نقابة المحامين: إفراغ قانون الإجراءات الجنائية من ضماناته الأساسية هو تحدٍّ لإرادة القيادة السياسية ودولة القانون
بعد انسحاب النقيب خلال جلسة بمجلس النواب.. نقابة المحامين تصدر بيانًا حول تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية

أصدرت نقابة المحامين، برئاسة عبد الحليم علام، مساء الأحد، بيانًا رسميًا عقب الاجتماع المشترك بين مجلس النقابة العامة والنقباء الفرعيين، لمناقشة موقف النقابة من تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية.
وأعلنت النقابة عن رفضها التام والمطلق لما أقدمت عليه اللجنة الخاصة بمجلس النواب ووزارة العدل من تحريف واضح عن إرادة ورؤية رئيس الجمهورية بشأن تعديلات بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وفي مقدمتها المادة (105) المذكورة، بالرغم من أن سيادته طالب بزيادة ضمانات حق الدفاع لحماية الوطن والمواطنين وصون حُرماتهم وحرياتهم، فإن ما جرى في البرلمان يعكس توجهًا خطيرًا نحو تقويض تلك الضمانات وانتقاص الحقوق، في مخالفة صريحة للدستور الحالي ولقواعد العدالة التي استقرت عليها الدولة المصرية.
وقالت النقابة في بيانها إنها "استقبلت مذكرة اعتراضات السيد رئيس الجمهورية على بعض مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وعددها ثماني مواد من إجمالي 552 مادة، والذي جاء وفقًا للحق الدستوري المقرر لسيادته، وكانت خطوة نُثمّنها جميعًا، إذ بدا من نصوصها الواضحة إدراكًا واعيًا من فخامته لخطورة هذا التشريع، وأثره البالغ على منظومة العدالة الجنائية برمتها، وبما أكد لنا حرص القيادة السياسية على المراجعة والتدقيق لهذه النصوص لتعزيز الضمانات الإجرائية والدستورية المقررة للمتهمين، وإضافة المزيد إليها، ليجعل من هذا القانون المرتقب أداة حقيقية لتحقيق العدالة الناجزة في إطار من الشرعية الدستورية"
وأضاف البيان: "فوجئنا بوزارة العدل تعرض صياغات مقترحة للمواد محل الاعتراض، تتضمن استثناءات أقل ما يقال عنها إنها تخالف نصوص الدستور المصري الحالي، وتُخالف ما جاء بالمذكرة الرئاسية نصًا وهدفًا"
وأشار البيان إلى أن "مضمون نص المادة (105) من المشروع المعروض هو وجوب حضور المحامي مع المتهم حال استجواب الأخير أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود، ووجوب دعوة المحامي إلى ذلك التحقيق، فإن لم يكن للمتهم محامٍ نُدب له محامٍ من قِبل جهة التحقيق، إلا أن اللجنة الخاصة بمجلس النواب حرّفت مضمون وأهداف اعتراضات السيد رئيس الجمهورية، وكأن هناك رغبة مُلِحّة في تقويض دور الدفاع حال التحقيق، وترك أمر التحقيق استجوابًا ومواجهة لحرية المحقق دون دعوة محامٍ للحضور، والسماح –بغير حق– بحرية مطلقة للمحقق دون ضوابط قانونية، بالرغم من أن فخامة الرئيس كان اعتراضه موجهًا لوضع مزيد من ضمانات كفالة حق الدفاع".
وأكملت النقابة في بيانها: "عطفًا على ما سبق، ننوه إلى أن الفقرة الثالثة من المادة (54) من الدستور الحالي جاء نصها بأنه: «لا يبدأ التحقيق معه (أي المتهم) إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محامٍ نُدب له محامٍ، مع توفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة، وفقًا للإجراءات المقررة في القانون"، ووبالتالي يستحيل أن يستقيم الأمر مع مشروع قانون الإجراءات الحالي، والذي هو أدنى مرتبة من التشريع الدستوري».
وأكدت نقابة المحامين أن أي مساس بحق الدفاع أو أي محاولات لإفراغ القانون من ضماناته الأساسية هو عدوان على دولة القانون وتحدٍ غير مقبول لإرادة القيادة السياسية والدستور وضمير الأمة، كما أنها شريك أساسي وفاعل في بناء العدالة وصون الحقوق والحريات في الدولة المصرية، وتعلن أنها لن تقف صامتة أمام أي محاولة للمساس بدولة القانون أو الانتقاص من حقوق الدفاع، وستتخذ كل الوسائل المشروعة دفاعًا عن الدستور والعدالة وكرامة وحرية المواطن المصري، وأنها تسعى بكافة الطرق المقررة دستورًا وقانونًا إلى سرعة إصدار هذا القانون بعد تصويب كافة أوجه العوار التي أبانتها نقابة المحامين في كل موضع بالمشروع خلال ما يقرب من عام مضى.
وعن انسحاب نقيب المحامين من اللجنة الخاصة المُشكّلة لمناقشة الاعتراضات الرئاسية، أوضحت النقابة أنه رسالة قوية برفض ما جرى، وانحياز واضح لدولة القانون والدستور، إذ إنه انسحب، بعد إثبات اعتراضاته بمضبطة اللجنة، من موضع المسؤولية، لكشف محاولات إضفاء الشرعية على نصوص تنال من الحقوق والحريات المكتسبة، بحسب البيان.
وحرصت نقابة المحامين في بيانها على الإشادة بأعضاء مجلس النواب "المدركين لقيمة ورسالة المحاماة والدور المتفرد لحق الدفاع، ومناصرتهم لموقف نقيب المحامين ونقابة المحامين في رؤيتهم الثاقبة لكل ما يدور بمناقشات هذا القانون".
وقررت النقابة "مناشدة فخامة السيد رئيس الجمهورية ومجلس النواب بسرعة الانتهاء من مناقشة مشروع القانون المذكور قبل انتهاء الفصل التشريعي الحالي، نظرًا لما يتضمنه من مزايا وضمانات لجميع أطراف منظومة العدالة وبما يليق بجمهوريتنا الجديدة".
ودعت النقابة "كل مؤسسات الدولة المصرية إلى الوقوف صفًا واحدًا ضد أي أزمات مفتعلة تؤجج الأوضاع المستقرة في البلاد والوقيعة بين مؤسسات الدولة"، كما دعت لعقد مؤتمر صحفي موسع لشرح رؤية النقابة في شأن ما اتخذته من "مواقف تاريخية".
وقالت النقابة إن اللجنة القانونية المشكّلة بها ستتولى "إعداد مذكرة وافية للسيد رئيس الجمهورية لبيان رؤية نقابة المحامين في المواد محل الاعتراض، وبما يتوافق مع صحيح نصوص الدستور المصري الحالي والهدف المأمول لمنظومة العدالة والحريات المصونة، التي يسعى إليها الجميع، وعلى رأسهم فخامة السيد رئيس الجمهورية، ورسالة أخرى للسيد رئيس مجلس الوزراء، وثالثة للسيد رئيس البرلمان".