خالد عكاشة يكتب: بخصوص حظر النشر
صدر مؤخراً قرار بحظر النشر فى إحدى القضايا التى أظن أنها تمثل أحد أشكال قضايا الفساد، وهو قرار قضائى يصدر من النيابة العامة له قوة الامتثال والالتزام به، وهذا واجب للكل ويسرى على الكل أيضاً، لكن هناك وقفة ما أرى من الضرورة الحديث بشأنها وهى حسابات المكسب والخسارة فى مثل إصدار هكذا قرارات.
ففى ثنايا الإجابة الروتينية عن لماذا يتم إصدار قرار الحظر تتمثل خشية جهات التحقيق من تلاعب بعض الأطراف بأدلة ما قد تحظى بأهمية لدى جهات التحقيق، فضلاً عن إمكانية إخفاء أو اختفاء تلك الأطراف نفسها إن وصلها إمكانية سؤالها أو إدانتها، وهو مسار يبتغى أن يحقق مكسباً خاصاً بإتمام تجهيز التحقيقات من دون تأثير للرأى العام والنبش الإعلامى، لكن هناك رداً أكثر منه روتينية فى هذا الصدد يتصور أن الجهات الرقابية والنيابة العامة قادرة بوسائلها وأدواتها المحترفة أن تجهض وتحاصر مثل هذا التداعى غير المرغوب من أحد، خاصة أن هناك آلية أكثر احترافاً تتبعها بعض الدول فى مثل تلك الأنواع من القضايا عنوانها السيطرة على الآلة الإعلامية وتحجيمها بالقدر الذى تحدده جهات التحقيق، ويكون ذلك بمخاطبة كافة وسائل الإعلام التى ستهتم بالتغطية وإجبارها على تعيين مندوبين محددين سيستمرون فى نقل أخبار القضية حتى مثولها أمام القضاء وهذا يسير، فضلاً عن إمكانية التجديد لهؤلاء المندوبين فى حال الاستمرار بالتغطية فى مرحلتها التالية، وفى اجتماع لن يستغرق أكثر من ساعة زمنية 60 دقيقة سيحدد مندوب النيابة العامة المعين لمهمة الحديث للإعلام فى هذه القضية كافة ضوابط النشر التى تراها النيابة العامة واجباً الالتزام بها.
سؤال الجانب الآخر سيطرح نفسه عن سبب وضع كل هذه الترتيبات وهى يسيرة بالمناسبة، لكن بحساب المكسب والخسارة لا يوجد نظام سياسى فى العالم يمكنه بسهولة أن يضحى بمكاسب إحالة مثل هذه النوعية من القضايا لجهات التحقيق، فهو من اللحظة الأولى يحصد مكسباً فى خانة تأكيد النزاهة والشفافية كونه يحيل مسئوليه إلى السلطات القانونية بمجرد توافر شكوك حول إساءتهم لاستخدام مناصبهم أو سلطاتهم فيما هو مخالف لمقتضيات الواجب الوظيفى، ويقيناً النظام السياسى المصرى الحالى يهمه جداً أن يرسخ تلك السمعة المحترمة وهو يضع لبنات مشواره السياسى الذى سيمتد مستقبلاً إن شاء الله، داخلياً ستتشكل تلك السمعة سريعاً ما دام الرأى العام حاضراً ومتابعاً ولم يتركه أحد نهباً للشائعات أو التأويل، وخارجياً وهذا مهم لن تترك سفارة واحدة موجودة على الأراضى المصرية حدثاً كهذا دون متابعته إعلامياً وكتابة تقرير تفصيلى عنه يصب مباشرة فى صالح النظام السياسى الذى يرسى مبدأ سياسة القانون ويتعقب المنحرفين حتى إن كانوا من الكبار، لتحصد الدولة المردود مباشرة فى أبواب الاستثمار والشراكات فضلاً عن التقدير المعنوى والأدبى الهائل الذى اهتز فى الفترة الأخيرة.
فى دول مماثلة وقضايا مشابهة يصنع النجوم الحقيقيون من أعضاء الأجهزة الرقابية ومن المحققين البارعين ويستثار زملاؤهم فى تنافس محمود لتحقيق نجاحات مشابهة وضربات قوية فى الاتجاه الصحيح، ويتشكل الرأى العام الناضج الذى سيلفظ الفساد أياً كان نوعه وسيصاب مرتكبوه بالرعب ليتحقق ردع هو من صميم نتائج مثل تلك القضايا، هذا عن بعض وليس كل حسابات المكسب يقابله للأسف، على سبيل المثال، ما تداولته الأوساط منذ صدور القرار الأخير، بأن حظر النشر لم يكن حفاظاً على اكتمال القضية بقدر ما هو رغبة فى التكتم على متهمين بأعينهم وبحثاً عن تقليص الاتهام فى أضيق نطاق لإخراج الكبار قبل أن تتداول أسماؤهم، فمن غير المتصور ألا يكون النظام السياسى قد وصله الإلحاح المتنامى للرأى العام فى اتجاه بدء التطهير الحقيقى للفساد الكبير والصغير، فالبعض قد وصف خطره على الدولة ومستقبلها بما يماثل خطر الإرهاب أو أكثر ولا أظن هؤلاء مبالغين فى هذا التقدير، بل وأضيف عليه أن حرباً دون يقين لا تحقق انتصاراً والعبث بهذا اليقين ضريبته فادحة أيضاً بحسابات المكسب والخسارة.
نقلا عن الزميلة الوطن