الخميس 28 مارس 2024 11:38 مـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: عالم ما بعد حرب روسيا وأوكرانيا

الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

لا أتخيل شكل العالم بعد قرار بوتين شن عملية عسكرية ضد أوكرانيا، فبوتين يريد استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية من خلال قراره المصيرى بإعلان الحرب على أوكرانيا؛ ما شكَّل فى أذهان المتابعين ملامح حرب عالمية ثالثة، خصوصًا بعد إعلان روسيا وضع درعها النووية «قوة الردع» على أهبة الاستعداد، وهو ما دفع الأمين العام لحلف شمال الأطلسى (الناتو) ينس ستولتنبرج للإعراب عن قلقه البالغ إزاء قرار الرئيس بوتين، كما دفع المحللين للحديث عن مخاطر هذا القرار، وما يمكن أن يقود العالم إليه، ففى الحرب لا شىء مستبعد وكل شىء وارد.

وهنا أحاول إجراء قراءة متأنية وتحليل مستقبلى لشكل العالم فيما بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا والموقف العالمى من زلزال الضربات العسكرية الروسية على أوكرانيا، وخاصة العاصمة كييف، حيث توجد أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات.

فبالنظر إلى ما حدث ويحدث فى أوكرانيا، هناك سؤال مهم يطرح نفسه فى مقدمة الأسئلة التى فرضتها هذه الحرب وهو: هل سيثق الحلفاء الأوروبيون وبقية دول العالم فى الوعود الأمريكية مجددًا؟!

خصوصًا بعد تخلى الولايات المتحدة عن أوكرانيا وإعلان بايدن أنه لن يتدخل عسكريًا فى مواجهة المارد الروسى، لا سيما أن الانسحاب الأمريكى من أفغانستان ما زال عالقًا فى أذهان كل دول العالم، حيث خرجت أو هربت وتركت خلفها كوارث تحتاج لقرن من الزمن على الأقل لتجاوزها.

هذا الموقف الانهزامى من الأمريكان واكتفاء حلف الناتو بالمشاهدة فقط، رغم توسلات الرئيس الأوكرانى ووزير خارجيته من أجل تدخل أمريكا وحلفائها الأوروبيين لحماية المدنيين- جعل أمريكا مثار سخرية من الجميع، وجعلنا نتذكر ما فعلته أمريكا وحلفاؤها فى العراق، وتدخلات حلف الناتو فى ليبيا، وهو ما يجعلنا نفكر وبصوت عالٍ هل نحن عدنا إلى العالم متعدد الأقطاب والقوى، ولم تعد أمريكا هى رئيس مجلس إدارة العالم بعد الآن، ولكنها ستصبح مجرد عضو فى المجلس العالمى مع الصين وروسيا التى كشرت عن أنيابها رغم كل العقوبات، وما زالت مستمرة فى تنفيذ مخططها الاستراتيجى ورؤيتها القائمة على أنها لن تسمح بوجود قوات عسكرية أمريكية أو تابعة لحلف الناتو، على الأراضى الأوكرانية أو على أى حدود لها، لما يمثله هذا من تهديد مباشر للأمن القومى الروسى، وأنها لن تكرر خطيئة جورباتشوف التى ساهمت فى تفكيك الإمبراطورية السوفيتية؟!.

ولكن الأكيد أن ما حدث يؤكد المقولة الخالدة (المتغطى بالأمريكان عريان)، وهى مقولة تصبح واقعًا كل يوم، وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، لأن الولايات المتحدة تعمل لمصالحها فقط، ولو على حساب مصالح حلفائها أنفسهم، فلا عزيز لديهم سوى الكيان الصهيونى الذى من أجله يفعلون أى شىء وكل شىء.

وعلى الصعيد الاقتصادى أثارت الحرب الدائرة فى أوكرانيا وتبعاتها تساؤلًا آخر مهمًّا وهو: هل سيظل اقتصاد دول العالم تحت رهن ومظلة أو مذلة الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وتهديداتها المستمرة لجميع مخالفيها باستخدام الأدوات الاقتصادية لفرض إرادتها على العالم عبر فرض العقوبات على من يخالف تعليماتها أو أوامرها؟!.
فإذا كان نظام السويفت تأسس كأداة اقتصادية للتنسيق بين المؤسسات المالية وتتبع الأموال الشرعية واستهداف غير الشرعى منها، فكيف يكون هذا النظام الذى يُفترض فيه الحياد أداة لدى دولة - أى دولة- فى حصار الدول وفرض الإرادة على المخالفين؟!.

لقد أصبحت الورقة الاقتصادية هى الوجه الآخر للورقة السياسية العسكرية للثأر من الدول المخالفة للقرارات الأمريكية التى هى فى الأساس أحد أسباب قرار الحرب الروسية ضد أوكرانيا بعد رفض الأمريكان كل الضمانات الأمنية التى طالبت بها روسيا.

فهل سيشهد العالم فى الفترة القادمة ما يُسمَّى المجاعة الاقتصادية نتيجة ما تخلفه الحروب من دمار وتأثير فى حركة التجارة الدولية؛ وهو ما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار، خصوصًا المواد الغذائية بكل أنواعها والطاقة بكل مصادرها؟!.

لا أعلم كيف ستصبح الصورة بالضبط فى المستقبل القريب أو البعيد.. ولكن المؤكد أن المواطن فى كل دول العالم سيدفع فاتورة الغباء الأمريكى كما اعتدنا دائمًا على مر الأزمان المعاصرة فى كل الأزمات والحروب.

والنقطة الأهم فى قضية الحرب الروسية على أوكرانيا تتعلق بالأمم المتحدة فهل ما زالت أممًا متحدة أم أنها لم تعد أممًا ولم تعد متحدة؟ وهل أصبحت المنظمة الدولية الكبيرة تحت سيطرة أمريكية خالصة لتنفيذ مخططاتها الاقتصادية والسياسية بدلًا من علاج الأزمات من خلال الشفافية والمصداقية واحترام إرادة الدول والشعوب؟!.

أقولها بكل وضوح وصراحة: لقد فقدت هيئة الأمم المتحدة فاعليتها الأممية وقدرتها على حفظ الأمن والسلم الدوليين، كما فقدت العدالة وثقة الدول والشعوب فيها نتيجة سياسة الكيل بمكيالين مع الدول المختلفة التى فرضتها عليها أمريكا لعقود، فضلًا عن عدم قدرتها على حل الخلافات سواء الثنائية أو الدولية، وسيظل أكبر دليل على تآكل دورها فى الصراعات الدولية ما يجرى فى فلسطين والأراضى المحتلة من العبث الإسرائيلى وإبادة الفلسطينيين، وما يجرى فى ليبيا واستخدام كل أنواع الضغط على الشعب الليبى لنهب ثرواته النفطية، وما يجرى فى اليمن من حرب يدفع ثمنها المواطن اليمنى، وما تقوم به أمريكا خلال مفاوضاتها مع إيران فى سبيل الحفاظ على الأمن الإسرائيلى.. كل هذه الأمثلة وغيرها الكثير والكثير خير دليل على هذا الفشل الأممى للمنظمة التى كان الهدف من إنشائها صون وحفظ الأمن والسلم الدوليين من العبث؛ فإذا بها تتحول إلى أداة من أدوات هذا العبث العالمى الخطير الذى نعيش فيه.

ويبقى الملف الأبرز والسؤال الأهم فى عالم ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية يتعلق بدولنا العربية، فإن الحروب التى ترفع شعار (القوة هى الحق) والتحالفات الدولية المتشابكة- تؤكد ما قلته مرارًا وتكرارًا، بضرورة وجود قوة عسكرية عربية مشتركة قادرة على حل الخلافات العربية - العربية بدلًا من التدخلات الأجنبية التى تنتهى بنا لكوارث نعانى منها لسنوات طويلة، وهذا الأمر مهم للغاية فى ظل فشل تام لجامعة الدول العربية فى إدارة معظم إن لم يكن كل الملفات العربية.

وهذه القوة العسكرية العربية المشتركة ستكون لها قوة ردع هائلة ضد من تسول له نفسه المساس بأرضنا العربية، وستحظى بدعم سياسى وشعبى غير مسبوق من المحيط إلى الخليج.

فيا ليتنا نستفيق قبل فوات الأوان.

أما المثير للسخرية فى حرب روسيا وأوكرانيا فعلًا، فهو الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا)، الذى حذر مرارًا وتكرارًا من عدم رفع شعارات سياسية فى الأحداث الرياضية وعدم إدخال الرياضة فى السياسة بل معاقبة كل من يخالف ذلك بعقوبات قاسية، وهو قرار كنا نتفهم دوافعه التى تجعل الرياضة سببًا للتقارب بين الدول والشعوب بدلًا من التفريق بينها، إلا أننا فوجئنا بهذا الاتحاد نفسه، والذى ترعاه إحدى الشركات الروسية، يتدخل فى السياسة ويعلن عدم مشاركة المنتخب الروسى تحت علم دولته أو باسمها بل باسم الاتحاد الروسى لكرة القدم.. وزاد على ذلك بمنع عزف السلام الوطنى الروسى فى أى مناسبة، وهو أمر مثير للسخرية والعجب فى آن واحد كونه من المواقف المتناقضة التى تكشف أن من يحكم هذه المنظومة الدولية الأهواء والرغبات لا القوانين المنظمة أو اللوائح الدولية.

فهل يجرؤ «فيفا» على التدخل لدعم الفلسطينيين أمام الهجمات الإسرائيلية الغاشمة؟ وهل يجرؤ على التدخل لدعم أى شعوب مضطهدة على وجه الكرة الأرضية ضد الهيمنة الأمريكية؟!.

وهل يحق لهذا الاتحاد، أصلًا، أن يمنع روسيا من المشاركة فى كأس العالم القادمة فى قطر؟ أعتقد لا.

لأن الفساد الرياضى جزء لا يتجزأ من الفساد السياسى، و«فيفا» ما هو إلا أداة لتنفيذ الأجندة الغربية سواء أوروبية أو أمريكية، ولا عزاء للآخرين فى عالم تحكمه القوة ويسوده الظلم.