أدوات النفوذ العسكري التركي في الساحل الأفريقي.. حزمة متكاملة تربط الجيوش المحلية بأنقرة على المدى الطويل
كشفت نسرين الصباحي، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عن أدوات النفوذ العسكري التركي في الساحل الأفريقي، موضحة أن الحضور العسكري التركي في منطقة الساحل يمثل نموذجًا مركبًا يجمع بين تصدير التكنولوجيا الدفاعية المتقدمة، وتوفير التدريب والاستشارات، وبناء شبكات نفوذ داخل مؤسسات الدفاع المحلية، دون الحاجة إلى نشر قوات تركية مباشرة، مؤكدة أن أول هذه الأدوات هي تكنولوجيا المسيرات، حيث تعتمد تركيا على الطائرات المسيرة بوصفها ركيزة أساسية لتمددها العسكري في دول الساحل؛ حيث أصبحت المسيرات من طراز بيرقدار أكنجي أداةً محورية لإعادة صياغة ميزان القوة في هذه الدول؛ نظرًا لقدرتها على توفير مراقبة دقيقة وضربات منخفضة التكلفة مقارنة بالمنظومات الغربية، إلى جانب غياب القيود السياسية والبيروقراطية التي تفرضها الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وتبرز المسيرات التركية بقدرة تحميل تصل إلى 1500 كجم، وزمن طيران يتجاوز 25 ساعة؛ مما يجعلها مناسبة لعمليات الاستطلاع والقصف فوق المساحات الواسعة للساحل، بينما تعزز الذخائر الذكية وأنظمة الاستشعار المصاحبة من جاذبية المنظومات التركية باعتبارها حزمة متكاملة تربط الجيوش المحلية بأنقرة على المدى الطويل.
وضمن الأدوات بحسب تحليل لـ «الصباحي» نشره المركز تحت عنوان «من مورد عسكري إلى فاعل أمني: تحولات الدور التركي في الساحل الأفريقي»، العربات المدرعة والأنظمة البرية، حيث توفر أنقرة منظومة متكاملة تشمل عربات (Hızır،Ejder Yalçın، Kirpi) إلى جانب أنظمة مراقبة متنقلة واتصالات ميدانية، وقد أسهمت هذه القدرات في إحداث تحولات واضحة على مستوى الأداء العسكري؛ ففي مالي، غيرت مدرعات (Kirpi) طبيعة الدوريات التي كانت تعتمد تاريخيًا على معدات فرنسية ثقيلة وصعبة الصيانة. كما وفرت حماية أعلى ضد العبوات وأتاحت حرية التنقل بين النقاط العسكرية المعزولة. وفي بوركينا فاسو، شكّلت العربات التركية عنصرًا محوريًا في إعادة السيطرة على طرق الشمال التي كانت من أكثر المناطق استهدافًا بالعبوات الناسفة، خصوصًا للوحدات الرديفة التي كانت تفتقر إلى وسائل الحماية المناسبة. أما في النيجر، فقد مكّن دمج العربات التكتيكية داخل وحدات الحدود المتقدمة من تحقيق انتشار سريع وملاحقة الجماعات العابرة للحدود في مساحات يصعب تغطيتها بالمعدات الغربية الثقيلة. وفي تشاد، يتجه التعاون نحو توفير عربات منخفضة التكلفة وعالية التحمل لتعزيز جاهزية القوات البرية.
وأوضحت أنها تشمل أيضاً برامج التدريب والدعم الاستشاري، حيث تركز أنقرة على إعداد ضباط الصف وتطوير وحدات النخبة للجيوش المحلية من خلال دورات متخصصة في مكافحة الإرهاب، والتدريب القتالي، وإدارة الأزمات، إلى جانب نقل الخبرة في بناء وحدات الاستطلاع والاستخبارات وربطها بالقيادة الميدانية. وفي مالي، اضطلعت الفرق التركية بتدريب عناصر القوات الخاصة ووحدات التدخل السريع على تكتيكات قتال العصابات داخل التضاريس المعقدة للغابات والسهول، فيما ركزت في بوركينا فاسو على رفع جاهزية قوات مكافحة الإرهاب ووحدات الدرك الوطني، مع إيلاء اهتمام خاص لآليات مواجهة الكمائن في الطرق الريفية. أما في النيجر، فقد تركز الدور التركي على تدريب وحدات حرس الحدود ومجموعات التدخل السريع على جمع المعلومات القتالية ودمجها في منظومة القيادة والسيطرة، بما يعزز القدرة على التعامل مع الجماعات العابرة للحدود. وفي تشاد، يتجه التعاون نحو بناء وحدات متخصصة بالمراقبة الصحراوية وتدريبها على توظيف الأنظمة الجديدة، بما يدعم أداء القوات في مواجهة تحديات المساحات المفتوحة واتساع نشاط الجماعات المتمردة.
وأكدت نسرين الصباحي، أن الأدوات تشمل أيضاً الدعم اللوجستي وتعزيز البنية الدفاعية فلا تكتفي أنقرة بتسليم المسيرات أو العربات المدرعة، بل تؤسس شبكات صيانة ودعم وإمداد تشمل توفير قطع الغيار وإدارة الذخائر وأنظمة الاتصالات وربط الوحدات الميدانية بقواعد القيادة والسيطرة، بما يضمن استمرارية تشغيل المنظومات التركية ويفرض وجودًا مؤسسيًا دائمًا داخل هياكل الدفاع في هذه الدول. وعلى سبيل المثال، أنشأت مراكز صيانة مشتركة للطائرات المسيرة في مالي؛ إذ مكّن الجيش المالي من تشغيل المسيرات بشكل مستمر عبر خطوط إمداد مباشرة من أنقرة دون الحاجة لإرسالها إلى الخارج. وفي النيجر، ركزت تركيا على إنشاء نقاط دعم للعمليات الجوية في الشمال؛ مما عزز قدرة نيامي على تشغيل دوريات جوية طويلة لمراقبة المثلث الحدودي مع ليبيا ومالي. أما في بوركينا فاسو، فقد أدت البنية التحتية الميدانية لصيانة العربات المدرعة إلى ضمان استمرار انتشارها على الطرق الحيوية دون أعطال طويلة، بينما يتجه التعاون في تشاد نحو وضع نواة لبنية لوجستية تشمل قواعد صيانة أولية وخطوط إمداد لدعم المنظومات الجديدة بصورة تدريجية.
وذكرت أن الأدوات تشمل أيضاً الشركات العسكرية التركية الخاصة، حيث تُعد إحدى الأدوات التي تعتمد عليها أنقرة لتوسيع نفوذها خارج القنوات الرسمية، ويبرز ذلك بوضوح في دور شركة «صادات» التي تعمل في مالي والنيجر في تدريب وحدات مختارة، من بينها فرق أمنية تتبع لرئيس الفترة الانتقالية في مالي الجنرال «آسيمي جويتا». ويوفر هذا النوع من النفوذ مرونة كبيرة؛ لأنه يمنح تركيا قدرة على العمل دون تحمل تبعات سياسية مباشرة. ويأتي ضمن ذلك أيضًا تدوير المقاتلين السوريين؛ حيث تشير تقارير إلى وجود نحو 1100 مقاتل من فصيل السلطان مراد في النيجر منذ عام 2023 يتقاضى كل منهم نحو 1500 دولار شهريًا، ويؤدون مهام تتراوح بين حماية المنشآت النفطية والمناجم والقواعد العسكرية، وصولًا إلى المشاركة المحدودة في العمليات. ويسهم هذا النمط في توسيع النفوذ التركي بطريقة منخفضة التكلفة وعالية التأثير، ويوفر لأنقرة هامش إنكار معقول إذا تعرضت لانتقادات دولية.


.jpg)

.png)



.jpg)



