ماهر مقلد يكتب: فى حق ثائر

قبل 23 عامًا نفذت إسرائيل عملية اختطاف كبرى حيث نجحت فى اعتقال القيادى الفلسطينى المهم مروان البرغوثى، ففى 15 أبريل عام 2002 جرت العملية فى مدينة رام الله وسط الضفة الغربية, وذلك بعد عدد لا يحصى من المحاولات الفاشلة لاغتياله نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلى قبل ظهور الذكاء الاصطناعى والتقدم فى عمليات التنصت, وقد تم التحقيق معه على مدى مائة يوم ورفض أمام المحقق أن يذكر كلمة ينتظرها المحقق.
وأصدرت المحكمة فى تل أبيب حكمها عليه بالسجن خمسة مؤبدات وأربعين عاما ورد البرغوثى فى جلسة المحكمة مخاطبا القضاة إذا كان ثمن حرية شعبى فقدان حريتى, فأنا مستعد لدفع هذا الثمن. هو من مواليد عام 1959 يحمل درجة الماجستير فى العلاقات الدولية وعمل حتى اعتقاله محاضرًا فى جامعة القدس, متزوج من المحامية فدوى البرغوثى ولهما أربعة أبناء بنت وثلاثة أولاد قسام, ربا, شرف, وعرب.
هذا المناضل الذى يجسد صورة الثائر الوطنى وإن غابت عنها الأضواء وتراجعت التصريحات حوله وتوقفت المفاوضات بشأن الإفراج عنه، سيبقى سيرة خالدة وطنية وصامدة.
فى زمن تفتقد فيه القضية الفلسطينة نماذج من نوعية مروان البرغوثى الذى كانت تجمع بين الفعل الثورى والعمل السياسى، نسرد قصة اعتقاله والتى مر عليها عقدان وثلاث سنوات تكشف عن خطورة النفس البشرية فالذى وشى عن مكان تواجده هو عميل فلسطينى قدم المعلومات للاحتلال حتى يتمكن من اعتقاله.
زوجة المناضل روت لى خلال زيارتها للقاهرة قبل 20 عاما بعضًا من ملابسات عملية اعتقاله وقالت كان لا ينام ليلة واحدة فى نفس المكان بل كان ينام فى سيارة حتى لا ترصد مكانه قوات الاحتلال.
ما يشعر البعض بالأسى فى هذا التوقيت هو أن الواقع الفلسطينى أصبح مؤلمًا والحرب على غزة كانت كارثية والنوايا الإسرائيلية ما تزال تضمر الشر للقطاع وتخطط لعملية الاحتلال الكامل، ومن هنا تتراجع الأولويات وتختلط الأوراق.
البرغوثى قصة إنسانية تلخص مأساة الشعب الفلسطينى الذى يتعرض كل يوم لشتى صنوف الظلم والقهر والتعذيب فى عالم هائم تتقاذفه الأمواج التى لا ترسو على شاطئ العدل بل الانحياز والظلم.
كان سقف التوقعات يشير إلى أن المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل ربما تشمل اسم البرغوثى لكن يبدو أن القرار الإسرائيلى غير موافق على الإفراج عنه فى هذه المرحلة خوفًا من تكرار سيناريو يحيى السنوار.
ظروف الأسرى فى السجون الإسرائيلية مروعة والسلطات هناك تتعامل معهم بشكل غير إنسانى ولا أحد يهتم أو يستطيع تغيير المعادلة. نفس السلطات لا ترحم المواطن العادى وتضربه بالصواريخ فكيف يكون سلوكها مع الأسرى.
قال عنه رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق (أرييل شارون) لحظة اعتقاله: يؤسفنى إلقاء القبض عليه حيًّا, كنت أفضل أن يكون رمادًا فى جرة. أما (الياكيم روبنشتاين) المستشار القانونى للحكومة الإسرائيلية فقال: البرغوثى مهندس إرهابى من الدرجة الأولى وقد راجعت ملفاته طوال ثلاثين عاما ووجدت أنه من النوع الذى لا يتراجع ولذلك يجب أن يحاكم بلا رحمة وأن يبقى فى السجن حتى موته. أما وزير الدفاع الأسبق (شاؤول موفاز) فقال إن اعتقاله هو هدية جيش الدفاع للشعب الإسرائيلى فى عيد الاستقلال.. هذا كلام إسرائيل لكن حقيقة هذا المناضل أنه وطنى يدافع عن قضيته.