د. محمد حبيب يكتب: تلك هى البداية

تستمد أي سلطة حاكمة مشروعيتها من التزامها بالدستور، واحترامها لسيادة القانون، وتنفيذها لأحكام القضاء..هذا هو المعمول به في الدول المتحضرة..لكن حين تستخدم السلطة العنف في مواجهة الجماهير، فتقتل، وتنتهك حقوق الانسان، وحين تعمل علي تغييب العدالة، أو تكون العدالة انتقائية، او حين تغض الطرف او تصمت ازاء جرائم ارتكبت في حق الشعب، فان هذه السلطة تفقد مشروعيتها..وهي لا محالة الي زوال..هذا هو القانون الرباني..فالدولة العادلة، تبقي وان كانت كافرة..والدولة الظالمة، تفني وان كانت مسلمة..هذا ما قاله شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله.
لقد ارتكبت جرائم في حق شعب مصر حين قام بثورته خلال الثمانية عشر يوما في عهد الرئيس المخلوع..لكن مهرجان "البراءة للجميع" كان ينتظر القتلة، والسبب عدم وجود الادلة التي تم تغييبها عمدا لمصلحة الكبار..كان لابد من تنفيذ العدالة الانتقالية، للوصول الي الجميع، الا ان تواطؤ من كان في الحكم انذاك حال دون تنفيذها..وارتكبت جرائم او مذابح أخري بعد ذلك؛ في ماسبيرو، ومحمد محمود (1)، ومجلس الوزراء، واستاد بورسعيد، ومحمد محمود (2)، والعباسية، ومحمد محمود (3)، في عهد المجلس العسكري وعلي رأسه المشير طنطاوي والفريق سامي عنان..ومع ذلك، لم يقدم احد للمحاكمة علي هذه الجرائم، باستثناء من قاموا بتنفيذ مجزرة استاد بورسعيد يوم 1 فبراير 2012، حيث صدر الحكم بإعدام 21 متهما..كان في القضية 9 من ضباط الداخلية، صدر الحكم علي اثنين منهم فقط، والباقي براءة..اما الذين فكروا، ودبروا، وخططوا لارتكاب المجزرة من علية القوم فقد ظلوا - كما العادة - بمنأي عن آية محاكمة..وربما كان هذا هو السبب الحقيقي وراء غضب شباب الألتراس من ناحية، وشعب بورسعيد من ناحية اخري.
في عهد الدكتور مرسي، سقط اكثر من 70 شهيدا؛ في بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، والقاهرة، هذا فضلا عن إصابة الآلاف..ناهينا عن انتهاكات حقوق الانسان، من تعذيب وحشي وصل الي الموت في بعض الحالات، واغتصاب لفتيان صغار في معسكرات الأمن.. في عهد المجلس العسكري أو الدكتور مرسي، عادت أيام الرئيس المخلوع..كانه لم تكن هناك ثورة قام بها الشعب المصري..كانه لم يكن هناك شهداء، ولا جرحي أو مصابين..سوف يقال ان من قتل كأنوا "بلطجية"..نقول حتي لو كان هذا الزعم صحيحا، فليس هناك مسوغ لاستباحة دمائهم..وإلا فأين القانون؟! وأين القضاء؟! لكن - للأسف - نحن في دولة اللادولة.
ثم ها نحن امام مشهد غريب وعجيب..مشهد لم تشهده مصر من قبل..ضباط وأفراد الداخلية، اضربوا عن العمل..قطاع منهم يقول نحن لا نريد ان نكون أداة في صراع سياسي، مع طرف ضد طرف آخر..وقطاع ثان يطالب بضرورة التسليح دفاعا عن النفس، في مواجهة هجوم "البلطجية" (!)..وقطاع ثالث يطالب بان يكون هناك فرز علمي وواقعي وحقيقي بين من هو متظاهر ومن هو بلطجي..تري ما الذي أوصلنا الي هذا الحال؟!
يا سادة..نقول مجددا..لابد من احترام سيادة القانون..وان يكون الكل، حاكما او محكوما، امامه سواء..تلك هي البداية، وغير ذلك هو حرث في بحر أو قبض ريح..فهل نحن علي استعداد ان نعيش دولة القانون؟!