الجمعة 26 أبريل 2024 02:06 مـ 17 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب : لعبة أردوغان والأمريكان

يتصور أردوغان أن خطته نجحت، وأنه آن الأوان ليستثمر ما جرى فى تركيا للخلاص من المؤسسة العسكرية ومن السلطة القضائية وكل صوت يرفض نهجه الديكتاتورى ليصبح صوته هو الصوت المقدس، صوت الخليفة الجديد، مبعوث العناية الإلهية لحكم العالم الإسلامى وليس تركيا فقط، وحده المسموع والمهيمن.. وأنه آن أوان التمكين وفق المفهوم الإخوانى الذى تربى عليه والذى يتبناه، لكن الحقيقة أن هذا التصور زائف، وأن أردوغان مهّد من حيث لا يدرى لثورة شعبية تقضى عليه وعلى ميليشياته التى ظهر خطرها على الدولة التركية بما مارسته من ذبح وإذلال للجيش التركى وما أتبعهما من مذبحة للقضاء والقضاة.. فالصورة واضحة، وكل الشواهد تؤكد أن الأمور فى تركيا ذاهبة إلى طريق مسدود لا نجاة منه إلا بقيادة جديدة لا تهمين عليها روح الانتقام وأوهام الخلافة الأردوغانية.

كمراقب للأوضاع فى تركيا كنت أدرك أن الجيش ضاق ذرعاً بممارسات أردوغان، وأنه سيحاول إسقاط دولة أردوغان البوليسية المدعومة بالميليشيات الإخوانية، وهى التجربة التى سعى الإخوان فى عهد مرسى لتطبيقها، لكن الشرطة المصرية تصدت لها، ما أفشل المخطط الإخوانى وأسقط مرسى وجماعته.. لعبة أردوغان فى استعداء الجيش كانت واضحة، فقد أعفى الكثير من الضباط من مناصبهم فى السنوات الأخيرة لأنهم غير راضين عن تنامى نفوذ حزبه وجماعته بل غير راضين عن استبدال الدولة التركية بالدولة الإخوانية الأردوغانية، فاللعبة مكشوفة حيث يسعى أردوغان لصياغة دستور جديد يتيح له الهيمنة الكاملة والمقدسة على كل المؤسسات، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية.

وتعالوا نقرأ المشهد بصورة صحيحة.. فقد شهدت تركيا من قبل ما يقارب أربعة انقلابات عسكرية لاستعادة هوية الدولة التركية من الفكر الإخوانى بعد وضع بعض المساحيق عليه لتجميله، ولم يحدث خلال أى انقلاب أية مقاومة للجيش من أى حزب سياسى فى الشارع.. حيث لم يكن هناك تكوين لميليشيات كتلك التى كونها  حزب العدالة والتنمية لينكشف الأمر؛ فحزب أردوغان ليس فقط تنظيما سياسيا وشعبيا ولكنه تنظيم أمنى، وهذه ظاهرة غير مسبوقة فى تاريخ الجمهورية التركية وقد انكشفت صورتها للعالم وللشعب التركى الذى يزعم أردوغان أنه استدعاه لدحر الانقلاب، فى حين تكشف كل الصور أن من استدعاهم أردوغان هم ميليشيات حزبه وبعض رجال الشرطة الموالين له بعد أن تم زرعهم فى المؤسسة الأمنية فى مناصب قيادية طوال السنوات الماضية، وقد ظهرت وحشيتهم فى إذلال وتعذيب أفراد الجيش التركى بقطع الرقاب تارة وتجريدهم من ملابسهم وتعذيبهم بأبشع صور التعذيب تارة أخرى، ليبدأ مهرجان التهديد بالإعدام ثم الإقالات من الجيش والشرطة لكل من يرفض الدولة الأردوغانية الميليشاوية الإخوانية، وبعد ما شاهدناه وشاهده الشعب التركى لم تعد هناك مساحة لأردوغان ليراوغ ويكذب على الشعب التركى وليس بإمكانه أيضاً أن يغير القاعدة الأساسية للشعب التركى، والتى ستكون هى فى مقدمة الانقلاب القادم بعد أن اقتنعت بأن أردوغان ألحق الأذى بل التدمير بالنموذج التركى الذى كان يجمع بين الإسلام والحداثة، والذى كان يميّز تركيا بصورة فريد فى العالم الإسلامى.

ولا يقتنع الشعب التركى بالمسرحية الهزلية التى يمارسها أردوغان فى تصوير وجود خلافات بينه وبين أمريكا، فحقيقة الأمر أنه لم يساعد الأمريكان أحد فى المنطقة لتدمير البلدان الإسلامية وعلى رأسها العراق وسوريا سوى أردوغان عبر القواعد العسكرية، حيث انطلقت كل الطائرات التى دمرت العراق من الأراضى التركية.

إن الميزه الأساسية والمهمة لأحداث الجمعة أو انقلاب الساعات المحدودة هى انكشاف أردوغان كحاكم  ديكتاتور لا علاقة له بالديمقراطية، وإن ما تم الترويج له بأن تركيا- أردوغان هى النموذج للديمقراطية فى العالم الإسلامى التى يجب أن تسعى لتطبيقها وتقليدها كل الدول الإسلامية مجرد أوهام.. وهكذا زرع أردوغان المسمار الأبرز فى نعشه، حيث لن يجد الشعب التركى طريقاً للحفاظ على النموذج التركى المتمثل فى الجمع بين الإسلام والحداثة سوى الخلاص من أردوغان عبر ثورة شعبية يدعمها الجيش هذه المرة.