سلسلة اقرأ العلمي تواصل مشروعها المعرفي بإصدار كتابين جديدين في فلسفة العلم للدكتور مينا سيتي

أصدرت سلسلة اقرأ العلمي عن دار المعارف الكتابين التاسع والعاشر ضمن مشروعها المعرفي الطموح، وهما: "موجز تاريخ فلسفة العلم قبل القرن العشرين" و"موجز تاريخ فلسفة العلم في القرن العشرين"، تأليف الدكتور مينا سيتي يوسف، الأستاذ المساعد بكلية الآداب – قسم الفلسفة – جامعة القاهرة.
يأتي العملان استكمالًا لجهود السلسلة في تبسيط العلوم والفكر الفلسفي للقارئ العربي، وربط القضايا النظرية الكبرى بواقع المعرفة المعاصرة.
د. مينا سيتي يوسف... من الفلسفة إلى فلسفة العلم
عرفت أوساط الفكر الفلسفي والأكاديمي في مصر الدكتور مينا سيتي يوسف قبل هذه الإصدارات من خلال كتابه المهم "البيولوجيا وفلسفة العلم"، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، والذي ضم أطروحته للدكتوراه، فضلًا عن ترجمته المتميزة لكتاب "فلسفة البيولوجيا: مدخل معاصر" لأليكس روزنبيرج ودانييل ماك شي، الصادر عن المركز القومي للترجمة.
هذه الخلفية جعلته أحد أبرز الأسماء المرشحة لتأليف كتاب يتناول فلسفة العلم ضمن مشروع "اقرأ العلمي"، وقد رحّب بالفكرة وساهم فيها بحماس علمي وإبداع فكري واضح.
مدخل رمزي وسؤال جوهري
يفتتح د. مينا سيتي يوسف كتابيه بقصة رمزية يطرح من خلالها تساؤلًا فلسفيًا معاصرًا حول موقع الفلسفة في المجتمع الحديث، فيقول:
«لماذا يتفق الجميع على ضرورة دعم العلم الحديث وتمويله، بينما يسخر كثيرون – دون مبرر منطقي – من الفلسفة أو العلوم الإنسانية والاجتماعية أو الفن أو الأدب؟»
ثم يتساءل:
«لماذا أصبحت الفلسفة في مجتمعاتنا، التي تُقدّس العقل الأداتي وحده، ترفًا لا طائل منه؟ أليس التاريخ يخبرنا أنه لم يكن هناك فصل بين العلم والفلسفة لقرون طويلة قبل ظهور التخصصات الحديثة؟»
ويستعرض الكاتب هذه الإشكالية في ضوء تاريخ العلاقة بين الفلسفة والعلم، وكيف قادت التطورات العلمية إلى رسم حدود مصطنعة بين مجالات التفكير الإنساني، رغم أن العقل البشري يعمل كوحدة متكاملة تجمع بين النقد والتحليل والإبداع.
الفلسفة كمدخل لفهم الإنسان والعالم
يؤكد الكاتب أن دراسة الفلسفة ليست ترفًا فكريًا، بل إطارٌ أساسي لبناء الوعي الأخلاقي والقدرة على اتخاذ قرارات مسؤولة. فهي تمنح الإنسان أدوات لفهم ذاته وتاريخه ومجتمعه ومصيره، وتغرس فيه مهارات التفكير النقدي والإبداعي والاستراتيجي، الضرورية في عالم يتسم بالتعقيد والتحولات السريعة.
وفي هذا السياق، يرى د. مينا أن الفلسفة تُكسب الطلاب القدرة على التعامل مع الغموض والتغيرات، وتزوّدهم بالأدوات العقلية التي تساعدهم على تحليل المشكلات المعقدة وصياغة حلول مستدامة، مما يجعلها أساسًا لكل تقدم علمي أو اجتماعي حقيقي.
فلسفة العلم... العقل المفكر في العلم نفسه
يتناول الكتابان بالعرض والتحليل تاريخ فلسفة العلم، بوصفها المجال الذي يدرس طبيعة المعرفة العلمية ومنهجيات البحث وعلاقة العلم بالمجتمع والثقافة.
ويوضح الكاتب كيف تطور التفكير في فلسفة العلم منذ جذوره الأولى في الفلسفة اليونانية القديمة، مرورًا بالتحولات الكبرى في العصور الوسطى والنهضة والتنوير، وصولًا إلى القرن العشرين الذي شهد إعادة صياغة المفاهيم الأساسية للعلم والمعرفة في ضوء الثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة.
مشروع معرفي متكامل
تأتي هذه الإصدارات ضمن سلسلة "اقرأ العلمي"، التي يشرف عليها أ. إيهاب الملاح، ويتولى أحمد سمير سعد مهام مدير التحرير، برعاية المهندس رزق عبد السميع، رئيس مجلس إدارة دار المعارف.
وقد وجّه القائمون على السلسلة خالص الشكر لكل العاملين في المؤسسة على إيمانهم برسالة الثقافة ونشر الوعي العلمي والفلسفي بلغة ميسّرة تحافظ على العمق وتخاطب القارئ العام والمتخصص على حد سواء.
في المحصلة
يمثل إصدار هذين الكتابين خطوة جديدة في طريق استعادة الصلة بين الفكر الفلسفي والعلمي، وتذكيرًا بأن العلم بلا فلسفة يفقد بوصلته الإنسانية، وأن الفلسفة بلا علم تفقد صلتها بالواقع.
إنه عمل يليق بجهد أكاديمي رصين وسلسلة ثقافية تسعى إلى ترسيخ الحوار بين مجالات المعرفة، في زمن تتزايد فيه الحاجة إلى العقل النقدي والفكر المتكامل.