اكتشاف غير متوقّع.. فنان عالمي جمع ألف قطعة مصرية!
رغم أن أوغست رودان رسّخ اسمه بين عمالقة النحت الحديث إلى جانب مايكل أنجلو ودوناتيلو، إلا أن شغفه العميق بفنون مصر القديمة بقي جانبًا شبه منسي في مسيرته الفنية. اليوم، يسعى متحف رودان في باريس إلى تسليط الضوء على هذا البعد الخفي، عبر سلسلة معارض تستكشف تأثير الحضارة المصرية على رؤيته الجمالية.
في عام 2022، قدّم المتحف معرض "حلم مصر" الذي ضم نحو 400 قطعة، مُتوّجًا 15 عامًا من دراسة مجموعة رودان المصرية التي تضم نحو ألف قطعة أثرية، في بحث قادته بينيديكت غارنييه، رئيسة العمليات العلمية بالمتحف.
وتقول غارنييه: "ما إن فهمنا طبيعة هذه المجموعة، حتى أدركنا ضرورة عرضها على الجمهور".

واليوم تُعرض هذه الكنوز لأول مرة في الولايات المتحدة تحت عنوان "مصر رودان" في معهد دراسات العالم القديم بجامعة نيويورك (ISAW)، حيث تتجاور بعض الآثار المصرية مع منحوتات رودان في حوار بصري يكشف عمق التأثير والتقاطع بين الحضارتين.

عرض يروي قصة شغف خاص
يتوزع المعرض على قاعتين تعرضان نحو 60 قطعة. في الأولى تُقدم نماذج من مجموعة رودان، منها ثلاثة نقوش بارزة ملوّنة. أما القاعة الثانية فتضم نحو 12 منحوتة من أعماله، تُعرض إلى جانب آثار مصرية مشابهة، ليبرز التشابه في الخطوط والجذوع المكسّرة والتكوينات المجرّدة.
ويرتبط جزء من المعرض بعائلة برومرز، تجار الفن المجريين الذين لعبوا دورًا مهمًا في نقل أعمال رودان إلى نيويورك، إضافة إلى قطع مُعارة من متحف المتروبوليتان.
كارل والش، عالم الآثار في ISAW، يوضح أن هدف المعرض هو إظهار مدى تنوع المقتنيات التي جمعها رودان، وكيف عكست حراك سوق الفن في مطلع القرن العشرين واتساع الاهتمام العالمي بالآثار المصرية.

بدايات الشغف… من مودون إلى متحف رودان
لم يقتصر شغف رودان على النحت وحده، فقد جمع خلال حياته نحو 6000 عمل فني، بينها منحوتات يونانية ورومانية ومطبوعات يابانية. أما مجموعته المصرية فبدأت تتشكل في تسعينيات القرن التاسع عشر، حين كانت شهرته تتصاعد بعد عمله الشهير "العصر البرونزي" (1877).
ومع انتشار علم المصريات وازدهار تجارة الآثار في باريس، بدأ رودان يحصل على قطع مصرية من المعارض الشعبية أو كهدايا من معجبيه. وفي عام 1893 اشترى فيلته في مودون، التي سرعان ما تحولت إلى متحف يضم مقتنياته المتزايدة.
وبين عامي 1910 و1914، أصبح الفن المصري أولوية قصوى لديه، بينما كان يخطط لإنشاء متحف رودان الذي استقر لاحقًا في فندق بيرون في باريس. أراد رودان، كما تقول غارنييه، تأسيس متحف موسوعي يفتح حوارًا دائمًا بين الماضي وابتكاراته الخاصة.

الآثار كانت مصدر إلهام… لا مجرد مقتنيات
لم يزر رودان مصر أبدًا. كان يعهد إلى تاجر الآثار الأرمني جوزيف ألتونيان وعائلة برومرز مهمة جمع القطع. وخرج معظم ما اقتناه من مصر قبل صدور قانون الآثار لعام 1912، ما يجعل مجموعته غير خاضعة لقوانين اليونسكو الخاصة باسترداد القطع الأثرية.
ورغم امتلاكه خمسة كتب فقط في علم المصريات، فإن تأثير الفن المصري على أعماله كان مباشرًا وبديهيًا. وجد رودان في الأشكال المصرية "النقاء والثبات" الذي ينسجم مع أسلوبه القائم على العاطفة والحضور المادي للجسد.
يُظهر المعرض هذه الروابط بذكاء:
-
قناع صنعه رودان للممثلة اليابانية هيسا أوتا يوضع بين قناعين جنائزيين رومانيين.
-
تماثيل نسائية مصرية تتجاور مع جذوع رودان المكسّرة.
-
أوانٍ مصرية قديمة غلّفها رودان بالجص ووضع فوقها منحوتات نسائية، في تشابه مدهش مع فكرة المصريين القدماء عن الجسد المكوّن من أجزاء مركّبة.


.jpg)
مصر التي سكنت مخيلة رودان
.png)














.jpg)


.jpg)
.jpg)
