«النهار» تحذر: شق الثعبان «قنبلة موقوتة»

تسير فى الطريق تقابلك أكوام من الأتربة على جانبيه، علاوة على عدم رصف الطرق فلم يتم توصيل مرافق بها سوى 50% وأيضا لم تكتمل هذه النسبة، وكذلك ترى لافتات للمصانع المعروضة للبيع، ومن اللافت للانتباه وجود العناصر الصينية واستئجارها عمالة صينية بدلا من المصريين.
المفاجآت لم تتوقف عند هذ الحد بل كشفت دراسة علمية حديثة صادرة عن المركز القومى للبحوث عن تلوث الهواء الخارجى وتجاوز المنطقة لكل المقاييس الدولية ومعايير الأمان المسموحة ما ينذر بتحويل “شق الثعبان” لقنبلة موقوتة تهدد حياة العاملين والمناطق السكنية المجاورة.
وركزت الدراسة على تلوث الهواء الناتج عن الورش والجرانيت وكميات الأتربة العالقة فى “شمال ووسط وجنوب”، بالإضافة لتحليل عينات أتربة عالقة قابلة للاستنشاق فى موقع وسط المنطقة و10 مواقع بداخل “شق الثعبان” واستمرت الدراسة لمدة سنتين.
وكانت النتائج مفاجئة وتنذر بكوارث بيئية وصحية سواء على العاملين أو المناطق السكنية المجاورة للمنطقة، فوصلت تركيزات الأتربة العالقة وفقا للمتوسط اليومى بمنطقة شق الثعبان إلى 409.12 ميكروجرام لكل متر مكعب هواء، وذلك بموقع أعالى الرياح وهى منطقة الشمال.
فى حين أن التركيزات سجلت أرقام 1337.07 ميكروجرام لكل متر مكعب بمناطق الوسط والجنوب لتخالف الحد الأقصى المسموح به فى قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 والمعدل بقانون رقم 9 لسنة 2009؛ المحدد بـ90 ميكروجراما لكل متر مكعب، ولتعكس زيادة عن المتوسط السنوى للأتربة العالقة بالهواء المسموح بها قانونيا من 4.5 إلى 14.9 مرة، والغريب أنها تخطت المناطق الصناعية التى سجلت أرقامها فى حلوان لتصل لـ394 ميكروجراما لكل متر مكعب، أما شبرا الخيمة 675.7 ميكروجرام لكل متر مكعب، والمنطقة الصناعية بالسادات وصلت إلى 348.5 ميكروجرام لكل متر مكعب، ما يعكس مخالفة شق الثعبان لكل الحدود المسموح بها قانونيا وهى 90 ميكروجراما لكل متر مكعب، ما يهدد حياة العاملين بالمنطقة ويسبب تحجر الرئة والمشاكل فى التنفس. أما المتوسط اليومى فحدث ولا حرج فوصلت التركيزات للأتربة العالقة فى الهواء وفقا للقانون المصرى والمسموح بها إلى 230ميكروجراما لكل متر مكعب هواء لتسجل النتائج بشق الثعبان 198 ميكروجراما لكل متر مكعب فى منطقة الشمال، أما منطقة الوسط والجنوب فتخطت فيها الأرقام لتصل لـ2910.7 لتظهر مخالفة للقانون المسموح به 12.6 مرة. من جانبه، قال الدكتور كمال تامر هندى، أستاذ قسم بحوث تلوث الهواء بالمركز القومى للبحوث والمشرف على الدراسة العلمية، إن سبب تضخم الأرقام وتجاوزها للحدود القياسية هو للكثافة المرورية فى المنطقة والانبعاثات الصادرة من استخدام الآلات الحادة أثناء تقطيع الرخام والجرانيت علاوة على المخالفات الصناعية الصلبة من ضمنها عناصر “الكوارتز و”السليكا أوكسيد” المسببة لتحجر وسرطان الرئة.
كما أشارت الدراسة إلى أن “السيليكون أو الكوارتز” القابل للاستنشاق بالهواء الخارجى بموقع شق الثعبان والمناطق المجاورة والذى وصل تركيزه ما بين 0.07 و0.69 متر مكعب مللى جرام لكل متر مكعب؛ لتكون هذه الأرقام أعلى من الحدود التى نصت عليها إدارة الصحة والسلامة المهنية “osha” والمعهد الدولى للسلامة والصحة المهنية “NIOSH” والمؤتمر الأمريكى لمهن الصناعات الحكومية والتى حدد النسبة 0.05 مللى جرام لكل متر مكعب، لتكشف الدراسة تجاوز حدود الأمان ما بين 1.4و13.8 مرة زيادة على النسبة المسموح بها عالميا.
كما سجلت تركيزات “السيليكون” فى المناطق الداخلية وورش العمل داخل شق الثعبان ما بين 0.15 و2.77 مللى جرام لكل متر مكعب لتحقق زيادة عن الأرقام القياسية من 3إلى 55 مرة عن الحدود المسموح بها ما يسبب السرطان وتحجر الرئة، ما ينذر بأن شق الثعبان قنبلة موقوتة تهدد حياة العاملين بها والمناطق السكنية المجاورة لها.
أما الغزو الصينى للمصانع فيتم تأجير المصانع من الباطن ويحصل على المادة الخام ويصنعها داخل مصر مستغلا دعم الحكومة بل يصدرها للخارج، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل الأغرب تسريح العمال المصريين من داخل المصانع الصينية واستقطاب عمالة صينية ..”النهار” انتقلت لمنطقة “شق الثعبان” وعاينت على الطبيعة..
قال “إبراهيم المعلم” صاحب معرض “لست أصف حالى فقط بل حال كل أصحاب معارض الرخام والسيراميك والذين يشكون من قلة البيع والشراء بل تعود السيارات القادمة من المحاجر محملة بالمواد الخام دون بيع أو شراء”، ويؤكد “محمد عبده” سائق نقل “نأتى كل يوم بالأحجار من الجبل ونجلس من 5 صباحا إلى 5 مساء دون بيع أو شراء ولا نعرف ما السبب هل جشع أصحاب المصانع الذين يسعون لإهمالنا لنبيع المادة الخام “برخص التراب” أم أزمة إلغاء الدعم عن الطاقة هى السبب!.. ويواصل إبراهيم السيد، أحد مستثمرى شق الثعبان، أن هناك علاقة سيئة بين أصحاب المصانع الرخام وأصحاب المحاجر معللا بأن سبب الخلاف امتلاك أصحاب المحاجر مصانع الرخام بل احتكار المادة الخام الجيدة ليبيعوا فقط البلوكات المتوسطة والرديئة بأسعار مبالغ فيها، فأصبحت المنافسة غير عادلة إلى جانب احتكارهم المواد الأولية اللازمة للإنتاج، الأمر الذى دفع أصحاب المصانع لتأجير محاجر خاصة بهم ما أدى لانخفاض جودة المنتج لتشتيت الجهود.
وأضاف أن الآلات اللازمة للصناعة مستوردة من الخارج ما يجعل أمر صيانتها فى غاية الصعوبة بالإضافة لعدم وجود الأيدى العاملة المدربة ما يؤدى لإهلاك الآلات فى أسرع وقت ممكن. وعلاوة على ذلك فإن صناعة الرخام تحارب من جميع الجهات الحكومية بدءا من المحليات والكهرباء والضرائب نهاية بالمحافظة التى تحصل 7000 جنيه رسوم نظافة سنويا من كل مصنع، وأثناء تجولنا بالمنطقة لم نر عامل نظافة واحدا بشق الثعبان.
وما يثير الدهشة هو عدم علم أصحاب المصانع حتى الآن تبعيتهم هل لمحافظة القاهرة؟ أم حلوان؟ ومن الجهة المسئولة المنوط بها التصدى وحل المشكلات التى تعوق حركة الاستثمار بالمنطقة بالإضافة لسياسة “هدم المعبد من جديد” ونظرا لغياب الخطط والرؤى المستقبلية بعيدة المدى فكلما جاء محافظ ألغى القرارات السابقة وهذا الأمر مستمر والمتضرر الوحيد هو الاستثمار سواء مستثمرين أو عاملين.
وعن حال السائقين يتساءل “على أبوهيكل”: لماذا ندخل كل يوم فى الأسوأ بعد الثورة فلا يوجد بيع ولا شراء ونتساهل مع الزبون ونحمل النقلة بـ100 جنيه بدلا من 150جنيها ولكن لا نعلم هندفع أقساط العربية منين؟ والسائقون بشق الثعبان يصرخون من “مرور الصف” ويقول إبراهيم شعبان” كنا لا ندفع كارتة قبل الثورة ليتغير الحال لندفع 5.5 جنيه على النقلة.
ويقول “محمد عيد”: بعد زيادة أسعار الكهرباء 10% قام أصحاب المصانع بزيادة النشر على العمال ورفعت سعر الحمولة ليرتفع سعر النشر فى حجر “الجلالة” إلى 1200 جنيه بدلا من 1000 جنيه فقط ليأتى غلو الأسعار ليس على أصحاب المصانع فقط بل على العاملين أيضا.
والكارثة الآدمية بكل المقاييس هى غياب أية تأمينات اجتماعية أو صحية أو وجود مكتب عمل يشرف على العمال رغم كون المنطقة من أخطر المناطق من حيث الخطورة الداهمة وأيضا التلوث وتعرضهم للإصابة بحالات الربو فى سن مبكرة, ليصل الأمر لوفاة شاب فى عمر 29 سنة لسقوط لوح الرخام على ظهره ونظرا لغياب التأمين عليه لم يدفع صاحب المصنع سوى 20 ألفا فقط لأسرته على سبيل الشفقة. والإصابات والموت هنا بلا دية تذكر، وكذلك عدم وجود أية خطوط مياه شرب فالعمال يشربون من “تانكات” بلاستيك تخزن المياه بها لأكثر من أسبوعين ما يسبب مئات الأمراض والأوبئة، بالإضافة لعدم وجود موقف آدمى يخدم الـ1200 مصنع لتتجدد معاناة العمال فى الانتقال من منازلهم بمناطق “البدرشين أو الجيزة أو الصف” إلى مكان عملهم بشق الثعبان، وتضييق المرور فى ملاحقة السيارات التى تقلهم إما بسحب الرخص وعمل مخالفات ودفع الغرامات لأنهم ليس لديهم خط سير، الأمر الذى يجعل السائقين يرفضون نقل الناس كل صباح.
ويطالب الحاج عشرى بتخفيض الكارتات التى تدفعها العربات النقل والتى تصل إلى 1800 جنيه على النقلة الواحدة خصوصا أن محجر المنيا رخيص ويذكر أنهم كانوا يدفعون فى البداية 275جنيها فقط ووصلت لـ800 جنيه لكن المحافظة كانت تأخذ نسبة عالية.
ويقول محمد مصطفى “مدير إنتاج بكايروستون” إن منطقة شق الثعبان سقطت من حسابات الحكومة ما أدى للسماح بالغزو الصينى وجعل هناك أكثر من 70 مصنعا صينيا بعمالة صينية يصنعون بلوكات الرخام ويصدرونها لجميع دول العالم وبذلك يتحايلون على الحكومة المصرية التى لا تسطيع فرض رسوم على الصادرات باعتبارها صادرات مصرية رغم أنها مصانع مؤجرة من المصريين للصينيين الذين أخذوا 75% من الجبل بل يسرقون دعم الدولة. ويضيف أن صاحب مصنع مصرى قام بتأجير مصنعه للصينيين الذين شردوا العمالة المصرية لصالح العمالة الصينية، بل يأخذون الأحجار”الجلالة والسماحة” وهذه الأنواع تقبل التلوين عليها ولديها قابلية لامتصاص المواد الكيميائية ليقوموا بتلويتها وإعادة بيعها بالدولار.
والسؤال الذى يتبادر للأذهان: من يسمح بخروج المادة الخام من مصر دون تصنيعها؟
ويضيف “مصطفى السيد” أن الصينيين قاموا بضرب السوق المصرية عن طريق إدخال ماكينات ديسكات بدلا من الطاولات لتقطيع الحجر لشرائح والقدرة على استقطاب الزبون لأنهم الأرخص فى السعر, فكان لدينا فى المصنع 5 ماكينات طاولات بواقع 5 عمال لكل طاولة وبعد الغزو الصينى قمنا ببيع الماكينات خردة وتشريد العمال.
ورصدنا مطالب العمال التى تتلخص فى ضرورة البدء فى إنشاء مكتب عمل للمطالبة بحقوق العمال المهضومة وتقنين بيع المادة الخام ودخول الشريك الأجنبى، خصوصا بعد الغزو الصينى وتشريد العمالة المصرية, وضرورة عمل منظومة متكاملة تخدم العمال من “مكتب عمل وتأمينات اجتماعية وتأمين صحى” وضرورة إدخال التكنولوجيا الحديثة والقدرة على التلوين للقدرة على المنافسة فى السوق.