رفعت سيد أحمد يكتب: صحافتنا علي مفترق طرق

تمر صحافتنا القومية والمستقلة والحزبية ، بأزمة حادة ، تماماً مثلما هي أزمات مصر المحروسة بعد عام من ثورة يناير المجيدة ، وهي أزمة تمتد من التشريعات المضطربة إلي التدخل السافر للسلطات التنفيذية والتشريعية في اختيار رؤساء التحرير ، وفي تحديد مستقبل الصحف بل وفي تحديد مستقبل نقابتهم العتيدة ، تلك النقابة التي تمر اليوم بأصعب لحظاتها ، والتي يغلب علي أدائها (البعد السياسي) بديلاً عن (البعد المهني والخدمي) ، إنها لحظات عصيبة ولاشك ، وهي من ثم تحتاج إلي مقاربات موضوعية هادئة قبل فوات الأوان ، أي قبل أن نقول لصحافتنا وداعاً. وهنا دعونا نقدم تحليلاً لأزمة الصحافة في مصر مستعينين بذلك الكتاب المتميز الذي صدر قبل سنوات للفقيه القانوني د.جابر جاد الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة والمعنون بـ (حرية الصحافة) وقبل أن نتجه إلي الكتاب نسجل الآتي :أولاً : وفقاً لما أوردته صحيفة (الدستور) قبل أيام (11/3/2012) فإن لجنة التشريعات الصحفية بالنقابة قد عكفت علي دراسة مجموعة من مشروعات القوانين السابقة علي المستوي المحلي والعالمي بمعاونة أساتذة في التشريعات الصحفية بكلية الإعلام والقانونيين في اجتماع مبدئي في 8 فبراير 2012 لوضع المباديء العامة لقانون جديد للصحافة والنقابة . وكان قد تم بالفعل الانتهاء من تجهيز أكثر من مسودة قانون جديد للنقابة يعالج القصور الشديدة بالقانون الحالي رقم 76 الذي صدر في 17 من سبتمبر 1970 .أما بالنسبة لقانون حرية تداول المعلومات ففي غيبة أي قانون للمعلومات في مصر تم جمع عدد من قوانين تداول المعلومات في حوالي 60 دولة وتمت ترجمتها إلي اللغة العربية للمساعدة في الوصول إلي قانون يقوم بتفعيل المطلوب بين حرية تداول المعلومات وكشف كل الحقائق أمام الشعب ترسيخاً لمبدأ من أهم مباديء الديمقراطية وكذلك تم الانتهاء من مسودة القوانين المقترحة في حرية المعلومات .. إلي جانب الاهتمام بصيغة مسودة مشروع القانون الذي وضعته مجموعة من الخبراء المصريينأما قانون إلغاء الحبس في جرائم الرأي والنشر فإنه لا يختلف اثنان علي إعداد هذا القانون فتم إعداد مسودة مشروع قانون عن طريق الجمعية العمومية للنقابة في 17 مارس 2006 به تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون 58 لسنة 1937 والقانون رقم 20 لسنة 1936 بشأن المطبوعات والقانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة ، وإضافة عدد من المواد الخاصة بحظر النشر 134 ، 135 ، 157 ، 190 ومصادرة الصحف 191 ، 193 ، 198 .وتم إعداد استمارة استبيان سوف توزع علي الصحفيين في جميع المؤسسات لاستطلاع الآراء في الصورة النهائية للقوانين حيث يتم الوصول إلي صيغة تحظي بتوافق الجميع وتقدم نتائج الاستمارة إلي البرلمان إلي جانب جلسات الاستماع التي ستدعو إليها النقابة لنفس الغرض .ثانياً : بناء علي الأخبار سالفة الذكر دعونا نؤكد أن أزمة إصدار القوانين المقيدة لحرية الصحافة في مصر (ونموذج لها ما جري مع القانون 93 لسنة 1995) وفقاً للكتاب الموسوعي حرية الصحافة للدكتور جابر جاد تعكس ضعف المؤسسة التشريعية،فأضحت اليوم - كما الأمس - ودخولها في دائرة التأثير المباشر للسلطة التنفيذية، تشرع القوانين استجابة لرغبتها، وهي في ذلك لم تحسن التشريع فضلاً عن أنها مكنت السلطة التنفيذية من إساءة توظيفه.فالقانون محل الأزمة ظهر فجأة، ونوقش رغم خطورته واتصاله بحرية الرأي والتعبير في جلسة واحدة تمت في جوف الليل مساء يوم 27 مايو 1995 لم يحضرها سوي 57 عضواً من أعضاء المجلس، ووافق علي القانون 45 عضواً وعارضه عشرة أعضاء وامتنع عضوان عن التصويت، ليصدق عليه وينشر في الجريدة الرسمية بعد سويعات من مناقشته في المجلس أي صباح 28 مايو 1995!! وأصبح التشريع أداة في يد الحكومة تحسم به خصوماتها طيلة حكم الرئيس المخلوع .ثالثاً: كشفت الأزمة عن قضية مهمة وهي ضعف البناء المؤسسي للسلطة في مصر فقد ظلت جل مؤسسات الدولة ولاسيما الحكومة ومجلس الشعب تدافع عن القانون 93 لسنة 1995 وتعتبره تعميقاً للممارسة الديموقراطية وصوناً للحرية إلي أن عدله الرئيس المخلوع ، فتحولت إلي الهجوم عليه بنفس الحماس !! .رابعاً: ووفقاً للمؤلف لقد أثبتت أزمة القانون 95 لسنة 1995 أن الحرية لا تمنح من الحاكم بل تنتزع انتزاعاً، وهو واجب جماعتنا الصحفية مع التغول الجديد الذي يريد مجلسا الشعب والشوري بقيادة الإخوان المسلمين - للأسف - أن يفرضوه علي نقابة الصحفيين وكافة الصحف القومية .خامساً : إن حرية الصحافة في مصر مهددة ، لا يغرنك كثرة الصحف ، ولا الفضائيات ، فإن هذا كله مظهر لمرض وليس لظاهرة صحية تستحق التقدير ، خاصة إذا كانت الكثرة بلا مضمون جاد ، أو بلا ضوابط تحميها وتحافظ عليها من تغول السلطتين التشريعية والتنفيذية ، إن نقابة الصحفيين ، والصحف إجمالاً في مصر علي أبواب مواجهة كبري حادة مع ممثلي الإخوان والسلفيين ، الذين يريدون افتراس الصحافة وتأميمها لمصلحة توجههم ، وإذا لم تنتبه لذلك فالكارثة قادمة ولاشك ، وبعودة إلي كتاب د. جابر جاد (حرية الصحافة) نجد المؤلف يتحدث عن أزمات أخري تؤثر علي حرية الصحافة في مصر ولم تنفع معها القوانين الجديدة ومنها الملكية الحكومية للصحف وحرمان الأفراد من إصدار أو تملك صحيفة، اشتراط الحصول علي ترخيص مسبق لإصدار الصحف، معالجة مشكلة القيود التي تحد من تدفق المعلومات مما يخل بحق الشعب في المعرفة، تبعية الصحف القومية ووكالة أنباء الشرق الأوسط للحكومة، التسليم للمجلس الأعلي للصحافة باختصاصات متنوعة تؤدي إلي جعله قيماً علي الصحف والصحفيين، علي الرغم من أنه لا يخرج عن كونه سلطة إدارية تابعة ـ بحكم تشكيله للحكومة.وفي دراسته الموسوعية يعتمد الدكتور جابر جاد أساساً علي نصوص قانون سلطة الصحافة بحسبانه القانون الحاكم لحرية الصحافة المصرية، إلي جانب التعرض للقوانين الأخري بالقدر اللازم لإتمام هذه الدراسة مثل قانون إنشاء نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 وقانون المطبوعات رقم 20 لسنة 1936.سادساً : دعونا في إطار الحديث عن أزمة الصحافة في مصر إلي الإشارة أن كتاب د.جابر جاد يقسم البناء المنهجي لكتابه إلي أربعة أبواب:الباب التمهيدي: حدود المنهج التشريعي في تنظيم حرية الصحافة وتطور تشريعات الصحافة في مصر.الباب الأول: ويتناول فيه إصدار الصحف وتداولها، أما الباب الثاني: فيتحدث فيه عن ممارسة العمل الصحفي، أما الباب الثالث: فيحلل فيه بالوثائق والأسانيد القانونية دور المجلس الأعلي للصحافة.* وما يهمنا في تناول هذا العمل الموسوعي للدكتور جابر جاد وبعيداً عن التفاصيل القانونية المهمة التي يحتويها يهمنا أن نتوقف أمام قضيتين نحسب أنهما من أهم ما احتوته هذه الموسوعة القانونية والتي ندعو نقابة الصحفيين للاستفادة الواسعة منها ومن علم مؤلفها القانوني الوفير.القضية الأولي: علاقة حرية الصحافة بالديموقراطية، والقضية الثانية: ما العمل أو ما هي التوصيات الجادة للسلطات المصرية الجديدة (الإخوان تحديداً) من أجل الحفاظ علي حرية الصحافة وحمايتها.في القضية الأولي يؤكد د. جابر وبعد بحث دءوب في الدساتير والتجارب الديموقراطية أن حرية الصحافة تعتبر رافداً من روافد حرية الرأي، وهي نابعة من حرية الشعب وهنا مصدر الأهمية والقوة .أما القضية الثانية: والتي تدور حول التوصيات المفترض أن تأخذ بها مصر لحماية حرية الصحافة خاصة في المرحلة الراهنة - بعد ثورة يناير - فإنه يضع أمام المشرع أو الحاكم ما يلي من أفكار:1 - ضرورة إطلاق حرية إصدار الصحف للأشخاص العامة أو الخاصة والأحزاب السياسية وللأشخاص الطبيعية.2 - إلغاء القيود التي تحد من حرية الصحافة والتي تتطلب ضرورة الحصول علي ترخيص لإصدار الصحف أو لممارسة العمل الصحفي بالنسبة للصحفي، وأن يقتصر الأمر علي الإخطار فقط لإصدار الصحف.3 - تحرير العلاقة بين الصحفي ومجلس التحرير في الصحيفة حتي تنتفي إمكانية قيام نوع من الرقابة الذاتية داخل الصحيفة .4 - العمل علي ضرورة ضمان حرية تدفق المعلومات،وإلغاء كل القيود التي تحد من هذا التدفق وذلك تحقيقاً لحق الشعب في المعرفة،وحتي تسهم الصحف في بناء رأي عام قوي وفعال.5 - إلغاء المجالس الرسمية التابعة للدولة والتي تدعي حماية حرية الصحافة لما تمثله من تقييد لحرية الصحافة وربط حرية الصحافة بحرية الوطن وهذا هو مربط الفرس في كل أزماتنا الصحفية القادمة !! أزمات ما بعد الثورة التي ترتبط جميعاً بحالة التيه السياسي الشامل الذي تعيشه مصر ، ويتطلب من الجميع اليقظة .. والحذر . حمي الله مصر وصحافتها من كل سوء .