النهار
الإثنين 19 مايو 2025 07:02 مـ 21 ذو القعدة 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

اقتصاد

بعد فقدان التصنيف الائتماني الأعلى.. هل تواجه المالية الأمريكية أزمة ثقة؟

للمرة الأولى في التاريخ، لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بأعلى تصنيف ائتماني لدى أي من وكالات التصنيف العالمية الكبرى، وذلك بعد أن خفضت وكالة “موديز” تصنيف البلاد من “AAA” إلى “Aa1”، مما يثير تساؤلات حول متانة الوضع المالي لأكبر اقتصاد في العالم وقدرته المستقبلية على سداد ديونه المتفاقمة.

تراجع جماعي في التصنيفات

لم يكن قرار “موديز” مفاجئًا تمامًا، بل جاء في أعقاب خطوات مماثلة من وكالتي “ستاندرد آند بورز” و”فيتش” خلال العقد الماضي:

  • ستاندرد آند بورز: كانت أول من خفض التصنيف الائتماني لأمريكا في عام 2011 من “AAA” إلى “AA+”، بسبب الخلافات السياسية حول سقف الدين.
  • فيتش: تبعتها في أغسطس 2023، مشيرة إلى استمرار التوترات السياسية وضعف القدرة على ضبط العجز.
  • موديز: وبعد أن حافظت على أعلى تصنيف منذ عام 1917، أعلنت في مايو 2025 تخفيضه إلى “Aa1”، محذرة من فشل الحكومات الأمريكية المتعاقبة في كبح العجز المالي المتفاقم.

الديون ترتفع والتصنيفات تنخفض

بررت “موديز” قرارها بالإشارة إلى الارتفاع المستمر في حجم الدين الفيدرالي ومدفوعات الفائدة، والتي تجاوزت مستويات الدول الأخرى المصنفة ضمن نفس الفئة. وقدرت الوكالة أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 134% بحلول 2035، مقارنة بـ98% فقط في عام 2024.

وأشارت إلى أن قرارها يأتي بعد تخفيض نظرتها المستقبلية للديون الأمريكية إلى “سلبية” في نوفمبر 2023، قبل أن تعود إلى “مستقرة” مؤخرًا، مع احتفاظ الولايات المتحدة بعوامل قوة ائتمانية، مثل حجم اقتصادها ومرونته، إلى جانب استمرار دور الدولار كعملة احتياط عالمية.

اعتراضات وانتقادات

البيت الأبيض لم يخفِ استياءه، واعتبر الخطوة ذات دوافع سياسية. وقال المتحدث باسم الرئيس السابق دونالد ترامب، ستيفن تشيونغ، إن الخبير الاقتصادي في “موديز” مارك زاندي لطالما كان ناقدًا معروفًا لسياسات الإدارة الجمهورية.

في المقابل، تؤكد الوكالة أن قرارها يستند إلى معايير مالية بحتة، وليس إلى اعتبارات سياسية أو انتقادات داخلية، مشيرة إلى أن البنك الفيدرالي ما زال يحافظ على استقلاليته ويقود سياسة نقدية فعالة رغم التحديات.

توقيت حساس ومخاوف متزايدة

جاء قرار “موديز” في لحظة بالغة الحساسية، حيث تجاوز الدين الوطني الأمريكي 36 تريليون دولار، في وقت يسعى الجمهوريون في الكونغرس لتمرير مشروع قانون يمدد التخفيضات الضريبية ويضيف أخرى جديدة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة العجز بنحو 3 تريليونات دولار خلال السنوات العشر المقبلة، وفق تقديرات مستقلة.

التأثير المحتمل على الأسواق

ورغم أن سندات الخزانة الأمريكية تُعتبر تقليديًا ملاذًا آمنًا للمستثمرين، فإن تراجع التصنيف قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، حيث سيطالب المستثمرون بعوائد أعلى لتعويض المخاطر، مما قد يضغط على النمو الاقتصادي ويؤثر سلبًا على معنويات السوق.

ويرى بعض الخبراء، من بينهم الاقتصادي محمد العريان، أن تأثير القرار سيكون محدودًا على المدى القصير، مستشهدًا بتجارب سابقة مثل خفض “ستاندرد آند بورز” في 2011 و”فيتش” في 2023، حيث تراجعت الأسواق ثم تعافت سريعًا.

هل من أمل في استعادة التصنيف الأعلى؟

تشير “موديز” إلى أن استعادة التصنيف الائتماني الممتاز ممكنة في حال تمكنت الإدارة الأمريكية من تقليص العجز المالي، سواء عبر زيادة الإيرادات أو تقليص الإنفاق. ويزعم فريق ترامب أن خططه لإصلاح الجهاز الحكومي بقيادة إيلون ماسك، والتي شملت تسريح آلاف الموظفين، تهدف إلى تحسين كفاءة الإنفاق العام.

خلاصة

في وقت يتجاوز فيه العجز الفيدرالي السنوي تريليوني دولار، وتتصاعد فيه تكلفة خدمة الدين نتيجة أسعار الفائدة المرتفعة، يبرز قرار “موديز” كجرس إنذار جديد حول المخاطر المالية التي تواجه الاقتصاد الأمريكي. فهل يدفع ذلك إدارة ترامب المقبلة لإعادة النظر في سياساتها المالية؟ الأيام المقبلة ستكشف عن مدى جدية الإصلاح المالي، وقدرة أمريكا على استعادة ثقة الأسواق العالمية.

موضوعات متعلقة