خبير دولي يكشف للنهار أسرار إنسحاب نتنياهو من قمة شرم الشيخ : يخطط لإدارة اللعبة من الظل

في تحول مفاجئ، تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن حضور قمة شرم الشيخ، بعد أن كان قد أكد رسميًا مشاركته إلى جانب الرئيس الأميركي والرئيس الفلسطيني، في اجتماع هدفه ترسيخ اتفاق وقف الحرب في غزة.
ووفقًا لهيئة البث الإسرائيلية، جاء قرار التراجع في اللحظات الأخيرة بعد مشاورات داخل مكتب نتنياهو، وسط انقسام حاد في الحكومة اليمينية حول جدوى المشاركة. وذكرت المصادر أن التبرير الرسمي للانسحاب كان "تعارض موعد القمة مع احتفالات دينية يهودية".
وأشارت تقارير إلى أن نتنياهو تخوّف من الظهور في مشهد يجمعه بعباس، في ظل تصاعد الانتقادات داخل إسرائيل لأي تقارب مع السلطة الفلسطينية
وبناءً على ذلك، يبرز سؤال مهم بحاجة إلى إجابة واضحة: ما أسباب انسحاب نتنياهو المفاجئ على مسار التسوية الفلسطينية-الإسرائيلية، وتراجعة عن حضور قمة شرم الشيخ؟
وفي هذا السياق، يجيب خبير العلاقات الدولية الدكتور محمد اليمني في تصريح خاص ل"النهار" على هذا السؤال، قائلاً أن قرار نتنياهو بعدم حضور قمة شرم الشيخ رغم اهميتها الرمزية والسياسية يحمل دلالات أعمق من مجرد غياب بروتوكولي ويمكن تفسيره على مستويين متداخلين: الداخلي الإسرائيلي، والدبلوماسي الإقليمي. فهذا القرار يعكس مزيجًا من الخشية السياسية والتكتيك الدبلوماسي موضحًا: "من جهة يخشى نتنياهو رد فعل قاعدته اليمينية المتشددة، ومن جهة أخرى يسعى للحفاظ على هامش حركة سياسي يتيح له التلاعب بنتائج القمة لاحقًا."
توازن هش داخل الائتلاف الحاكم
أشار اليمني إلى أن نتنياهو يواجه أزمة توازن دقيقة داخل ائتلافه الحاكم، الذي يعتمد بشكل كبير على دعم أحزاب اليمين الديني والقومي المتطرف، وعلى شخصيات مثل بن غفير وسموتريتش، اللذين يرفضان أي مظهر من مظاهر "التنازل" أو "الانخراط في مفاوضات سلام" مع أطراف عربية، خصوصًا في ظل الحديث عن خطة ترامب الجديدة ووقف إطلاق النار في غزة.
وأضاف الخبير: "تراجع نتنياهو عن الحضور قد يكون رسالة داخلية للتيار اليميني بأنه لن ينخرط في خطوات تُفسر على أنها تنازلية أو استسلام لضغوط دولية، خاصة في وقت تشهد فيه إسرائيل انقسامًا داخليًا حول مستقبل غزة ومستقبل حكومته نفسها. وبالتالي، فهو يُجنب نفسه مواجهة مفتوحة مع اليمين المتشدد التي قد تُهدد بقاء ائتلافه، خصوصًا إذا جرى تقديم القمة إعلاميًا كخطوة تمهيدية لمسار سياسي جديد."
تكتيك دبلوماسي مدروس أم انسحاب سياسي؟
أكد اليمني أن هذا القرار يحمل بعدًا دبلوماسيًا واضحًا قائلاً:"من زاوية أخرى، يمكن اعتبار هذا القرار تكتيكًا دبلوماسيًا مدروسًا، وليس انسحابًا سياسياً بالضرورة. فنتنياهو يدرك أن ظهوره في قمة تستضيفها مصر بحضور ترامب وزعماء عرب، في لحظة تُناقش فيها ترتيبات ما بعد الحرب، قد يُستخدم ضده داخليًا وخارجيًا على السواء."
وأشار إلى أن نتنياهو يسعى للحفاظ على مرونة سياسية مضيفاً: "نتنياهو لا يريد أن يُصوَّر كزعيم يُقاد نحو تسوية مفروضة أو يُجبر على القبول بشروط أميركية أو عربية تحت ضغط سياسي أو إنساني. وفي الوقت نفسه، قد يسعى إلى الاحتفاظ بمسافة تفاوضية تتيح له لاحقًا تبني نتائج القمة جزئياً أو رفضها، وفقاً لمصلحته ومزاج الشارع الإسرائيلي".موضحاً أن هذا الأسلوب يعكس نمطًا مألوفًا في سلوك نتنياهو السياسي: المناورة بالغياب لتحقيق مكاسب مزدوجة ، الظهور بمظهر الحذر في الداخل، وتجنب الإحراج في الخارج.
مخاطر العزلة السياسية
وأكد الخبير أيضًا على المخاطر المحتملة للغياب: "رغم وجاهة الأسباب التكتيكية، فإن غياب نتنياهو عن قمة بهذا الحجم يشارك فيها ترامب، والسيسي، وربما ممثلون عن حماس والسلطة الفلسطينية قد يعزز الانطباع بعزلة إسرائيل السياسية في هذه المرحلة الحساسة. فهو يترك المجال لخصومه (خاصة واشنطن والقاهرة) لتحديد ملامح المرحلة المقبلة من دون أن يكون لإسرائيل حضور مباشر على الطاولة."
فرصة ضائعة أم مناورة محسوبة؟
وختم الدكتور اليمني تحليله بالقول: "هذا الغياب، إن لم يكن جزءًا من تنسيق مسبق مع واشنطن، قد يُفسر لاحقًا كفرصة ضائعة لتثبيت الموقف الإسرائيلي في ترتيبات ما بعد الحرب.و هذا القرار، مهما كانت حساباته، يحمل مخاطرة بعزل إسرائيل عن مشهد دبلوماسي متشكل بوضوح في الإقليم، قد تُعاد فيه صياغة قواعد اللعبة السياسية والأمنية في المنطقة".