الخميس 25 أبريل 2024 10:55 مـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: قمة الكبار فى قصر الكرملين

أخطر ما في ثورتي الشعب المصري أنهما أسقطتا القناع عن "الصديق العدو" الأمريكاني.. والمتابع بدقة وأمانة لما جرى في 25 يناير و 30 يونيو وخروج الناس البسطاء من عامة الشعب المصري في محافظات مصر يجد أن الشعب قام بعمل إسقاط رمزى على صورة أوباما ووضعه بجانب محمد بديع المرشد الإخواني، وعلى الجانب الآخر نجد ذكاء هذا الشعب محيرا فيضع صورة بوتين بجوار السيسي، وإن دل ذلك على شئ فإنه يدل على أن الكبار ليسوا كبارا بموقعهم فحسب، ولكن بقدرتهم على قراءة وكشف المخطط العالمي للإرهاب الذي تقوده أمريكا والصهيونية العالمية وحلفائهم الأوروبيين والأتراك والقطريين.

فلذلك كانت البوصلة المصرية متجهة فى الاتجاه الصحيح الذى ابتعدت عنه أكثر من 40 عاما عندما توجهت مصر إلى روسيا وكانت الزيارة التاريخية للسيسى عندما كان وزيرا للدفاع ونبيل فهمى وزير الخارجية والتى كانت زلزالا سياسيا وعسكريا هز الأمريكان وأوروبا، والتى كانت هى بداية لقاء الكبار فى خندق المواجهة ضد الإرهاب والإرهابيين والإسلام السياسى، وكانت هى المقدمة التى من خلالها تم صياغة مستقبل علاقة بين أمتين فى حجم الأمة الروسية والأمة المصرية، ولذلك كان اللقاء فى أول زيارة للرئيس عبدالفتاح السيسى عندما تولى مسئولية الدولة بالانتخابات التى شهد بنزاهتها الأعداء قبل الأصدقاء.
وكانت نقطة التحول التاريخية والاستراتيجية هى زيارة الثعلب الروسى فلاديمير بوتين إلى القاهرة والتى كانت رسالة للعالم أن مصر عادت بدورها التاريخى والطبيعى والجغرافى والسياسى لتقود ولا تقاد، ومن هنا كانت قمة الكبار فى قصر الكرملين يوم الأربعاء تتويجا لرؤية استراتيجية لمحاصرة وحصار ما يسمى "المتأسلمين"، وإرهاب الإخوان والأمريكان.
ونحن هنا لا نتحدث عن العلاقات الثنائية التاريخية فى الخمسينيات والستينيات عندما ساعد الخبراء الروس فى إنشاء المؤسسات الإنتاجية المصرية وتنامت العلاقات حتى توجها مساعدة السوفييت لمصر فى بناء السد العالى، الذى كان سبب نهضة مصر الصناعية فى ذلك الوقت.
إن أهم ما يميز العلاقات المصرية الروسية أن كل طرف يدرك أهمية الآخر، لأن التوافق والمصلحة العامة للشعبين والقيادتين يحققان سرعة إنجاز ما يتم الاتفاق عليه من تعاون استراتيجى وعسكرى واقتصادى وسياسى وسياحى.. فقمة الكبار بين بوتين والسيسى فى قصر الكرملين، هى بلورة عملية وواقعية للتعاون الشامل فى كافة المجالات والتى سيتم تتويجها ببناء روسيا مفاعلا نوويا مصريا لأغراض سلمية، بالإضافة إلى أن بوتين يدرك تماما أن مصر هى مركز الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط؛ فهى بمثابة بوابة الدخول والخروج للمنطقة بأكملها لأنه ببساطة يعرف تماما أنه إذا تراجعت مصر تراجع العالم، وإذا نهضت مصر أسعدت العالم.
كما تسعى مصر وروسيا خلال القمة إلى تطوير علاقتهما فى مجال التسليح العسكرى، وهى العلاقة المتطورة أصلا، حيث تعاقدت مصر مع روسيا على شراء منظومة دفاع جوى من طراز "إس 300"، وهى المنظومة التى أصابت إسرائيل بالذعر، وجعلتها تصرح بأن القوات المسلحة المصرية امتلكت أحدث منظومة للدفاع الجوى.. مما يجعل ميزان التسلح مع إسرائيل متساويا نوعا ما بعدما كانت الكفة لصالح العدو الإسرائيلى، لأن أوراق اللعبة والتسلح للأسف الشديد فى يد الأمريكان.
وتنوى مصر التعاقد على  شراء 46 مقاتلة من طراز "سو-35"، وهى من أحدث الطائرات المقاتلة الروسية، ناهيك عن أن روسيا سلمت سفينة صواريخ "آر32" لمصر والمزودة بصورايخ موسكيت المضادة للسفن والأسرع من الصوت، ولا ننسى أن طاقم السفينة الروسى قادها فى افتتاح قناة السويس فى 6 أغسطس كدليل على علاقة الشراكة الاستراتيجية بين مصر وروسيا، بالإضافة إلى أن موسكو أهدت القاهرة أحدث لنشات الصواريخ الهجومية فى العالم، من طراز مولينا وهى أحدث الوحدات المتطورة فى البحرية الروسية والمزودة بالعديد من منظومات التسليح وتعد الأسرع من نوعها فى البحريات العالمية، كما أنها مزودة بأنظمة الإنذار والحرب الإلكترونية.. كل ذلك يجعلنا نؤكد أن مصر تسير فى الاتجاه الصحيح من خلال تنويع مصادر السلاح بعد أن كدنا نسقط فى فخ الصهاينة والأمريكان حتى يضمنوا التفوق الإسرائيلى على مصر طوال الوقت، لأن الروس يدركون تماما أهمية وقدرة العامل البشرى لرجال القوات المسلحة المصرية، وهذا ما لا يدركه الأمريكان أو يتناسونه لأن هناك ثأرا عسكريا بعد أن قامت قواتنا المسلحة بتحطيم الخط الأسطورى لخط بارليف الذى بناه الأمريكان للدفاع وضمان أمن وأمان إسرائيل على حساب مصر والعالم العربى.
فلذلك كانت قمة الكبار بين بوتين والسيسى اللذين تجمعهما قواسم مشتركة من الخلفية العسكرية الاستخباراتية، ناهيك عن التقارب العملى والعلمى والشكلى بين الشخصيتين الفريدتين والمتميزتين فى مصر وروسيا، فلا ينكر أحد أن بوتين استطاع أن يحول روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وتفككه من خلال المخابرات الأمريكية إلى دولة عادت على المسرح العالمى بقوة وأصبحت قوة عظمى فى زمن قياسى، واستطاعت أن توقف المد الأمريكى فى سوريا، ورفض بوتين سقوط الدولة السورية، حتى لا تتكرر تجربة ليبيا مرة أخرى، وهم يعلمون أن الإنجاز التاريخى للسيسى الذى خلص مصر والعالم العربى والعالم بأسره من الإخوان هو إنجاز لا يعادله أى إنجاز فى الدنيا؛ لأن السيسى والمؤسسة العسكرية استطاعا أن يسقطا مخطط الفوضى على مستوى العالم، وتصديره إلى روسيا والصين من خلال الجماعات الإخوانية الإرهابية المتأسلمة فى الشيشان والجمهوريات المنفصلة عن روسيا، وهذا ما أسقطته مصر، وكشفت هذا المخطط الشيطانى الجهنمى الأمريكى الإخوانى لمحاولة نشر الفوضى الخلاقة ليس على مستوى المنطقة العربية فحسب، ولكن على مستوى العالم كله بعد أن أصبحت روسيا دولة فاعلة ومنافسا عسكريا قويا للأمريكان، وندا سياسيا فى المحافل الدولية وفى الأمم المتحدة ومعها المارد الاقتصادى الصينى الذى أصبح يهدد السيطرة الأمريكية على العالم.
فالتنافس أصبح بين روسيا وأمريكا على المكشوف فى كثير من بؤر الالتهاب، خاصة أن الرد الروسى فى أزمة أوكرانيا كان فاعلا ومؤثرا رغم التلويح بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية، ولكن هذا لم يغير فى الموقف الروسى شيئا، بالإضافة إلى الاتفاق من ناحية الرؤية والحل السياسى بين مصر وروسيا فى كثير من الملفات، خاصة فى الملفين السورى واليمنى.
ومن هنا تسعى مصر فى ظل قيادتها الجديدة إلى العودة إلى دورها الرئيسى والمحورى والهام فى منطقة الشرق الأوسط بقضاياها الملحة، وقد كان هذا واضحا وجليا فى العلاقات القوية والمتطورة بين القاهرة وموسكو، ولا ننسى أن الموقف الروسى كان مؤيدا وداعما لثورة 30 يوليو، وكان رد الفعل الروسى أن مصر باعتبارها مركز صناعة القرار فى الشرق الأوسط لا بد من دعم شعبها الذى وصل تعداده إلى قرابة 100 مليون، فلا بد من احترام رغبة الملايين التى أسقطت الإخوان وتنظيمهم الدولى.
أما من الناحية الاقتصادية فقد وصل حجم التبادل الاقتصادى والتجارى بين البلدين، فى بداية عام 2014 إلى أكثر من 4.6 مليار دولار، وبلغت المشروعات التى تم إنشاؤها باستثمارات روسية 363 مشروعا أغلبها فى قطاع السياحة، وقطاع الصناعة والإنشاءات والزراعة، بالإضافة إلى العلاقات السياحية بين القاهرة وموسكو فى ضوء الأعداد الكبيرة للسياح الروس إلى مصر سنويا، حيث احتلت روسيا المرتبة الأولى فى توريد السياحة إلى مصر على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث بلغ عدد السياح أكثر من 2 مليون سائح سنويا، والملاحظ أن السياح الروس أبدوا ارتياحهم بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، وشعروا بالتفاؤل والقدرة على استعادة الأمن والاستقرار، مما يضاعف الحركة السياحية، ويوصلها إلى معدلات غير مسبوقة رغم حالات الإرهاب الفردية التى يقوم بها الإخوان الإرهابيون.
والجديد الآن فى العلاقات المصرية الروسية أن هناك تعاونا بين وزارة الأوقاف المصرية وعدد من المؤسسات الدينية الهامة فى روسيا، وعلى رأسها "مجلس شورى الإفتاء الروسى"، حيث أوفدت وزارة الأوقاف هذا العام مبعوثين إلى روسيا لإحياء شعائر شهر رمضان الماضى.
والجديد بالذكر أيضا أن قداسة البابا تواضروس سافر إلى روسيا فى نوفمبر 2014 فى زيارة ناجحة لتطوير العلاقات مع الكنيسة الروسية، وهذا يدل على اتفاق الرؤية المصرية والروسية سياسيا وعسكريا واقتصاديا وسياحيا، والجديد دينيا أيضا.
فالصفقات العسكرية هى الوجه الآخر للصفقات السياسية فى كل المجالات التى تهم الشعبين.. والتقاء الكنيسة والأوقاف فى مصر مع نظيرتيهما فى روسيا دليل على أن العلاقة مبنية على الندية وليس التبعية.