الجمعة 19 أبريل 2024 06:51 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: ثورة النساء على المرشد الإيرانى

الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
الكاتب الصحفي أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

قامت شرطة الأخلاق الإيرانية– وهى بالتأكيد بلا أخلاق- بقتل الشهيدة الشابة «مهسا أمينى» بلا ذنب أو جناية، وكان تعامل الأجهزة الأمنية الإيرانية والحرس الثورى بشعًا، فقد تم ضربها على رأسها ودخلت المستشفى نتيجة ارتجاج فى المخ وماتت هذه الشابة بفعل التعذيب.. وكانت هي مستصغر الشرر الذى قاد ثورة النساء والشعب.

وكان موتها بداية الانطلاقة لثورة النساء فى كل مدن وشوارع العاصمة طهران ثم كل محافظات إيران المختلفة، وبدا المشهد وكأنه نوع من محاولات الخلاص الشعبى من حكم الملالى؛ فاندلعت المظاهرات والاحتجاجات من كل فئات المجتمع الإيرانى المسجون تحت وطأة المرجعية الشيعية وعلى خامنئى ورئيس إيران الجديد إبراهيم رئيسى الذى هو بلا صلاحيات أصلًا، فمجلس الملالى هو الذى يدير البلاد، والرئيس بحكومته وبرلمانه يسير فى فلك الوصاية والتعليمات من المرشد الأعلى الإيرانى على طريقة المرشد العام الإخوانى، وكلاهما عبارة عن فتنة مذهبية استغلت ورقة الدين سواء المذهب السنى أو المذهب الشيعى لإحداث الفتن وتعذيب النساء وقتل العباد حتى الأطفال؛ فقد قُتل 18 طفلًا فى الاحتجاجات الإيرانية الحالية.

ولكن اللافت للنظر فى ثورة النساء فى إيران هو حالة التمرد والعصيان الدينى، حيث خرجت النساء بصورة جماعية لأول مرة فى مظاهرات حاشدة، أمام جبروت الحرس الثورى الذى يحكم بالحديد والنار منذ 1979 عندما ابتدع الخمينى لعبة الحرس الثورى ليقوم بتفكيك الجيش النظامى، وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء سنتذكر ثورة الكاسيت، التى اندلعت فى إيران، وجاء الخمينى محمولًا على الأعناق من فرنسا إلى «قُم»؛ لتكون هذه الأحداث مهد الولاية الشيعية ومرجعية الملالى.

وأصبح بعدها السمع والطاعة والوصاية الدينية هى الحاكم فى هذا البلد المستنير ولهذا الشعب الرائع العظيم الذى فوجئ بهذا الفكر الظلامى يحكمه ليحاصَر تحت وطأة الأفكار والمرجعيات التى جعلت من الدين وسيلة لوأد النساء وقتل الشباب واعتقال الإصلاحيين، بل امتد هذا الغزو الشيعى إلى بعض البلدان العربية، وأصبح الحرس الثورى هو الفاعل فيما يجرى بالعراق واليمن وسوريا ولبنان، وكأن المذهب الشيعى يريد أن يفرض أحكامه ومعتقداته ورؤيته على هذه البلاد السنية.. ولا أنسى هذا المشهد الذى تناقلته الصحافة العالمية عندما تم ضرب أحمدى نجاد بالحذاء فى الحسين عندما زار مصر، لأن المصريين يختلفون عن الشيعة فى طريقة حبهم واحترامهم لآل بيت النبى، صلى الله عليه وسلم، فهم يحبونهم حبًا فيه تسامح ورحمة ومحبة، بعيدًا عن العنف والقتل وكراهية الآخر.

وعودة إلى مظاهرات إيران، فبالرغم من حدة المظاهرات فى شوارع طهران ومحافظات إيران المختلفة، توقفت أمام مشهد استثنائى وفريد؛ فلأول مرة قامت طالبات الجامعات وربات البيوت والموظفات معًا بـ(خلع الحجاب وحرقه)؛ ليس كراهية فى الحجاب بالطبع، ولكن تعبيرًا عن الغضب من مقتل الشهيدة مهسا أمينى، وهذا يعطى دلالة خطيرة بأن الشعب الإيرانى استيقظ رغم وطأة اليد الحديدية لجهاز الحرس الثورى.. وشاهدنا فيديوهات ومانشيتات نقلتها الصحف الأجنبية عن المتظاهرين رددوا فيها (الموت للديكتاتور) و(خامنئى فاشل وحكومته باطلة).. وتوقفت أمام هذه الشعارات تحديدًا لأنها بداية النهاية لحكم المرشد الإيرانى؛ لأن حالة الانفجار الشعبى بعد هذه القيود الظلامية جعلت الشعب بكل مفرداته وتكويناته يطلب الخلاص من هذا الحكم الاستبدادى.

وبعيدًا عن تدخل الحكومات وأجهزة الاستخبارات الأجنبية، خاصة الأمريكية فى موضوع الإنترنت أو تحفيز المتظاهرين، فأعتقد أن الشعب الإيرانى أكبر من هذا.. فحالة التمرد العام فى المجتمع الإيرانى جعلت النساء يقدن التظاهرات فى إيران.. وهذا يذكرنى بانطلاقة المظاهرات فى القاهرة إبان ثورة 2013 من أمام نقابة الصحفيين عندما هتفت إحدى المتظاهرات (يسقط يسقط حكم المرشد).. فما بين الثورتين ودور النساء فى مصر وإيران، كان المرشدان هما الهدف، سواء خامنئى أو بديع وكأن الشعب الإيرانى يبدع فى خلع خامنئى.

فلذلك فإن ما يجرى فى إيران هو بداية النهاية لهذا الحكم الذى فرض ولاية الفقيه على ولاية الإنسان الذى كرمه الله؛ فأصبح الفقيه الإيرانى فوق المحاسبة والقانون ويمارس كل أنواع القتل والعنف والقهر والرذيلة تحت مسميات فقهية إيرانية خطيرة استمدوها كلها من الخمينى عندما اعتبروا عودته إلى قُم (عودة الروح إلى الجسد).. وهذه كانت الأضحوكة والأكذوبة الكبرى فى خداع الشعب، وكأن الدين «أفيونة» لهذا الشعب العظيم، حتى إن أحد أحفاد الخمينى نفسه تمرد عليهم نتيجة ما يُسمى بممارسة نوع من الدعارة الدينية والأخلاقية والإنسانية، وجاء مقتل الشهيدة مهسا أمينى ليكون آخر دليل على جبروت هذا الحكم الذى لا يرحم طفلًا ولا فتاة ولا أى إنسان مهما كان؛ تنفيذًا لتعليمات الولى الفقيه، وكأننا عدنا إلى العصر الحجرى وزمن الكفار الذين كانوا يئدون النساء، ولكن ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، انقلبت أفعالهم عليهم بهذه الانتفاضة الشعبية وخاصة انتفاضة النساء فى إيران التى أعتقد أنها ستحقق هدفها وستخلع العباءة الدينية وتنهى حكم المرجعيات الشيعية وما يسمى بولاية الفقيه.

وستعود الحياة إلى الشعب الإيرانى بعد أن تقطعت فيه شرايين الإضاءة الروحية والإنسانية والأخلاقية لسنوات طويلة، لأن حلم الإمبراطورية الفارسية سقط فى أول محك على يد نساء إيران والبقية تأتى.. خاصة بعد أن بلغ الفساد والإفساد حدًا كبيرًا تجاوز عصر الشاه الذى قام الخمينى بثورة عليه بحجة الفساد، فصار خامنئى ورجاله أكثر فسادًا، بل الأسوأ هو استهداف التيار الإصلاحى وضربه ممثلًا فى الرئيس الأسبق خاتمى.

وأتذكر أنه كان هناك لقاء مقرر لخاتمى مع الرئيس المصرى الأسبق فى منتدى دافوس، ولكن تم وأد هذا اللقاء من خلال المتشددين، وتم حصار التيار الإصلاحى المستنير فى إيران.

سيتحرر الشعب الإيرانى وبعض العواصم العربية التى تقع تحت وطأة الوصاية الإيرانية؛ لأنه إذا الشعب يومًا أراد الحياة فى أى مكان أو أى زمان.. فلابد أن يستجيب القدر.

وعجبى.