الانتخابات السورية.. إصلاح سياسي حقيقي أم مشهد مُعدّ سلفاً لتجميل الواقع؟

بدأت صباح الأحد، في تمام الساعة التاسعة، عملية الاقتراع لانتخابات مجلس الشعب السوري الجديد، في أول استحقاق انتخابي تشهده البلاد منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وسط أجواء مشحونة بالترقب والاحتياطات الأمنية.
ووفق ما أفادت به الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، فتحت المراكز الانتخابية المعتمدة في مختلف المحافظات أبوابها أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم، فيما انتشرت وحدات من قوى الأمن الداخلي لتأمين سير العملية الانتخابية ومراقبة مراكز الاقتراع.
ويبلغ عدد مقاعد المجلس الجديد 210 مقاعد فقط، بعد أن كان يتألف من 250 عضواً في الدورات السابقة، في خطوة قال مراقبون إنها تأتي ضمن إعادة هيكلة مؤسسات الدولة التشريعية بما يتوافق مع المرحلة الانتقالية الجديدة التي تمر بها البلاد.
أما عملية التصويت فتجري في الدوائر الانتخابية المعتمدة بمعظم المحافظات، باستثناء مناطق في الرقة والحسكة والسويداء، التي أعلنت اللجنة العليا للانتخابات تأجيل الاقتراع فيها حتى توافر الظروف الأمنية والإدارية المناسبة.
وذكرت الوكالة أن العملية الانتخابية ستستمر حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، على أن تبدأ بعدها عملية فرز الأصوات في المراكز نفسها، تمهيداً لإعلان النتائج الأولية بشكل متتابع عبر وسائل الإعلام الرسمية.
وأوضح المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، أن النتائج الأولية ستُعلن خلال الساعات التي تلي إغلاق الصناديق، ثم تُحال العملية إلى لجان الطعون للنظر في أي اعتراضات أو ملاحظات تتعلق بآليات التصويت أو الفرز، قبل أن تُعلَن النتائج النهائية في مؤتمر صحفي رسمي يُتوقّع عقده يومي الاثنين أو الثلاثاء المقبلين.
ووفق بيانات اللجنة العليا، بلغ عدد المرشحين 1578 مرشحاً ومرشحة، بينهم نحو 14 في المئة من النساء، وهو ما وصفه بعض المراقبين بأنه مؤشر على محاولة تعزيز تمثيل المرأة في الحياة السياسية السورية، رغم استمرار التحديات الأمنية والسياسية.
يرى مراقبون أن هذه الانتخابات تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة السلطة الانتقالية على إعادة بناء مؤسسات الدولة، وقياس حجم المشاركة الشعبية بعد أكثر من عقد من الصراع الدموي. فيما يشكك آخرون في قدرتها على إحداث تغيير فعلي في بنية الحكم، معتبرين أن الانتخابات تأتي في سياق تثبيت سلطة الأمر الواقع، لا إعادة إنتاج نظام سياسي جديد.
ويعتقد محللون أن التركيبة الجديدة للمجلس ستعكس إلى حد كبير توازنات القوى الحالية على الأرض بين التحالفات المدنية والكيانات السياسية المدعومة من القوى الإقليمية، مشيرين إلى أن النتائج قد تحمل إشارات أولية حول شكل النظام السياسي السوري المقبل، وما إذا كان يتجه نحو الانفتاح السياسي المحدود أم إعادة إنتاج البنية السابقة بوجوه جديدة.
في هذا السياق، يرى الاقتصادي والمحلل السياسي السوري وعضو مجموعة "مسار الحوار الوطني" د. سمير العيطة، أن الانتخابات الحالية تمثل اختبارًا سياسيًا وشكليًا في آن واحد، معتبرًا أنها لن تُحدث تغييرًا جذريًا في المشهد السوري ما لم تُستكمل بخطوات إصلاحية أوسع تشمل إعادة هيكلة السلطة وتوسيع المشاركة السياسية.
ويقول العيطة في تصريحات:"إجراء انتخابات برلمانية بعد سقوط نظام الأسد خطوة رمزية تهدف إلى إظهار عودة مؤسسات الدولة، لكنها تبقى محدودة التأثير إن لم تُبنَ على توافق وطني حقيقي، يضمن مشاركة القوى المعارضة والمجتمع المدني في صياغة مستقبل البلاد."
ويضيف الخبير السوري أن أي عملية انتخابية لا ترافقها ضمانات دستورية وتعددية سياسية حقيقية "ستبقى محكومة بنتائج شكلية"، مشددًا على أن التحول الديمقراطي في سوريا لن يُقاس بعدد صناديق الاقتراع، بل بقدرة السوريين على استعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها.
تبدو الانتخابات البرلمانية في سوريا خطوة رمزية تحمل أبعاداً سياسية أكثر منها تحولاً فعلياً في بنية الحكم. فبين من يراها محاولة لإضفاء شرعية جديدة على المرحلة الانتقالية، ومن يعتبرها مجرد استحقاق شكلي لتثبيت سلطة قائمة، تبقى الحقيقة أن مستقبل البلاد سيتحدد بمدى قدرة مؤسساتها الجديدة على استعادة الثقة الشعبية، والانفتاح على مسار سياسي جامع يعيد للسوريين حقهم في تقرير مصيرهم بعيداً عن الاستقطاب والوصاية الخارجية.