مفاوضات شرم الشيخ تفتح فصلًا جديدًا في معركة غزة الدبلوماسية

في مشهد تختلط فيه حسابات السياسة الإقليمية بضيق الزمن الأميركي، تتجه الأنظار إلى مدينة شرم الشيخ المصرية التي تحولت مجددًا إلى ساحة اختبار للدبلوماسية الشرق أوسطية، مع بدء محادثات غير مباشرة بين وفدين من حركة حماس وإسرائيل، برعاية مصرية، في محاولة لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة.
دبلوماسية الوقت الحرج
المفاوضات، التي تُجرى وسط ترقب دولي مشوب بالحذر، تأتي بينما شدد ترامب في تصريحات سابقة على أن "الزمن هو الثمن الأغلى في هذه الحرب"، في إشارة إلى ضيق هامش المناورة أمام الأطراف.
وقد وصل صباح اليوم إلى شرم الشيخ الوفد الإسرائيلي المكلف بملف الأسرى، ويضم غال هيرش منسق شؤون الأسرى والمفقودين، إلى جانب مسؤولين من الشاباك والموساد. غير أن الوزير رون ديرمر ومبعوثي ترامب جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، لن ينضموا إلى الجولة الحالية قبل تحقيق تقدم ملموس في ملف الرهائن، بحسب القناة الإسرائيلية 14.
على الجانب الآخر، عقد وفد حركة حماس برئاسة خليل الحية سلسلة اجتماعات مع جهاز المخابرات العامة المصرية، أعرب خلالها عن مخاوف من تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تنفيذ الالتزامات، مطالبًا بضمانات واضحة وآليات رقابة دولية لضمان تنفيذ الاتفاق بالكامل.
خطة ترامب.. بين النص والتفسير
تتضمن المرحلة الأولى من خطة ترامب تبادلاً للأسرى يقضي بالإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل نحو ألفي أسير فلسطيني، بينهم 250 من المحكومين بالمؤبدات، إلى جانب انسحاب إسرائيلي تدريجي من مناطق في القطاع إلى ما يسمى بـ"الخط الأصفر"، وهو خط ترسمه الخطة كمنطقة فصل مؤقتة تمهيدًا لوقف إطلاق النار.
لكن مصادر قريبة من المفاوضات أكدت أن حماس طلبت مهلة إضافية لتجميع الرهائن والجثامين، فيما ترفض إسرائيل الإفراج عن أسماء بارزة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبدالله البرغوثي، ما يضع المفاوضين أمام أولى العقبات العملية في مسار التنفيذ.
يرى الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، أن اجتماعات شرم الشيخ تتركز على البند الأكثر حساسية في الخطة وهو “إطلاق الرهائن مقابل الأسرى”.
ويشير في حديثه إلى أن “نتنياهو يحاول تأجيل تنفيذ البنود الخاصة بالأسرى الفلسطينيين عبر ربطها بعودة آخر رهينة”، بينما تدرك حماس كما يقول "أن رفضها أو عرقلتها للخطة سيعني مواجهة مفتوحة في غزة، كما حذر ترامب نفسه".
ويضيف أبو سعدة أن حماس “تسعى الآن للخروج من مأزقها الإنساني والسياسي” عبر قبولها ببندين رئيسيين: إطلاق الرهائن وتشكيل إدارة تكنوقراط فلسطينية للقطاع، لكنه يلفت إلى أن استمرار القصف المدفعي الإسرائيلي رغم إعلان وقف إطلاق النار يثير الشكوك حول نوايا تل أبيب واستعدادها الفعلي لتنفيذ الخطة.
الرؤية الإسرائيلية.. انتظار الحسم الأميركي
في المقابل، يرى يوحنان تسوريف، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب، أن ما يجري في شرم الشيخ يمثل "أكثر المحاولات جدية منذ سنوات"، مشيرًا إلى أن الضغط الأميركي هذه المرة غير مسبوق، وأن إدارة ترامب تسعى إلى اتفاق فعلي، لا مجرد هدنة مؤقتة.
ويضيف تسوريف أن "المرحلة الأولى قد تكون الأسهل نسبيًا، لأنها تحقق مصلحة مشتركة للطرفين: عودة الرهائن بالنسبة لإسرائيل، ووقف إطلاق النار بالنسبة لحماس". لكنه يحذر من أن "قدرة حماس على تحديد مواقع جميع الرهائن تبقى موضع شك بسبب الدمار والفوضى داخل غزة"، وهو ما يجعل تنفيذ الاتفاق رهينًا بعامل الثقة والوقت معًا.
فجوات الميدان وضيق الزمن
تتحدث مصادر ميدانية عن أن الجولة الحالية "فنية بامتياز"، تركز على تحديد خطوط الانسحاب وقوائم الأسرى النهائية، لكن الفجوات تظل كبيرة، خصوصًا في رسم الخط الجغرافي الجديد وفي تحديد مصير بعض الرهائن.
ويرى مراقبون أن الضغط الزمني الذي حدده ترامب بـ72 ساعة لإنجاز الاتفاق قد يكون سلاحًا ذا حدين؛ فهو من جهة يمنع التسويف السياسي، لكنه من جهة أخرى يهدد بانهيار التفاهمات الهشة إذا لم يتم التوصل إلى اختراق حقيقي.
بين الدبلوماسية والرهانات
في النهاية، يبقى السؤال الأبرز: هل تنجح شرم الشيخ في كسر عقدة الثقة بين حماس وإسرائيل؟
فالمشهد الراهن يختزل سباقًا بين الدبلوماسية والزمن؛ فإما أن تثمر جهود الوسطاء عن اتفاق يوقف نزيف غزة ويمنح خطة ترامب فرصة للبقاء، أو تعود المنطقة مجددًا إلى دائرة النار والانتقام السياسي التي لم تخرج منها بعد.