الــــــبـروفـــة

ززززززززز ... هكذا كان الصوت الذي أحدثه شد الستارة المعلَّـقة في سقف حجرة صغيرة تتخذها الست أم هاني مكاناً لممارسة مهنتها التي تعشقها.. أم هاني سيدة خمسينية لازال وجهها يحمل آثار نضارة وعــزٍ قديمين لم يفلح أربعة أبناء وسنين عمر مــرّت عليها في سلبها أياً منهما فتنعَّـمت ببهائها وملاحة وجهها.ورغم ممارستها لمهنة الخياطة والحياكة لأكثر من عشرين عاماً أصبحت فيها من أشهر الخياطات في المنطقة وتفوقت على منافسيها حتى من الرجال ممن عُـرف عنهم مهارتهم في هذه المهنة الحريمي؛ إلا أنها مؤخراً لم تكن في لياقتها الفنية المعهودة حيث دأبت أكثر من زبونة على ارجاع فساتينهن لها لإعادة ضبطها، أما اللاتي كن بالذكاء الكاف لملاحظة عيوب ملابسهن من النظرة الأولى فقد أصررن على عدم استلام تنوراتهن أوتاييراتهن إلا بعد تحبـيـكها كما ينبغي أو كما اعتدن من الست أم هاني.لم تدرك أم هاني أسباب اختلاف مستوى أدائها عما سبق.. هل هو الابصار الذي لم يستأذنها في الأفول التدريجي؟ أم الـعـــزم الذي يستسمحها في الانصراف بعد أن هــدَّه الزمن؟ أم هو قلة التركيز فيما تفعله لانشغالها أثناء عملها بما تسمعه وتراه عبر أمتع وأشهر المسلسلات في التليفزيون المصري والمذاع على أثير قناة نــايــل درامــا 2 والتي لا يخلو اسمها من دلالة واضحة حين تهجر إذاعة المسلسلات التليفزيونية وتستأثر بإذاعة نوع آخــر من الدراما التليفزيونية عبارة عن جلسات مجلس الشعب لعام 2012 أو كما يوصف ببرلمان الثورة.الزبونة المستورة خلف الستارة تخرج للتو من ركن البروفة وأمام مرآة طويلة تكتشف عيوب القطعة وتشير عليها لأم هاني التي تستغرقها تماماً استجوابات أعضاء المجلس حولالمناطق العشوائية المحرومة من المرافق الأساسية والخدمات، واستجواب آخر حول إهدار المال العام وانتشار الفساد في وزارة المالية ومصلحة الجمارك، وثالث ضد رئيس الوزراء ووزراء الدولة للتنمية المحلية والري حول تردي الأوضاع البيئية وزيادة ارتفاع منسوب مياه منخفض مريوط وارتفاع منسوب المياه الجوفية بمنطقة الساحل الشمالي ووادي النطرون.لحظات شرود مـرّت على أم هاني التي أفاقت بعد أن هزتها الزبونة طالبة منها الانتباه لها أو كما قالت بعباراتها : ركِّــزي شوية معايا عشان نخلص بقى !!، والمطلوب بنستين من ورا لأن البلوزة مبعبعة، ورغم انتباهها الظاهري للزبونة إلا أنها كانت تفكر في استجواب وزير الكهرباء حول إهدار المال العام في بعض الجهات التابعة لوزارته أو الاستجواب المقدم لوزير التنمية المحلية حول تحصيل محافظة الشرقية لمبالغ مالية من المواطنين عن طريق شركة الكهرباء لاستخدامها في التعاقد مع شركة نظافة رغم إلغاء التعاقد مع شركة النظافة منذ مايو 2011 لتفلت من أم هاني عن غير قصد شتيمة لوزارة الكهرباء وشركات النظافة تعقبها بقولها: (قُـطعوا ولاد اللذينا.. لسة كوم الزبالة متلمش على أول الشارع).. وهو ما يستفز الزبونة حين ترجوها مرة ثانية أن تركِّـز معها قليلاً.. فلا زالت العيوب تتوالى في مختلف القطع.. خدي عندك يا أم هاني : حبيكي الجيب شويتين دي حاجة، كمان لاحظت إن عراوي التايير واسعة على الزراير إللي هتتركب.. وأثناء ابداء تلك الملاحظات كانت أم هاني تتوقع في هذا التوقيت بعض الحركات الاستعراضية من بعض أعضاء المجلس ممن تخصصوا في رفع الآذان تحت قبته أو المطالبة باطلاق اللحى لأعضاء جهاز الشرطة الذي تم استجواب وزيرهم في القصور الأمني لأحداث مجزرة استاد بورسعيد في إحدى حلقات أو جلسات مجلس الشعب.وحين لاحظت تأفف الزبونة عرضت عليها أن تقوم وتعد لها كوب من الشاي لكنها تذكرت ذهاب هاني أكبر أبنائها لملأ أنبوبة الغاز الذي يناقش المجلس الآن استجواباً حوله تصديره لإسرائيل.. تعفيها الزبونة وتشكرها فالكتاف ساقطة.. وهناك رفض من النواب أعضاء اللجنة الدينية حول قانون الأزهر ومطالبات بتنحي شيخ الأزهر عن منصبه، وحــردة البلوزة واسعة واللجنة التأسيسية للدستور يتم التحفظ على كون أعضائها من نواب مجلس الشعب، وبعدين فاتحة الجيب ضيقة فلازم توسعيها شوية لأنها أضيق من خطوتي .. وقرارات لجنة الانتخابات الرئاسية ستكون نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن بأى طريق وأمام أى جهة وفق المادة 28 من الإعلان الدستورى التي هاجمها نواب البرلمان. ولا يستوقف أم هاني أمام دراما مجلس الشعب إلا استجواباً لوزارة التأمينات الاجتماعية حول صرفها أموال المعاشات فى غير المجالات المخصصة لها هو ما قد يتعلق بمعاشها من أبو هاني رحمه الله.وسط كل هذه الملاحظات والاستجوابات تخبر الزبونة أم هاني بأنها قد تفتقد حلقات هذا المسلسل لاحقاً لو تم حل المجلس لبطلان الانتخابات التي أتت بنوابه أو بثلثهم على أقل تقدير لو صدَّقت المحكمة الدستورية قرار المحكمة الإدارية العليا الصادر بعدم دستورية مواد قانون انتخاب مجلس الشعب، لتندهش أم هاني وتتسائل : يعني المجلس الموقــر بيعمل هو برضه بروفة ؟؟