شعراء ”ميليشيا الثقافة” : واجهنا خطر الإشعاع النووي بقصائدنا
لشعورهم بأن الكتابة وحدها لا تكفى للتعبير عما يتعرض له وطنهم (العراق) من تدمير وتخريب، قامت مجموعة من الشعراء العراقيين الذين تمسكوا بالبقاء في وطنهم والدفاع عنه بأرواحهم وأقلامهم ولم يفروا للنجاة بأنفسهم، بالاشتراك في مشروع ثقافى أطلقوا عليه "ميليشيا الثقافة"..
وقد قام هؤلاء الشعراء بزيارة لمفاعل تموز (يوليو) فى منطقة التويثة الغربية بالعراق، وقدموا قراءات شعرية لقصائدهم بجوار أسوار هـذا الموقع الأكثر خطرا، فى رسالة منهم للفت أنظار العالم لما يتعرض له شعب العراق من خطر.
ويقع مفاعل (التويثة) على بعد 30 كم جنوب بغداد، وهو المفاعل النووي الروسي، الذى تعرض لضربة جوية إسرائيلية أطلق عليها عملية أوبرا عام 1981، أوقفت المشروع، ثم دمرت الولايات المتحدة الأمريكية أثناء حرب الخليج 1991 ما تبقى منه حين قامت بقصفه.
وكان خبراء عراقيون في الطاقة الذرية قد أعلنوا من قبل أن أكثر من ألف قروي عراقي قد يهلك بسبب الإصابة باللوكيميا (ابيضاض الدم، وهو مرض سرطاني)، بعد أن نهبت أطنان من المواد المشعة من منشأة التويثة العراقية الذرية.
"ميليشيا الثقافة".. الشعراء الذين تحدوا الإشعاع بقصائدهم وأجسادهم، هم: أحمد ضياء، كاظم خنجر، مازن المعموري، محمد كريم، علي ذرب، وسام علي، علي تاج الدين، أحمد جبور.
النهار التقت أصحاب هذه التجربة، وفي البداية يقول الشاعر العراقى أحمد ضياء عن شعوره عند زيارته للموقع النووى المصاب: أزمة من الكلمات، أزمة من المخاوف، هذا ما انتابنا وسط مفاعل تموز الكائن في قرية (التويثة)، هذا المفاعل المحترق، حيث خطواتنا هذه المرة بدأت مع الخوف ذاته.
عند ذهابنا إلى مفاعل تموز كان الموت في حقيبتي، تمت القراءة على جدران هذا المفاعل لكونهم قد منعونا من الدخول إليه، ورغم هذه الصعوبات آلينا على أنفسنا الدخول في هذا المجال وأنتجنا قالبنا الشعري، علما بأن كثيرا من سكان هذه مصابون بالسرطان ويأخذون حقن العلاج في كل فترة.
ويضيف الشاعر كاظم خنجر عن "الشعر في مواجهة المفاعل النووي": إن أقصى درجات الخطر والرعب بالنسبة لنا كانت في هذه المرة، وقد عملنا على اقتحامها، إذ إن الإشعاع النووي يعتبر من أبشع عناصر القتل الإنساني وأشدها فتكا، وبما أن مفاعل تموز (التويثة) في العراق مفاعل قد تعرض للقصف مما أدى إلى أنتشار الإشعاع في هذا المكان وأدى بدوره إلى سرطنة أغلب سكان التويثة منذ القصف إلى الآن، فقد أدركنا حجم الخطورة.
قررنا الذهاب إلى هذه المنطقة المخربة نفسيا وجسديا وبيئيا، وشرعنا في قراءة الشعر، الشعر الذي لا بد منه في ظل هذا الموت البطيء، ولأن النظام العراقي نظام منع وإقصاء عملوا على منعنا من الدخول، ومنعنا من التصوير، لهذا تحدينا ما يزعمون ونفذنا المشروع على أطراف المفاعل، وفي القرية الميتة (قرية التويثة) قمنا باستعمال الشعر في مواجهة خطر الإشعاع النووي.
ويقول الشاعر مازن المعموري: قبل أسابيع قدمنا طلبا لإقامة قراءات شعرية في المفاعل النووي العراقي في منطقة التويثة في بغداد، المشكلة الأكثر تدميرا للبيئة مع آلاف الإصابات بالسرطان في المناطق المحيطة به، وهو ما جعلنا نصر على قراءة نصوصنا الشعرية رغم رفض الإدارة للطلب أكثر من مرة، لذلك قررنا أن تكون فعالياتنا في حدود المفاعل قريبا من سياج الطاقة النووية لنكون في قلب الخطر.
ومما كتبه مازن خلال تلك المغامرة: "في الشارع المحاذي لتموز/ رأيت الناس يخرجون بيوض السرطان من بطون الأسلاك وبقايا المسوخ المتدلية على الأبواب/ تزين البيوت بلون الفجر القادم).
وكتب الشاعر وسام علي قصيدة يقول فيها: "بعد عودتنا/ وجدت ملامح وجهي في إحدى زوايا الكلينس/ فمي يضحك/ عيني تتقيأ ما تلمسته أصابعي/ أعتقد أن قدميّ عوامتان محتقنتان بالهواء/ بطني إطار منفوخ/ كل الهواء الذي فيَّ../ يدخل ويخرج من أنفي العالق/ في إحدى زوايا الكلينس".
وألقى الشاعر علي ذرب قصيدة قال فيها: "تنثرُ لحمكَ على الطريقِ / كلّما عادت عظامكَ مثل كلابٍ جائعةٍ/ فمكَ، تلويحةٌ مضغوطةٌ بين ساقينِ/ ولأنّ الحالم التفتَ إلى رأسهِ مذعورا / أصبحت أطرافُ النومِ مشنقةً / وأنت تسحلُ قلبي من ضفيرتهِ / دع لسانكَ يمضي في العينينِ الفارغتين / كادت الغفلةُ أن ترمي أصابعها / لولا، تحوّلُ هذا القلب إلى غرفةٍ".
ومما كتبه الشاعر علي تاج الدين: "يشمئزّ الموتُ من لحيةِ القبيلةِ حينَ تمشّطُ الشوارعَ بنعاسِ الصحراءِ التي تمشي متبخترةً في أدمغةٍ تصافحُ الحجارةَ وتضمُّ الرمالَ إلى صدرها المتعفّنِ من التفكير بدرجة الصفرِ من الذكاءِ الذي يلطمُ على صدرِ (بارت)وهو يعتزلُ الماديّةَ ليلتحقَ بأقربِ موكبٍ يتراقصُ على القبحِ بينَ البصقِ على المدينةِ والتلهّفِ للسلفِ الذي يدوّرُ عن دينِ أبينا (داروينَ) المصنوعِ من ضلعِ الخطيئةِ الساكرةِ مع وديانَ تتسلقُ قعرَ جبلِ الغباء في دوحة الصمتِ بين أفكاكِ الاغتصابِ الشرعيِّ ونسائم ِالعشقِ العذريِّ الكافرِ بكلِّ مقدساتِ السرابِ".
وتحت عنوان (زاوية ميتة في عيني) كتب الشاعر أحمد جبور: "أصابع رصاص عشوائي يلتهم جسدا آخر / يومٌ مجاني يتنفس فوق رحم مثقوب / سيارة الإسعاف مطربة الحي / الجثث المرمية لا تطرب أرصفة الله /اغتيالات / كاتم صوت يثقب زاوية ميتة في عيني / السيارات المفخخة طبشور يفضّ تشوهات السماء / نضع المجازر على الطاولة/ حديثنا عند العشاء / قطع الرؤوس / دردشة بعد منتصف الليل على فيسبوك".
وكتب الشاعر محمد كريم عن الضربة الأولى التي وجهت للمفاعل: "حمولة الطائرات أكبر من وزنها/ كان من الواضح أنه رجل لم يكن يعبأ كثيراً بحياة البشر / لقد كانت من أهم المفاجآت العسكرية بجميع العصور/ وبينما انقضت الطائرات على هدفها، ينظر العراقيون المذهولون بغير تصديق، كان هناك إطلاق نار كثيف من الأرض / سمعتُ الرئيس يقول: قاموا بماذا؟!/ 1981/ مناحيم بيجن/ أوبرا/ الضربة الأولى: شلومو ناخديمون/ عاموس يادلين".
وأخيرا يعلق الشاعر سالم محسن على هذه الزيارة قائلا: إن الشعر يعتبر معادلا موضوعيا للحياة، هذا ما قام به الشعراء "الحليون، البابليون".


.jpg)

.png)



.jpg)



