النهار
السبت 21 يونيو 2025 02:37 صـ 23 ذو الحجة 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
هل تنجح الدبلوماسية الأوروبية في احتواء التصعيد الإسرائيلي الإيراني؟.. أمريكا مفتاح الحل الأمن الإيراني يضرب أوكار التجسس الإسرائيلي العدوان الإسرائيلي على إيران تهديد لأمن الخليج واقتصاده بعد تأجيل افتتاحه للربع الأخير من 2025.. د.أحمد عامر يسرد تفاصيل عن المتحف المصرى الكبير الذى يمثل أيقونة للوعى الأثرى والثقافى الشاعر نادر عبد الله يتصَدَّر قائمة المُكرّمين من جمعية المؤلفين والملحنين الفرنسية حميد الشاعري ضمن قائمة تريند يوتيوب خلال 48 ساعة من طرح ”ده بجد” محافظ كفرالشيخ: ضبط 255 كجم من اللحوم والدواجن غير الصالحة للاستهلاك بمركز بيلا اجتماع تنسيقي بين محافظي الدقهلية ودمياط لتطبيق الحدود الإدارية وفقًا للقرار الجمهوري بحضور مدير أوقاف الدقهلية..قافلة دعوية بمدينة نبروه بالصور..بسمة بوسيل تعود من جديد وتطرح أغنية أبو حب بالتعاون مع المنتج محمد حامد تداعيات إغلاق مضيق هرمز.. كوارث تنتظر العالم أجمع تضامنا مع ايران..شيخ الازهر ينشر بالفارسية: الاحتلال يجر المنطقة لحافة الانفجار

عربي ودولي

العدوان الإسرائيلي على إيران تهديد لأمن الخليج واقتصاده

لم يكن العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، الذي وقع فجر يوم الجمعة 13 يونيو 2025، وشكل تصعيدًا غير مسبوق في الصراع بين البلدين، مجرد غارات تستهدف منشآت عسكرية أو علماء نوويين أو قيادات إيرانية، بل حمل في طياته احتمالات كارثية تمس البنية البيئية والاقتصادية لدول الخليج، وتضعها على حافة أزمة متعددة المستويات.

وحذرت وسائل إعلام دولية وإقليمية، من تعاظم مؤشرات خطر الصراع على دول الجوار الإيراني من تهديد بإشعاع نووي قد يعبر البحار، إلى شلل في شرايين النفط العالمية، واهتزاز في ثقة المستثمرين، في مشهد يبدو فيه الخليج كمن يسير على حبل مشدود فوق نار مشتعلة.

وفي هذا الإطار، يرى المراقبون أن العدوان الإسرائيلي على إيران لم يعد شأناً إقليميًا فحسب، بل بات تهديدًا وجوديًا مباشرًا لمصالح الخليج الحيوية، من البيئة والمياه، إلى الاقتصاد والطاقة والأمن الغذائي.

تهديد بيئي

يعد مفاعل بوشهر الذي أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفه ضمن المواقع النووية الإيرانية، المدعوم تقنيًا من روسيا، المحطة النووية الوحيدة لتوليد الكهرباء في إيران، وتقع قرب الخليج العربي، ما يزيد من احتمال انتقال الإشعاعات إلى دول الخليج المجاورة في حال حدوث تسرب.

وتشير التقديرات العلمية إلى أن الرياح والأمطار قد تنقل الجسيمات المشعة من بوشهر إلى الكويت والسعودية والإمارات وقطر والبحرين، التي تعتمد بشكل شبه كلي على مياه الخليج المحلاة، وأن أي تسرب إشعاعي قد يؤدي إلى تلوث المياه والثروة السمكية، ويهدد صحة أكثر من 18 مليون شخص على ضفاف الخليج.

وتؤكد التجارب السابقة، ككارثة تشيرنوبل، أن آثار التسرب الإشعاعي قد تمتد لآلاف الكيلومترات وتستمر لعقود، كما حدث في النرويج والسويد حيث ظلت اللحوم تخضع لفحوص إشعاعية حتى عام 2019. التلوث النووي لا يقتصر على اللحظة، بل يزرع خطرًا دائمًا في التربة والمياه والغذاء.

وقد دعا قادة الخليج، وفي مقدمتهم قطر والكويت، لوقف استهداف المنشآت النووية، كما أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي تفعيل مركز الطوارئ الخليجي تحسبًا لأي كارثة بيئية أو إشعاعية.

وفي السياق، شددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وموسكو على أن استهداف المفاعلات النووية يهدد الاستقرار الإقليمي ويتطلب تحركًا عاجلًا من مجلس الأمن.

وأظهرت دراسة علمية متخصصة نشرها معهد (MDPI) السويسري، بعنوان "التلوث طويل الأمد للخليج العربي نتيجة حوادث افتراضية في محطات الطاقة النووية"، أن أكثر عناصر إشعاعية (مثل السيزيوم المشع) قد تنتقل مع الرياح والأمطار إلى مياه الخليج العربي، مع تركيزها الأقصى في الزاوية الشمالية الغربية منه قرب ساحل الكويت.

وقدرت الدراسة أن تناول المأكولات البحرية الملوثة قد ينقل إلى الإنسان جرعات إشعاعية سنوية تزيد على 1 مليسيفرت، وهي جرعة مرتفعة نسبياً مقارنة بالمعايير الصحية، كما يخشى الخبراء أن يؤدي ذلك إلى تلوث الثروة السمكية ومياه الشرب الناتجة عن التحلية، ما يهدد مباشرة صحة الملايين في المنطقة.

شلل نفطي

من ناحية أخرى، سيكون لأزمة الطاقة التي قد تخلقها الحرب انعكاسات عميقة على الاقتصادات الخليجية والعالمية؛ فخطر إغلاق مضيق هرمز – النفق البحري الرئيسي الذي يربط الخليج العربي بخليج عمان – لا يزال قائمًا، وهو المضيق الذي يمر عبره نحو 18–19 مليون برميل يومياً من النفط والوقود (أي نحو خمس إمدادات العالم البحرية)، وأكثر من 85 مليون طن من الغاز المسال (حوالي 20% من الطلب العالمي)، وهو ما يعني أن أي تعطيل مستقبلي سيطلق موجة صعود جديدة في الأسعار.

وقد ارتفعت العقود الآجلة للنفط بنسبة 8–10% خلال الأيام الأولى من القصف المتبادل، وبيّنت تقارير "رويترز" الاقتصادية أن صادرات إيران النفطية هي الآن في شلل شبه تام (نحو 0.1 مليون برميل يومياً مقابل 1.7 مليون سابقاً، كما تستعد دول الخليج ببعض البدائل؛ فالسعودية والإمارات تمتلكان خطوط أنابيب بديلة تصدر عبرها معظم نفطهما إلى خارج الخليج، لكن قدراتها لا تعوض كلياً الخسارة في حال إغلاق هرمز.

وفي كل الأحوال، تستقر تحركات اللجان الدولية المعنية بالطاقة على أن السوق العالمية لن تتحمل انقطاعاً طويل الأمد لإمدادات الخليج، حيث أعلن المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة استعداد بلاده للتدخل بإطلاق مخزوناتها الاحتياطية (1.2 مليار برميل) إذا لزم الأمر، رغم تحذير أوبك من إثارة الذعر مجدداً.

أما القطاعات الاقتصادية والاستثمارية فقد بدأت تشعر بالتأثير السلبي للتصعيد العسكري، فقد تراجعت معظم بورصات الخليج في أيام الصراع الأولى بسبب الحذر من تصاعد المخاطر.

ويرى مختصون أن ذلك ينعكس على المشاريع الكبرى؛ حيث حذر محللون في معهد الشرق الأوسط أن التصعيد قد يعرقل تنفيذ مشاريع "رؤية 2030"السعودية وعقود البنى التحتية، التي تعتمد بدرجة كبيرة على شراكات واستثمارات أجنبية.

كما حذر خبراء الاقتصاد السياسي من أن ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل قد يخفض الطلب العالمي موقتًا، ويرفع تكاليف الشحن والتأمين ويوسع التضخم العالمي، وهي عوامل تضغط على نمو مشاريع الخليج.

وتشير شركة S&P Global الأمريكية الرائدة في مجال تقديم البيانات المالية والتحليلات والتصنيفات الائتمانية، في تحليه حديث بعنوان " التصعيد الإسرائيلي الإيراني يبرز سيناريوهات المخاطر الجيوسياسية للدول والبنوك الإقليمية" إلى أن الحرب ستدفع نحو "فقدان الثقة ووقف الاستثمار الأجنبي" في دول الخليج، الأمر الذي سيدفع بعض رؤوس الأموال إلى «الملاذات الآمنة» كالذهب والعملات الأجنبية، وإذا استمر النزاع فإن من المتوقع دخول أسعار المخاطر في العقود (Risk Premium) بمستوى إضافي يقارب 10 دولارات لكل برميل، ما يثقل كاهل الاقتصادات المنتجة والمستهلكة على حد سواء.

وفي حال استمر العدوان الصهيوني المدعوم أمريكيًا وغربيًا على إيران، فستقف دول الخليج على حافة أزمة اقتصادية متصاعدة، تتجاوز حدود الخطر العسكري إلى تهديد مباشر لمنظومتها الاستثمارية والتنموية، حيث يرى الخبراء أن تداعيات الصراع ستلقي بظلالها الثقيلة على ثقة الأسواق واستقرار الملاحة والطاقة، ما يضع اقتصادات الخليج في اختبار بالغ الصعوبة، ويمكن الإشارة إلى تأثرات الصراع على دول الخليج في التالي:

  • إيقاف المشاريع:

تتوقع تقارير اقتصادية تباطؤ التدفقات الأجنبية للخليج وسط التوترات الإقليمية المتنامية، فمن ناحية أولى، فإن خفض مستويات الثقة يعكسه هبوط حاد في مؤشرات أسواق المال الخليجية، ومن ناحية ثانية، فإن ارتفاع المخاط يلقي بظلاله على تمويل مشاريع البناء والعمران والتنمية، ومثال ذلك ما نشرته الجهات المختصة من تقديرات بأن إغلاق مضيق هرمز سيطيل زمن شحن النفط عبر أفريقيا لأسبوعين ونصف، مرفعاً تكاليف النقل بأكثر من 40%، وهو سيناريو قد يدفع بأسعار النفط إلى مستوى قياسي مدفوعاً برفع تكاليف الشحن.

ويؤكد اقتصاديون أن أي تخطي للبرميل عتبة الـ 100 دولار سيخفض الطلب العالمي ويفقد النمو زخمه، ما يستفيد منه المنتجون نظرياً، لكن يجردهم عملياً من مكاسب طويلة الأمد بسبب هروب المستهلكين من السوق.

  • الهجرة المالية والاقتصادية:

يشير خبراء إلى أن فورة المخاطر الإقليمية تدفع المستثمرين إلى سحب استثماراتهم الأجنبية من الأسواق الخليجية أو تجميدها، وقد بدأت تدابير التأمين ترتفع في البحر (مثلاً، قفزت تكلفة استئجار ناقلة نفط عملاقة من الخليج للصين من نحو 20 ألف إلى 47 ألف دولار يومياً بفعل المخاطر الأمنية)،وكل ذلك يصعب جذب رؤوس مالٍ جديدة للاستثمارات التنموية، ويضع الدول الخليجية أمام خيار زيادة الاقتراض الداخلي لمواصلة مشاريعها التنموية بدلاً من الاعتماد على التمويل الخارجي.

وإذا ظل النزاع مفتوحاً فإن المستثمرين سيعيدون النظر حتى في عقود طويلة الأمد مثل إنشاء مشاريع الطاقة المتجددة والمواصلات، وهو ما يشكل ضغطاً إضافياً على الاستقرار الاقتصادي في دول الخليج.

  • حركة الملاحة:

يترقب العالم عن كثب مصير الممرات المائية الخليجية، حيث شهد مضيق هرمز مؤخراً حادثتي اصطدام ناقلات من دون سببٍ واضح خلفهما تصاعد للتوتر، كما أفادت مصادر بحرية بحدوث تشويش إلكتروني على أنظمة الملاحة قرب مضيق هرمز وبندر عباس، ما دفع بعض السفن إلى إعادة برمجة مساراتها لتجنب المرور عبر الخليج.

وإلى جانب هرمز، يمثل مضيق باب المندب ممراً حيوياً آخر؛ إذ يمر من خلاله الجزء الأكبر من شحنات النفط القادمة من البحر الأحمر والمتجهة غرباً.

ووفقًا لـ "الجارديان" البريطانية، في حال توسع سيناريو الحرب، فقد تقوم أطراف الصراع بإغلاق بعض هذه المضائق استراتيجياً؛ الأمر الذي سينسحب سلباً على تجارة النفط العالمية.

وفي هذا الإطار يلفت رئيس أرامكو السعودية أن أي إغلاق لخطوط الإبحار سيضرب "ربع تجارة النفط العالمية" ويجعل الأسعار في مهب مفاجئ.

  • الأمن الغذائي:

تعتمد دول الخليج إلى حد كبير على استيراد المواد الغذائية، إذ تشير تقارير مؤسسة أوبزرفر للأبحاث إلى أن دول مجلس التعاون تستورد نحو 85 % من غذائها، وفي ظل الحرب تزداد المخاوف من ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً واضطرابات سلسلة الإمدادات؛فإضافة إلى احتمال زيادة تكاليف الشحن البحري أو الجوية، قد تتسبب القيود على صادرات الحبوب أو الأسمدة العالمية (إيران وجارتها روسيا من كبار الموردين) في ندرة منتجات زراعية محددة.

وفي ضوء ذلك، قد تضطر حكومات الخليج إلى تعبئة مخزونات استراتيجية أو البحث عن شراكات بديلة لتعزيز الاكتفاء الغذائي بما يكفي احتياطياً، لكن هذه البدائل قد لا تعالج تماماً قفزة الأسعار والتضخم الغذائي المحتمل.

ويمكن القول أن للعدوان الإسرائيلي على إيراني أضرار متعددة الأوجه على دول الخليج، وأن شدتها مرهونة بطول أمد النزاع ومدى استهداف البنية الأساسية للطاقة والملاحة، فإذا اتجهت الأمور نحو تسوية سريعة فسيقتصر الضرر على تقلباتٍ معتدلة في الأسواق، وإذا استمر التصعيد فقد يثير "عاصفة من المخاطر البيئية والاقتصادية والسياسية" تضرب بتداعياتها كل دول الخليج.

موضوعات متعلقة