أسامة شرشر يكتب: مأساة الانتخابات.. شعب بلا نواب!
التقيت وأنا خارج مصر بعدد من المصريين العاملين فى الخارج، وخلال النقاش معهم ظهر السؤال الأزمة: هل نجعل الشعب المصرى العظيم فى الداخل وفى الخارج وقودًا وحطبًا لمستنقع الانتخابات؟ ولماذا نحاول أن نجرى عمليات تجميل لهذا الكائن المولود مشوهًا أو بمعنى أدق ميتًا ملفوظًا من شعب مصر بأسره لمحاولة استكمال الانتخابات وتجنب إلغائها بالكامل؟
صحيح أن هناك تضاربًا قانونيًا فى الآراء والأفكار والمدارس القانونية حول الطريقة المثلى للتعامل مع هذا الوضع.. ولكن المؤكد هو أن هذه الانتخابات فقدت معناها بعدما تم إبطال 70% من دوائر المرحلة الأولى ممثلة فى 49 دائرة من إجمالى 70 دائرة، بقرارات من الهيئة الوطنية للانتخابات وأحكام من المحكمة الإدارية العليا التى أبطلت الانتخابات تقريبًا فى كل الدوائر التى يمكنها قانونًا إبطالها، لأن الدوائر التى أُعلن فيها فوز مرشحين لا يمكن للمحكمة الإدارية العليا اتخاذ قرار بشأنها؛ فهذا من سلطات محكمة النقض، ونحن ما زلنا فى انتظار أحكام محكمة النقض فى هذا الشأن وهى أحكام نهائية ليس بعدها أى حكم آخر.
ناهيك عن القائمة المغلقة أو (القائمة الفضيحة) التى نجح من خلالها 120 مرشحًا كل مؤهلاتهم امتلاكهم أموالًا لا نعرف من أين جاءت، حتى شعر رجل الشارع البسيط بالخطر، فى الوقت الذى لم تتحرك فيه بعض الأجهزة.
ولا يختلف أحد على أن العملية الانتخابية برمتها كان الوضع فيها فاضحًا ومكشوفًا للجميع.
الدستور ينص على أن الشعب هو مصدر السلطات، فما مدى ترجمة هذا على أرض الواقع فى الانتخابات؟
الحقيقة التى لا جدال فيها هى أن مشاركة الناس فى الانتخابات ورغم الإنفاق المادى الذى لا حدود له ومشاهد البلطجة والرشاوى الانتخابية التى لم نشاهد مثلها فى أى انتخاب سابقة ورغم الأرز والكراتين واستخدام الميكروباصات والتكاتك لرشوة الناس- لم تتجاوز 7% فى معظم الدوائر، وهذه نقطة لم يتحدث فيها أحد.
فهذا المجلس (باطل.. باطل.. باطل) على غرار زواج فؤاد من عتريسة فى فيلم «شىء من الخوف».. ولكن مَن يتزوج مَن سياسيًّا؟
ولماذا هذا التشبث غير المعقول بهذا المجلس الذى سيكون وبالًا على مصر ووصمة لن تُمحى من تاريخها بل ستتناقلها الأجيال تلو الأجيال.
وسؤالى كمشرّع وصحفى وكمواطن مصرى أولًا: هل تخيلنا جميعًا شكل المشهد الانتخابى إذا لم يتدخل رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى؟!
وبعدها جاءت انتخابات المرحلة الثانية لتؤكد للجميع أن المحتوى الانتخابى لم يتغير كثيرًا عن المرحلة الأولى، فالمال السياسى هو القاعدة، والسياسيون الشرفاء الذين حصلوا على قدر من التعليم والعلم لا وجود لهم على الإطلاق على خريطة البرلمان القادم.
لمصلحة من يتم هذا؟
لقد كشفت ممارسات المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب عن قبح أكثر مما ظهر فى المرحلة الأولى، ليتأكد الأمر أن هذه أسوأ انتخابات برلمانية فى تاريخ العالم وليس مصر.
لماذا يا سادة تستهينون بمصر وشعبها؟
إن هذا الشعب المصرى شعب عبقرى، فاحذروا ردة فعله واحذروا الطوفان الشعبى القادم.
نحن من الناس وبهم.. ونتمنى أن نعبر هذا المستنقع الذى صنعته بعض الأحزاب التى لا خير فيها ولا وجود لها ولا قيمة فى الشارع السياسى، ولكنها أرادت أن تتحدى مشاعر الشعب المصرى، وأن تحرج الدولة المصرية ورئيس الجمهورية لتمرير مصالحها وإعلان ولائها للحكومة التى تستحق أن تُحاسَب برلمانيًا وشعبيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا لأنها كانت وراء هذا المشهد، لتدفع برجالها لمقاعد البرلمان حتى تضمن ولاءهم وتتجنب محاسبتهم.. وهذا هو سر ولغز العملية الانتخابية.
ولكن لا يمكن أن تُختزل مصر الكبيرة فى بعض أفراد في جهات بعينها –وهم قلة أمام هذا السواد الأعظم من المصريين- نحن نعرفهم وهم وراء هذا المشهد القبيح الذي يضر سمعة وطن ووراء الإصرار على جرنا إلى مستنقع لا نحافظ فيه على سمعة الشعب المصري، كما رددها الناس والمرشحون فى استغاثاتهم لرئيس الجمهورية: أغيثونا من هذه الجهات! واعتمدوا على تقارير الأجهزة الرقابية الحريصة على تراب هذا الوطن وعلى مؤسسات هذه الدولة الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ، فهى دولة ذات تراث وحضارة تشهد عليها آثارها، وليست مستنقعًا يحاول أن يجرنا إليه أشباه النواب أصحاب المال السياسى الفاسد.
فهل يُعقل أن يمتلك أحد المرشحين وهو حاصل على دبلوم فنى أكثر من 4 مليارات جنيه خلال سنوات تُعد على أصابع اليد الواحدة! من أين لك هذا يا هذا؟!
نحن أمام لغز خطير جدًّا أننا أصبحنا (شعبًا بلا نواب.. ونوابًا بلا شعب)، وهذا ما تعكسه نسبة المشاركة الهزلية التى لم تتعد 7% من الناخبين المقيدين فى قواعد البيانات.
فهل أصبح قدر مصر وشعبها أن يكون أشباه النواب هم الأكثرية ويطلق عليهم لفظ الموالاة للحكومة وليحترق هذا الشعب العظيم ولا يستمع أحد للأحد الأدنى من آرائه وصرخاته وآهاته؟ حتى المرشحات الفضليات لم يسلمن وكنّ لا يتكلمن بل يصرخن ويستنجدن برئيس الجمهورية، وهذا ليس فى المرحلة الأولى فحسب بل فى المرحلة الثانية أيضًا، حتى وصلنا إلى نقطة خطيرة تضاربت فيها التصريحات بين بعض الجهات القضائية.
وهذا يعيدنا إلى ضرورة حتمية وهى أن تكون العملية الانتخابية كلها تحت إشراف قضائى كامل، مع منح القضاة سلطة قضائية خارج اللجان إن لزم الأمر لضبط العملية الانتخابية، فهذا هو طوق النجاة كما يجب أن تتغير قوانين اللعبة السياسية وألا تكون هناك قائمة مغلقة؛ فهى قائمة العار والفُجْر السياسى، لأن القائمين على هذا ليسوا هواة، ولكنهم يكرهون هذا الوطن ويحتقرون هذا الشعب، المهم أن يمر رجالهم ومصالحهم.
لمصلحة من يُسجن هذا الشعب العظيم بالقوانين التى كان يجب أن تكون مُسخَّرة لخدمته وليست حدًّا مُصلتًا على رقبته؟
فإلغاء وبطلان الانتخابات بشكل عام لم يعد مطلبًا بسيطًا بل أصبح مطلبًا شعبيًا يعلو على الحقوق الدستورية وأية حقوق أخرى.
فإذا كانت هذه الانتخابات قد أعلنت الهيئة الوطنية المشرفة عليها بطلان أجزاء منها، ثم جاءت محكمة القضاء الإدارى لتبطل أجزاءً أخرى منها، ورفض الشعب المشاركة فيها بدليل نسبة المشاركة الهزلية، وأعلن مرشحون بها، وصلوا فعلًا لجولة الإعادة، الانسحاب، فمن المتمسك باستمرارها إذن؟ (إذا كان الجميع يغسل يده من عار هذه الانتخابات فمن يريد استكمالها؟)
اتقوا الله يجعل لكم مخرجًا.
نحن على أبواب عام جديد..
فهل يُعقل أن نستقبله بهذه المهزلة البرلمانية، والمنطقة مقبلة على المجهول؟!
مصر آمنة.. فهل يجوز أن نعكر صفو أمنها ببرلمان بهذا الشكل؟
لماذا نضع أنفسنا أمام أنفسنا وأمام العالم فى هذه الصورة؟
عندما يتم فتح النوافذ والشبابيك السياسية سنعيد الثقة مع الشعب، وأول خطوة فى سبيل تحقيق ذلك هى إعادة الثقة بين الشعب ونواب البرلمان، فليست الفكرة فى المطالبة بإلغاء الانتخابات هى مجرد الإلغاء فى حد ذاته، ولكن الفكرة فى إقامة انتخابات جديدة بضوابط تحترم المصريين فيحترمنا العالم؛ لأن مصر تموج بالتحديات، فأى برلمان يجب أن يكون دعمًا للدولة المصرية وسندًا لها لأنه برلمان الشعب.
وأتذكر وأنا صحفى برلمانى على مدار 35 عامًا ونائب مستقل في برلمان 2015-2020 أن مجلس الشعب تم حله 3 مرات، سنوات 1984 و1987 و1990 على يد نائب الشعب الحقيقى كمال خالد، رحمة الله عليه، رغم أن انتخابات هذه البرلمانات لم يحدث بها جزء من مليون جزء مما حدث فى هذه الانتخابات.
عيِّنوهم جميعًا ووفِّروا مليارات الجنيهات التى تُنفَق، والصراعات والصدامات التى تحدث على السوشيال ميديا، حتى نتجنب نظرة العالم للمصريين بشكل سلبى يحمل بداخله تساؤلات كثيرة، فهل شعب مصر بانى الحضارة والأمجاد لا يستطيع أن يُجرى انتخابات شفافة ونزيهة ومعبرة عن رأى الشعب فعلًا؟
ولكن المؤكد أنه
إذا الشعب يومًا أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر.


.jpg)

.png)


.jpg)


.jpg)
.jpg)
