«الدائرة المغلقة للعرب».. كتاب يعود من الماضي ليشعل جدل الهوية والعنف والحداثة
أعلنت دار إلكا صدور الترجمة العربية لكتاب «العرب.. حلق مغلقة من العنف والعداء للحضارة» للكاتب والصحفي البريطاني ديفيد برايس-جونز، بترجمة الكاتب والروائي العراقي علي بدر، ليعيد إلى الواجهة أحد أكثر الكتب الغربية إثارة للجدل في تناول بنية المجتمعات العربية وعلاقتها بالعنف والسياسة والحداثة.

الكتاب، الصادر أصلًا عام 1989 تحت عنوان The Closed Circle، يقدّم أطروحة جذرية ترى أن كثيرًا من مشكلات العالم العربي الحديثة لا يمكن فهمها فقط بمنطق السياسة أو الاقتصاد، بل من خلال ما يسميه المؤلف «الدائرة الثقافية المغلقة»، حيث ما تزال البُنى القبلية والقرابية ومفاهيم الشرف والعار تحكم السلوك الاجتماعي والسياسي، وتحدّ من إمكان بناء دولة وطنية حديثة بمؤسسات قوية وقبولٍ عام.

أطروحة الكتاب: الثقافة في مواجهة الدولة
ينطلق برايس-جونز من فرضية أساسية مفادها أن المجتمعات العربية لم تنجح، تاريخيًا، في الانتقال الكامل من الولاء القبلي الضيق إلى هوية مدنية جامعة. هذا الإخفاق –بحسبه– حرم الدولة القومية من شرعيتها المؤسسية، وجعل السلطة تُنتزع لا عبر التوافق، بل عبر المؤامرة والإقصاء والعنف.
ويرى المؤلف أن الصراع السياسي في العالم العربي تحكمه آليات غير معلنة، قوامها السرّية، وتصفية الخصوم، وغياب قواعد مستقرة لتداول الحكم، ما يؤدي إلى أنماط متكررة من الاستبداد وعدم الاستقرار، ويحول دون نشوء مؤسسات صلبة تعمل للصالح العام.
العار والشرف: السياسة بمرآة الاجتماع
يولي الكتاب أهمية خاصة لمفاهيم العار والشرف بوصفها محركات خفية للسلوك الفردي والجماعي، من العائلة إلى الدولة. ويجادل برايس-جونز بأن هذه المفاهيم، حين تُنقل إلى المجال السياسي، تُعيد إنتاج العنف بوصفه وسيلة «مشروعة» لحفظ المكانة والهيبة، لا كاختلالٍ استثنائي في النظام.
الحتمية الثقافية والغرب
واحدة من أكثر نقاط الكتاب إثارة للجدل هي نزوعه إلى الحتمية الثقافية، حيث يربط المؤلف الإخفاقات السياسية والاجتماعية العربية ببُنى ثقافية يرى أنها راسخة وعصية على التفكيك. هذا الطرح حظي بإشادة من بعض القرّاء الغربيين بوصفه محاولة تفسيرية جريئة، في حين تعرّض لنقدٍ واسع بسبب تعميمه، واختزاله التنوع العربي، ومقارنته المستمرة بالنموذج الغربي بوصفه معيارًا وحيدًا للحداثة.
استقبال غربي متباين
عند صدوره، أثار الكتاب نقاشًا واسعًا في الأوساط الغربية. فقد كتب ديفيد مورغان في الملحق الأدبي لصحيفة التايمز أن الكتاب «يوفّر مفاتيح لفهم الفوضى والعنف في الشرق الأوسط، ويشرح كيف تحاصر التقاليد القبلية والدينية المجتمعات العربية داخل دائرة مغلقة من الصراع».
أما نيويورك تايمز فاعتبرته عملًا «موثّقًا ومثيرًا للتفكير، يقدم تصحيحًا ضروريًا لبعض الأوهام الغربية، لكنه يتطلّب قراءة نقدية واعية».

ديفيد برايس-جونز: الكاتب والرؤية
يُعد ديفيد برايس-جونز واحدًا من أبرز الصحفيين والكتّاب البريطانيين الذين تناولوا الشرق الأوسط من زاوية ثقافية-سياسية. وُلد في فيينا، وتلقى تعليمه في إيتون وأكسفورد، وعمل في صحف ومجلات كبرى مثل Financial Times وThe Spectator.
ينتمي فكريًا إلى التيار المحافظ الغربي، وهو ما ينعكس بوضوح في تحليلاته لقضايا الدولة والهوية والسلطة. ورغم الجدل الذي تحيط به كتاباته، فإن أعماله تُعد مرجعًا مهمًا لفهم كيفية نظر قطاع مؤثر من النخب الغربية إلى العالم العربي.
كتاب يعود ليطرح الأسئلة من جديد
مع صدور ترجمته العربية اليوم، يعود «الدائرة المغلقة» ليثير أسئلة قديمة-جديدة حول الثقافة والحداثة والدولة والعنف في العالم العربي. وبين من يرى فيه قراءة صادمة للواقع، ومن يعتبره خطابًا اختزاليًا منحازًا، يبقى الكتاب نصًا إشكاليًا يدعو –اتفاقًا أو اختلافًا– إلى نقاش نقدي معمّق حول جذور أزمات المنطقة وكيف تُقرأ من الخارج.


.jpg)

.png)















.jpg)



