الخميس 25 أبريل 2024 09:57 مـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

رسالة من حافلة ركاب

مصطفى الطبجى
مصطفى الطبجى

(1)

أبي رحمة الله عليه، بدأ تعليمي قيادة السيارة وأنا ابن العاشرة، الصحراء كانت ميدان التعلم الأول، محاولة الحفاظ على سرعة ثابتة للسيارة، التعرف على مكوناتها، اقتحام رهبة قيادتها، بعد وقت طويل انتقلت للمرحلة التالية، القيادة في المدينة... ليلاً والناس نيام، الإحساس بأبعاد السيارة، والتمكن من زاوية الدوران وتقييم المسافات بالنظر، صفات تم اكتسابها، تدرجت وأصبحت القيادة في شوارع مزدحمة جزء من التمرين، ترقيت أكثر وطويت الطريق السريع طيـًا، بعدها أٌذن لي باستخراج رخصة القيادة.

لازلت أتذكر جملته الشهيرة "حتى تؤمن نفسك.. تعامل مع كل من حولك على أنهم لا يجيدون القيادة"

(2)

فيديو شهير لسائق حافلة في الصين أو اليابان، ظن أن بإمكانه خداع الكاميرا المثبتة داخل الحافلة، أخرج هاتفه الجوال، أمسكه بيده اليسرى في زاوية بعيدة عن الكاميرا.

في البداية كان يخطف نظرة سريعة للهاتف، طالت مدة النظرة، ثم فقدت صفة السرعة، لا يهم ما الذي جذب انتباهه بعيدًا عن الطريق، وجعله يطيل النظر للهاتف، المحصلة النهائية... اصطدام الحافلة بسيارة متوقفة لم يرها السائق بسبب تشتته.

(3)

على السائق النظر أمامه بشكل مستمر، أن تلحظ عيناه أي خطر أو عائق من مسافة مناسبة لاتخاذ رد فعل مناسب، لا يسبب فزعـًا للركاب، ولا ضررًا لجسم الحافلة، رد الفعل المناسب لن يخرج عن ثلاث (التوقف تمامـًا لبعض الوقت – الإبطاء من السرعة – اتخاذ طريق بديل)، ومن آن لآخر على السائق النظر في المرآة الجانبية، معرفة ما قد يفاجئه من الخلف أمر ضروري، والنظر في المرآة الداخلية، متابعة حال الركاب أمر بديهي، إنه القائد هنا.

قيادة الدولة تشبه قيادة الحافلة، وعلى القائد هنا النظر أمامه بشكل مستمر لاتخاذ رد الفعل المناسب، ومن آن لآخر عليه النظر إلى ماضيه، ليتعلم من أخطاء من سبقوه، ومتابعة مرآته الداخلية لمعرفة أحوال شعبه.

حالنا الآن يتلخص في الآتي:-

حافلة تسير على الطريق الصحيح (إصلاح ما أتلف منذ 1974)، لكن الطريق غير ممهد (ديون – فساد – روتين - مؤامرة)، لذا يسير السائق ببطء، وهو ما يشعر بعض الركاب بملل (سوء مستوى المعيشة)، يريدون منه الإسراع قليلا (تحسين الوضع الاجتماعي).

السائق تعلم القيادة بتدرج وترقي متسارع (عدم وجود خلفية سياسية)، لذا يجنح بالحافلة أحيانـًا (الاقتراض) ويقع في حفرة أحيانـًا أخرى (اختيار القيادات)، ويشتت انتباهه بأمور ثانوية (مطار ألماظة).

أما الركاب فكعادتهم منقسمين، جزء ملتزم بكرسيه (حزب الكنبة)، جزء قفز على المقعد الأمامي منصبـًا نفسه مساعدًا للسائق مع أنه في الحقيقة يضلله (موسى بكري)، جزء متفرغ لإيهام سكان الحافلة أن الطريق خاطئ (شائعات)، وفي سبيل ذلك يلطخون الزجاج الخلفي ليرى الركاب ماضيهم مشوش، جزء تفرغ لتشتيت السائق (الإخوان وما شابه)، وقلة مندسة تحاول الإبقاء على عمل ضوء الأمل وتكييف الحقيقة.