من شىء ما حتى البطل الذى يهرب من موقفٍ إلى موقفٍ لينتهى به الحال للهروب من " شلة الجامعة " إلى الشارع و إلى عمه فهمى والبنت سعاد التى كانت ترقص فى الفرح فى بلدهم والذى رغم أنها تمر كمشهد عابر داخل أحد مشاهد الرواية لكن صدمه البطل فى بسمة رامز تعيد سعاد فى لقطة مؤثرة فى ختام الرواية عندما يهرب البطل من سهرة مع صديقيه بمنزلهما شريف ورانيا

" كنت أريد الخروج إلى الشارع وتنسّم الهواء فوراً وخرجت بعد اصرارى على الخروج ، خرجت وليس فى رأسى سوى عمى فهمى و انتابنى حنين جارف كما يحدث للمراهقين تجاه حبيباتهم و أسرعت الخطى كى أعود للبيت و اطلبه فى التليفون و نتكلم كثيراً جداً و خشيت أن تفيض روحى قبل الاتصال به وسؤاله عن سعاد الفتاة التى كانت ترقص فى الفرح "

ويتكرر هذا الهروب فى مشاهد متعددة من الرواية التى تتكون من 31 مشهداً فى 126 صفحة من القطع المتوسط حيث أن نجد أنفسنا أمام كاتب معقد " جلال بطل الرواية " بطل حائر بين الماضى والحاضر و محاصر بمفاهميه و تجربته ككاتب سياسى أصبح هكذا بفعل حماس رشا الحديدى ومعاونتها له فى نشرها .. ذلك الحاضر الذى لا يروق له و أن راق له بعضه سرعان ما يتحول لوهم كتصورة لعلاقته المفأجاة مع موظفة البنك الجميلة بسمه رامز التى تصور واهماً أنها تعشقه حتى صدمته بأن مجرد واسطة لتصله بما ايقنت أنه تؤام شعلتها و طوال الرواية يرفض بطلها المعقد كل هذه الأشياء التى يؤمن بها الآخرون و التى يسميها هو أوهام وكلام فارغ كـ " توأم الشعلة "و " التاروت " ....

رحلة مع أسطورة

و الرواية التى يبدو للوهلة الاولى أنها بنيت على فكرة " توأم الشعلة " وهى أسطورة قديمة طرفاها " اليانج " و اليان " أى الثنائى اللذان يكمل بعضهما بعضهما كأنهما قطعتى بازل وهى علاقة تحول الشخص إلى كائن غريب الأطوار فى تصرفاته هى بمثابة تشريح لأوضاع عديدة فى المجتمع " الكتابة علم المال والأعمال ..الحياة الجزبية و الحياة الأسرية ...ألخ

وتوأم الشعلة Twin flam يختلف عن توأم الروح Soul Mate فتوأم شعلة كل إنسان لا يكون إلا مع الجنس الأخر الذكر مع أنثى والأنثى مع ذكر وهو على عكس توأم الروح الذى يحدث مع الجنس الواحد بن الأب و أبنه والأم وأبنتها مثلاً

و فى " توأم الشعلة " تتداخل الأحداث و الأشخاص على نحو لابد وأنه اربك المؤلف كما يربك القارىء أحياناً

و لا تخلو الرواية من احداث " أكشن " تظهر فى وقائع مثل هروب إحدى صديقات البطل بصحبة عازف هارمونيكا فرنسي، تاركة زوجها رجل الأعمال الشهير الذى أطلق رصاصة على رأسه ومات منتحرًا... وأحدث أخرى موظفة داخل الرواية لخدمتها وخاصة اظهار حالة الاغتراب و الاضطرا ب التى تسيطر على بعض شخصياتها تحت تأثير تعلقهم بـ " توأم الشعلة " .

عناصر الرواية

ما بين السرد و الوصف يرسم أشرف شخصياته بعناية فاقة ، و يجسدها للقارىء فأنت لكى تفهم ما يفعله " توأم الشعله " بصاحبه لابد وأن ترى علاء " توأم شعله" رشا الحديدى بحضورها الطاغى يصفه الكاتب فيكتب :

" و أنت لو رايت علاء هنا بعد كلامى عن رشا ستبصق فى وجهى ! ولد ممصوص واسع العينين ، و منكوش الشعر، و الملابس وليس فيه ما يدل على اشتعال أو ضوء خافت حتى يعمل مخرجاً سينمائيا مثلما كان يعمل زوجها السابق حاتم الخياط لكننا لم نشاهد له فيلماً قصيراً أو تسجيليا ً أو طولياً او عرضياً "

و أيضاً حين يصفمشهد البطل وهو يستعرض حيرته فى تفسير اسباب وقوع شقيقته الجميلة ناهد فى غرام فايز السودانى وهجرتها معه الى السودان يكتب :

" قطعت ناهد من الجذر غير نادم يوم فأجاتنى عائدة من كلية الهندسة ، ومعها شاب ضخم الجثة اسود الوجه لم يبق فى ذاكرتى منه سوى اسنانه الطويله المصفوفه بفكيها السفلى والعلوى كاأنها قوارض ، و ليست أسنان بنى ادم "

وعندما يصف و يرسم شخصية بسمة رامز فأنت ستجد تفسيراً لسقوط ذلك الكاتب المعقد بطل الرواية الرافض لفكرة وجود الحب ناهيك عن وصفه لاى حديث عن " توأم الشعله " بأنه هبل و أوهام لتجد إجابة للسؤال كيف وقع فى غرامها من أول وصف صوتها وهو يردد :

" صوت بسمه ليس مخادعاً صوت بسمه جعلنى ابتسم وأنا امرر نبراته على العقل أولاً فيعطى أوامرة بأن يدق قلبى و يلهث مثل كلب "

ثم وهو يصف اللقاء بين البطل و بسمه رامز :

" وذهبت إلى البنك وقبل أن أسال " فين يا ابنى مكتب الأستاذة بسمة " كان عطرها يفوح ورشاقة خطوتها مع ابتسامة صباحية لشفتين ورديتين ممتلئتين " أنا أهو" كما تخيلتها جسد ريان ملفوف ومقسم وعيونها مكحولة وواسعة و شعرها أسود غزير .."

و تحفل الرواية بهذه الأدوات التى يجيدها اشرف فى السرد والوصف و أن كان زحام الشخصيات أثر على مساحة كل منها فبعضها خرج من سياق الاحداث كما لو أن الكاتب نسيه أو تجاهله عن عمد ولا شك أن القارىء لاحظ هذا الإختفاء خاصة و أن الإختفاء لم تكن ثمة مقدمات تشير لحدوثه أو تبريره لكنه أمر لم يؤثر على جماليات الرواية التى نجا كاتبها من الإغراق فى مشاهد الحشو ذو الدلالات الجنسية غير الموظفه والتى كان يمكن حشرها استغلالا لأسم الرواية ، وموضوعها فباستثناء مشهد البطل جلال فى المشهد رقم 25 و هو يعيش شعور المُغتصب على العشب رعشة البدن والوجه كله مغروس فى العشب و الأنفاس تزداد و الجسد يتلوى ثم حدث ما حدث لا تجد فى الرواية مشاهد جنسية مصطنعه أو موظفه لمجرد الرغبة فى الإثارة و جذب شريحة من القراء تبحث عن هذه النوعية من الأعمال الأدبية .

و أن كان من ثمة خاتمة لهذه القراءة التى أرجو أن لا تكون طالت إلى حد الملل، فهى الإشارة إلى أشرف عببدالشافى فى مرحلة الأمساك بخيوط تجربة أدبية تتجاوز ملامحها الإغراق فى الواقع مع قليل من الخيال إلى مرحلة بلورة كتابة ذات ملامح خاصة به ربما تصل فى الأعمال القادمة إلى معرفة عمله حتى دون قراءة أسمه مكتوباً عليه .