أسامة شرشر يكتب: وقفة مع حزب الجبهة الوطنية
لا شك فى أن ميلاد حزب الجبهة الوطنية الجديد يمثل حراكًا فى الحياة السياسية والحزبية المصرية فى هذا التوقيت المهم والحساس، وفى ظل حالة الركود والجمود التى تعيشها الحياة الحزبية المصرية، وقناعة المواطن المصرى الذكى الذى يمتلك حسًا سياسيًا عاليًا بأن معظم هذه الأحزاب ما هى إلا فقاعات سياسية، لاوجود لها إلا لتحقيق المصالح والخدمات الخاصة والتربح السياسى والمالى، وأنها ليست لها قاعدة جماهيرية.
ودليلى على ذلك ما حدث للحزب الوطنى الديمقراطى، الذى كان يردد أمين تنظيمه السابق أحمد عز -الذى تم سجنه- بأن الحزب لديه 5 ملايين عضوية، وعند المواجهة لم نجد عضوية واحدة لها موقف أو ثقل ففى أول هزة تلاشت وتبخرت هذه العضويات، لأنها لم تبن على قاعدة أيدولوجية وقناعات سياسية، مثل باقى الأحزاب فى بقية دول العالم، التى تعمل لمصلحة البلد وليس مصالح الأفراد أو المرتزقة أو الكومبارس السياسى، الذين أساءوا للدولة المصرية من خلال توزيع الكراتين والبطاطين و200 جنيه، وكأنه نوع من التسول السياسى، وليس القناعة بأن هذا الحزب يعمل لمصلحة المواطنين، ويدافع عن قضايا الوطن وعن الحريات وعن الثوابت الأخلاقية والقيم والأعراف والعادات والتقاليد، فلذلك ذهب إلى المجهول وأصبح لا ذكر له أصلًا فى الحياة الحزبية والسياسية فى مصر.
وجاءت بعض الأحزاب الأخرى وسارت على نفس النسق ونفس الخط للحزب الوطنى واستخدمت المال السياسى الحرام الذى ليس له مصدر، واستطاعت أن تحصل على العضوية من خلال أكذوبة التبرعات، وحصل انفصام بينها وبين المواطن المصرى.
وأتحدى كنائب وكصحفى إذا تم عمل استبيان علمى وواقعى فى الشارع المصرى أن يعرف الناس هذه الأحزاب أو عددها، وسنكتشف أنه لا وجود لها فى القرى والمراكز والمحافظات، لكنهم للأسف الشديد يتمسحون فى النظام، وهو منهم برىء، لأنهم يفتقدون القاعدة الشعبية والتعبير عن نبض المواطن ونقل قضاياه ومشاكله تحت قبة البرلمان بغرفتيه والعمل على حلها، فكانت الكارثة السياسية بفقدان الثقة بين المواطن والنواب الذين جاءوا من المجهول السياسى، واستغل بعض النواب، وليس كلهم، الحصانات فى التربح من خلال الأراضى والعمولات وغيرها من أمور كشفت عنها أجهزة المعلومات، وتم استبعاد جزء منهم، والبقية تأتى لتطهير هذه الأحزاب.
ولكن خرج علينا عاصم الجزار، فى حواره أمس الأول فى إحدى الفضائيات، ليقول: نحن فى الحزب الجديد (حزب الجبهة الوطنية) لسنا حزبًا للكراتين والبطاطين، وسنعتمد على القاعدة الشعبية من خلال ملء استمارات واقعية وحقيقية، وليس للحكومة فضل علينا، وسنعمل لصالح الدولة المصرية والشعب المصرى بأسره، وسنعيد الحراك السياسى الذى جُمِّد ولم يشعر به المواطنون، وكأنه يقول إن هناك انتفاضة حزبية ستحدث فى الفترة المقبلة باختيار العناصر الوطنية والمستقلين والكفاءات ذات السمعة الطيبة لنعلن ميلاد حزب سياسى كبير يكون حاضنًا شعبيًا بعيدًا عن التبرعات والمال السياسى، وسنعمل على تغيير الصورة السلبية للأحزاب فى مصر لدى المواطنين، ولن يتم فى أى انتخابات مقبلة أن تكون الأولوية للتبرعات وحملة المال ذوى البوصلة المجهولة، والتى يعلمها المواطنون، وسنعمل على استبعاد كل هذه الأسماء والعناصر التى أساءت للحياة الحزبية فى مصر، وسنحدث مصالحة سياسية حقيقية مع الشارع المصرى، وسنحاول إعادة الثقة بيننا وبين المواطنين، وسيتم فتح النوافذ والشبابيك السياسية للرأى والرأى الآخر والاستماع إلى كل الآراء المؤيدة والمعارضة.
وإذا تم إجراء الانتخابات من خلال القائمة النسبية وليس المطلقة، وفتح المجال للمستقلين ستكون بادرة خطيرة مع إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية وإلغاء القوائم المجهولة المصدر والأشخاص الذين ليس لهم صلة مع المواطن، خاصة أنه فى ظل غياب المجالس الشعبية المحلية، أصبح النائب مسئولًا عن التشريع والرقابة وتقديم الآلية البرلمانية من استجوابات وبيانات عاجلة لمحاسبة الوزراء، وإذا تم ذلك سيشعر النواب بنبض المواطن المصرى الذى هم منه، لأنهم ليسوا قادمين من المال السياسى المشبوه والحرام الذى شوه الحياة السياسية المصرية فى الداخل والخارج.
أعتقد لو تم ذلك فنحن أمام حزب جديد سيحقق نوعًا من الرضا الشعبى لدى كثير من الكفاءات ولدى كثيرمن المستقلين الذين قرروا الإحجام عن المشاركة فى الحياة السياسية، لأن النتائج معروفة، وليست فى صالح الوطن ولا المواطن، لكن فى صالح قلة صغيرة محدودة تربحت وأساءت إلى شكل الدولة المصرية، وحدث انفصام بينها وبين الناس، لأن ولاءها ليس للشعب، لكن للذين أحضروهم بعدما دفعوا تبرعات كبيرة جدًا بالملايين.
ولكن هناك أيضًا تساؤلات وانتقادات تقابلنا فى الشارع المصرى حول توجه هذا الحزب الجديد هل سيكون فى معسكر الموالاة أم فى خندق المعارضة الوطنية؟
وما طبيعة العلاقة بين حزب الجبهة الوطنية واتحاد القبائل والعائلات المصرية؟ وهل الحزب سيكون الأداة السياسية لاتحاد القبائل؟ وما علاقته برجل الأعمال إبراهيم العرجانى؟
وهل يمثل انضمام عصام ابن رجل الأعمال للهيئة التأسيسية للحزب نموذجًا للهيمنة أم كما قال وكيل المؤسسين للحزب عاصم الجزار، إنه ليس له علاقة بالحزب على الإطلاق، ولا يتبع اتحاد القبائل؟
فلذلك نطالب بأن يعلن هذا الحزب برنامجه السياسى من خلال ما يسمى بالواقعية السياسية بعيدًا عن الأيديولوجيات المعقدة وغير القابلة للتطبيق، وكفانا تنظيرًا، وأن تكون للحزب -وأى حزب آخر- أولوية الاهتمام بالتعليم ثم التعليم ثم التعليم والبحث العلمى والصحة وتوفير الخدمات الحقيقية للمواطنين ومحاربة الفساد والإفساد السياسى والاقتصادى، وإطفاء نار الأسعار التى اكتوى بها المواطنون، وأن تتم محاسبة الحكومة أو إقالتها إذا كنا نريد حزبًا قويًا يشعر به الشعب، ويكون عاملًا مساعدًا لرئيس الجمهورية، وهذا لن يتأتى إلا باختيار الكفاءات والعناصر الشريفة وما أكثرهم فى هذا الوطن العظيم.
فدعونا نتصارح ونتكاشف ويعرف كل منا الآخر، حتى يكون كشف الحساب إذا حصل تقصير أو إهمال من خلال آلية حزبية حقيقية يكون المواطن فيها هو سيد الحزب وصاحبه وليس تابعًا له، وأن يتم إنهاء كل شبهات تعارض المصالح وإقصاء العناصر الفاسدة والمفسدة، وهم معروفون بالأسماء لدى الشعب المصرى العظيم.
فإذا كان حزب الجبهة الوطنية من خلال اللجنة المؤسسة سيعمل على الالتحام بالقاعدة الجماهيرية، وأن تكون الشفافية هى المعيار، والاختيار مبنى على أسس واقعية وعلمية وسمعة حقيقية طيبة، وأن يكون الاختيار من الحزب وليس من أى جهة أخرى، ستكون هذه البداية وليست النهاية،
وهناك فرق كبير بين النظرية والتطبيق، فدعونا نكتشف ما يقوم به الحزب فى المرحلة المقبلة، وأول احتكاك لهذا الحزب من خلال انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة فى شهر 6 المقبل، والتطبيق خير من الكلام، لأن (الكلام تعب من الكلام).
وعجبى!