الخميس 28 مارس 2024 10:52 مـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: ورحل منقذ تونس

كان نبأ وفاة الرئيس الباجى قايد السبسى، رئيس تونس، فى هذا التوقيت، صدمة للشعب التونسى، وللقوى السياسية، وخاصة أن هذا الرجل، بخبرته وحنكته، كان المنقذ لتونس من الدخول فى نفق مظلم نتيجة وجود حزب النهضة الذى يلعب على كل الموائد السياسية كعادته.

فاستطاع هذا الرجل الذى يعتبر امتداداً للرئيس بورقيبة، صاحب النهضة الحديثة فى تونس، والذى لم تقم له جنازة شعبية كمؤسس للدولة التونسية الحديثة، أن يكون هو الصخرة التى تحطمت عليها محاولات العبث بمقدرات تونس، وكانت وصية هذا الرجل الاستثنائى فى زمن استثنائى، أن تجرى جنازة شعبية له، ليس لتكريمه فقط ولكن لتكون تكريماً للرئيس الراحل بورقيبة أيضاً، وهذا ما قام به المناضل محمد الناصر، الذى يعتبر هو والرئيس الراحل السبسى من المدرسة البورقيبية.

فأزال الرئيس السبسى ألغاماً وكمائن سياسية خطيرة كانت تستهدف تونس، وكان آخرها قانون الانتخابات التونسى الذى كانت به إشكالية سياسية، هل تجرى الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية أم العكس، والذى كان يستبعد الشخصيات المستقلة من المشهد السياسى التونسى، وذلك من خلال سعى حزب النهضة لاستبعاد كل العناصر الوطينة التى تكشف مخططاتهم وأخطاءهم، فلم يصدق عليه الرئيس السبسى حتى رحيله.

لذلك جاءت جنازة هذا الرجل بمثابة رسالة من الشعب التونسى إلى الرئيس القادم، أن تونس ستظل وستبقى دولة مدنية ديمقراطية تكون العدالة السياسية فيها هى المعيار، والعدالة الاجتماعية هى الأساس، وأن المرأة شريك أساسى فى كل المناحى السياسية والاقتصادية والبرلمانية والاجتماعية.

في رثائه قال ماكرون: إننى أترحم على هذا الرجل، لأنه كان لى أباً أستلهم منه خبرة السنين ومعرفة المواقف وحل الأزمات، وقال محمود عباس: إن تونس وشعبها والرئيس السبسى الذى كان يمثل امتداداً حقيقياً وواقعياً للرئيس بورقيبة هى حاضنة القضية الفلسطينية بعد خروجها من بيروت عام 1982.

رحل السبسى الذى جمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين خبرة السنين والمواقف وروح الشباب، وكان أستاذاً فى لعبة التوافق مع كل الكيانات السياسية وكل الغرماء الحزبيين بمنتهى الذكاء والدهاء محافظاً على قدسية الدولة التونسية وأنها دولة مدنية وليست دولة دينية، بالإضافة إلى أنه كان مناضلاً ومقاتلاً فى فترات الصمت السياسى الذى أصاب الجميع إبان الحكم الاستبدادى، فكان السبسى وزميل الكفاح والمقاومة محمد الناصر، الرئيس المؤقت لتونس الآن، والذى رثاه بقوله: كيف ترحل وتتركنى ونحن كنا على الدرب سائرين؟!.. وعندما بكى محمد الناصر كان بكاؤه حقيقياً وليس بكاءً سياسياً فى لحظة سيسجلها التاريخ للشعب التونسى العظيم، الذى- لأول مرة- يجرى جنازة شعبية لرئيس دولة منذ استقلال تونس.

إننى لا أقدم العزاء لشعب تونس فحسب، بل أنبههم إلى أن الأيام القادمة ستحمل كثيراً من المفاجآت والمتغيرات فى اللعبة السياسية.

فاحذروا النهضة؛ لأنها ليست بنهضة، فهى تستغل الأحداث كعادتها لمحاولة شق الصف والوحدة الوطنية.

فسيبقى السبسى هو المنقذ الحقيقى لثورة الشعب التونسى، وستجرى الانتخابات بقيادة المناضل الحقيقى محمد الناصر فى سبتمبر القادم ليزف البشرى إلى السبسى فى قبره أن تونس انتصرت وشعبها توحد.. وستكتمل مسيرة البناء السياسى والحقيقى وديمقراطية الرأى والرأى الآخر دون إقصاء إخوانى بغيض لا يعترف لا بالوطن ولا بالمواطن ولا بأى أحد إلا مصلحة الجماعة صاحبة الشعار الأشهر «أنا وأنا وحدى، ومن بعدى الطوفان».