الجمعة 29 مارس 2024 11:07 صـ 19 رمضان 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: ابتزاز السعودية

السياسي والإعلامي أسامة شرشر
السياسي والإعلامي أسامة شرشر

محاولات الرئيس بايدن بعد إعلان قرار أوبك بلس تخفيض الإنتاج بمعدل 2 مليون برميل يوميًا، لابتزاز السعودية، غير مقبولة.. فلقد خرجت حملة إعلامية ممنهجة فى مراكز صنع القرار فى الولايات المتحدة تهاجم قرار أوبك وتحمِّل السعودية تبعية هذا القرار، وكأن الرياض هى الأوبك والأوبك هى الرياض.

والأخطر هو التصور الذى تروج له الآلة الإعلامية الأمريكية بأن ولى العهد السعودى محمد بن سلمان وراء هذا القرار ردًّا على موضوع مقتل جمال خاشقجى.

والأهم، وهو ما يمثل الحقيقة، هو اتهام السعودية بالانحياز إلى روسيا فى حربها ضد أوكرانيا، وأن تخفيض إنتاج النفط يصب فى صالح الرئيس بوتين ويشعل سوق النفط فى أمريكا وأوروبا.

وفى المقابل نجد هناك تصريحًا خطيرًا لماكرون، رئيس فرنسا، يشكو فيه من الولايات المتحدة ويتهمها برفع أسعار المنتجات البترولية على دول أوروبا أضعاف سعرها داخل الولايات المتحدة.. بما يعنى ببساطة أن أمريكا باعت أوروبا واستفادت من قرار خفض الإنتاج وتحاول تحميل السعودية وحدها تبعية القرار، وهو ما يكشف الوجه الحقيقى لأمريكا فى استغلال المواقف والأزمات للوصول إلى الحد الأقصى من الاستفادة الدولية.

وأنا أتساءل وأتعجب من موقف الأمريكان وابتزازهم للسعودية؛ حيث اتصل رئيس أوكرانيا بولى العهد السعودى بعد اجتماع الأوبك ولم يذكر الموضوع أصلًا، فهل بايدن وأمريكا أكثر حرصًا على مصلحة أوكرانيا وشعبها وأرضها من رئيسها وأبنائها؟!.

ولكن سر الجنون الأمريكى، فعلًا، هو العوائد المادية الكبيرة جدًّا التى تعود على روسيا بسبب قرار خفض إنتاج النفط.

وها هى الولايات المتحدة تكشف عن وجهها القبيح مجددًا من خلال التهديد بما يسمى قانون «نوبك» الذى سيصدر من مجلس النواب الأمريكى بغرفتيه لفرض عقوبات اقتصادية على السعودية بداية من عمليات وقف التسليح وبيع الطائرات للسعودية ووقف التعامل مع السعودية على أنها حليف استراتيجى، والأخطر هو دعم الولايات المتحدة المستتر للحوثيين بعدم التوقيع على استمرار الهدنة فى اليمن، وكأنها تبعث رسالة للجانب السعودى أن صواريخ الحوثيين ستطول العمق السعودى وشركة آرامكو للبترول، وستحدث زلازل داخل المجتمع السعودى بعد خروجه من الوصاية الأمريكية فى قرارات أوبك بلس.

القضية يا سادة تتلخص فى أن مجرد قيام إحدى الدول العربية سواء السعودية أو الإمارات أو غيرهما بموقف متوازن فى الحرب الروسية الأوكرانية أو التصويت داخل مجلس الأمن والخروج من مبدأ التبعية للوصاية الأمريكية- فإن هذا يمثل نوعًا من التمرد يجب عقابه بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، وهذا بكل المقاييس ابتزاز للسعودية فى هذا التوقيت الذى تتغير فيه ملامح الخريطة العالمية من عالم أحادى القطب إلى عالم متعدد الأقطاب ودخول روسيا والصين إلى المعادلة الدولية.

وكما قلتها فى كل كتاباتى السابقة وأكررها (إن المتغطى بالأمريكان عريان) فأمريكا لا يعنيها فى العالم أى أحد إلا إسرائيل وأمن ودعم إسرائيل؛ لأنها جزء لا يتجزأ من اللوبى الصهيونى الذى يعتبر هو صانع القرار فى كل مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية وهو الذى يحدد هوية الرئيس القادم، خاصة أننا مقبلون على انتخابات التجديد النصفى لمجلسى النواب والشيوخ الأمريكيين، والحزب الديمقراطى فى مأزق ستكشف عنه نتائج الانتخابات القادمة خلال أسابيع، فبورصة الانتخابات الأمريكية تتجه إلى سيطرة الجمهوريين على الأغلبية فى المجلسين، كما أن استدعاء ترامب للإدلاء بشهادته فى اقتحام الكونجرس يؤكد حالة الخوف والرعب والذعر التى يعيشها بايدن والحزب الديمقراطى.

وهذا هو لب القضية، فمحاولة توقيع العقوبات العسكرية واللوجستية على السعودية إنما هى محاولة لتحسين صورة بايدن أمام الرأى العام الأمريكى، وخاصة أن أسهم الحزب الجمهورى فى ارتفاع مستمر مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفى.

ولكن للأسف الشديد نحن كعرب أصبحنا مفعولًا بنا ولسنا فاعلًا فى الأزمات والعلاقات الدولية، حتى إن مجرد محاولة إنشاء قوة عسكرية عربية منذ فترة قابلها الفيتو الأمريكى، رغم أن العالم الجديد لا يحترم إلا لغة التحالفات.

فالسعودية حاليًّا تغرد بمفردها فى مواجهة الهجمة الكونجرسية والإعلامية والمخابراتية ومراكز صنع القرار، التى تقود محاولات لـ(تأديب) السعودية لمجرد أنها وافقت على تخفيض إنتاج النفط دون التنسيق مع الحليف الاستراتيجى وحامى حمى دول العالم ابتداءً من أوروبا ونهاية بالدول العربية التى يعتبرونها موجودة لخدمة العم سام والعم بايدن.

وحتى محاولات السعودية لتوضيح الموقف بأن عمليات تخفيض الإنتاج ليست قرارًا سعوديًّا أحاديًّا، ولكنه قرار جماعى من دول أوبك بلس- لم تُجدِ أمام الغطرسة الأمريكية التى تحاول إرسال رسالة للرأى العام الداخلى والرأى العام العالمى أن عقاب السعودية واجب حتمى.

كل هذه الأمور تجرى ونحن ما زلنا نعتقد أن أوراق اللعبة ما زالت فى يد الأمريكان وهذا عكس الواقع والحقيقة.

فهل سيحدث تحالف عربى حقيقى فى مواجهة هذه الهجمة الأمريكية على السعودية؟ وهل تجىء الأحداث القادمة بما لا تشتهى السفن الأمريكية؟ أم أن الأمريكان سيقومون باستهداف السعودية بكل الطرق الممكنة لإرسال رسالة لكل الدول العربية قبل أن تكون للرياض وحدها؟!.

ودعونا لا ننسى عندما اتخذ الملك فيصل، رحمة الله عليه، قرار استخدام ورقة البترول فى حرب أكتوبر للضغط على الأمريكان، وكيف جُنَّ جنوهم، ولكنهم وقتها لم يستطيعوا فعل شىء لأن العالم العربى كان موحدًا فى مواجهة أمريكا والغرب.. ونفذ الملك فيصل قراره وخضع الأمريكان.

فانتبهوا أيها الحكام العرب؛ إن ابتزاز السعودية هو البداية وستعقبها عواصم أخرى إذا لم نتوحد فى مواجهة هذا الطوفان الأمريكى.

وعجبى.