النهار
الأحد 16 يونيو 2024 06:57 صـ 10 ذو الحجة 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

أسماء ابراهيم تكتب : الـــهــواة

لييييييييييه؟ قالها وهو يهوي من ارتفاع 20 متراً بعد أن أزاحه الشبَـيح من علي مقعده بعد مشاهدته للمباراة وبعد بدء أحداث الشغب واختياره بأن يلزم مكانه معتقداً بأمانه المفترض، لكن عصابة البلطجية القادمة نحوه أشلت تفكيره بهجومها المباغت وأضاعت آثار البهجة المنتزعة قسراً في الساعات الماضية، (هوب من غير هيلا) ليجد نفسه بين يديه الصلدتين التي أمسكت أحدهما بكتف البلوفر والأخري استطاعت أن تعكُـش حزامه رغم أنه مستور عن الأعين أو هكذا كان يتخيل..من الـهـاويـة يسقط ويري مستقره القادم لتسبقه ميدالية مفاتيحه.. التي يراها أمامه مفسحة له طريقه نحو براح أخضر تشغله جحافل النمل الأسود التي انتشرت في أرضية الملعب، ميدان اللهو البرئ، ومسرح المتع الشريفة، وصانع البهجة وصائدها.وبعد نوبة الفزع التي انتابته يقرر أن يحدق بميداليته الـهـاويـة ويركز عليها حين تسبقه وتتقدم موكب السقوط بتشريفة كاذبة مواسيةً صاحبنا ومحاولةً أن تقول له: (ما هكذا يجب أن يكون حتفك يا صغير.)استطال الزمن وتمدد بالقدر الذي جعله يتذكر كل مناهج الفلسفة التي درسها عبر سنوات الدراسة الثلاث الماضية حيث لا يزال طالباً بقسم الفلسفة بكلية التربية.. لم يعرف لماذا تذكر بشدة وبوضوح غريبين مدارس العبث التي درسها في التيرم الأول من الصف الثاني .. وكيف أثار بحثه المميز والذي كان في 30 صفحة اعجاب العلاًّمة الدكتور أستاذ المادة .. وكيف نصحه بتوسعة بحثه ليشمل تأثير هذا المنهج علي الفنون.. قًـبٍـل الفتي نصيحة أستاذه واختار الفنون التشكيلية لدراسة تجليات المذاهب العبثية عليها، وضمَّـن في مصطلحاته ما وُصِـف بأنه أتوماتيكية نفسية نقية يقصد بها التعبير عن الوظيفة الحقيقية للفكر الخيالي المتقد في غيبة من كل السيطرة العقلية وخارج عن كل المفاهيم الجمالية والأخلاقية.. لم يختر مسرح العبث موضوعاً لبحثه رغم أنه أول ما تبادر لذهنه، ربما كان يعلم أنه سيعاين مسرح العبث بنفسه وسيكون جزءاً من مشهدية سوريالية طازجة تُـبَـث مباشرة علي الهواء فلا تصدق ما تراه .. تكذب نفسك.. وتصدق فقط شريط الأخبار الذي يمر أمام عينيك معلناً عن أعداد الضحايا التي تتزايد دائماً في أبشع مزاد ممكن أن تتابعه:مقتل 20 فرداً علي الأقل في أحداث شغب باستاد بورسعيد، (مين يزود؟)، ضحايا أعمال العنف تتزايد لتصل إلي 50 وعشرات المصابين، وصول عشرات الجثث لمشرحة مستشفي بورسعيد (ألا أونا).. سيارات الإسعاف تواصل نقل العشرات من الضحايا والمصابين خارج الاستاد وأعداد القتلي ترتفع إلي 62 (ألادويه).. تتابع القنوات بحثاً عن أي معلومة جديدة أو رقم مؤكد، (ألا تريه) يرسي العطا علي فضائية يخبرك شريط أخبارها بأن أحداث بورسعيد تسفر عن مقتل 76 مشجعا ومئات المصابين.حيوانات جيرونيكا الأسطورية ومخلوقات بيكاسو الشائهة في لوحته الشهيرة تعانق ساعات سلفادور دالي الذائبة ومخلوقاته الحجرية المهجَّـنة، وكل ذلك كان أخر ما رآه فتانا طالب الفلسفة الهاوي من علو شاهق، والذي تجاوز ميداليته وسبقها في السقوط ليحتضن أرضية الملعب.. براحه الأخضر الأثير الذي طالما عشقه واكتفي طوال سنوات شغفه بالساحرة المستديرة بالمشاهدة والتشجيع.. لم ينضو تحت لواء فرق التشجيع.. لم يسع ليكون فرداً من قطيع.. كان يبحث عن مباهجه ومتعه الصغيرة ومزاجه البريء.. لم يعلم انه سينزل أرض الملعب ليشاهده الجميع ويتابعونه باهتمام بالغ كمتابعتهم لأبو تريكة .. يسقط الطالب الهاوي فيكتمل عدد القتلي 76 . ويشد معه أثناء سقوطه دولة هــاويــة في تأمين الملاعب والتشجيع النظيف والانضباط الأمني، يسقط الشاب الهاوي ويفضح هواة التعصب ومغـبًّـات التحيز لنادي أو طائفة أو دين، يسقط فتانا ويشير إلي دولة رخوة لا يزال يعبث بها اصبع خفي متواطئ أو ذراع خارجي متآمر وتصر علي عقد دوري المحترفين رغم أداء الـــهـواة الذي تعتمده .. الـــــــــــــــعــــب يــا لـــعـــيييـــب[email protected]