التصعيد الإسرائيلي في غزة إلى أين؟.. باحث يكشف السيناريوهات

في ضوء معطيات اللحظة الراهنة التي يتهيأ فيها قطاع غزة لتصعيد عسكري يستهدف الاحتلال الكامل للقطاع، ارتباطًا بموافقة المجلس الوزاري السياسي الأمني المصغر في 7 أغسطس 2025، على خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحتلال قطاع غزة، تنطلق الحكومة الإسرائيلية من حسابات سياسية واستراتيجية معقدة تفرضها تعقيدات الداخل الإسرائيلي، وكذلك السياق الإقليمي والدولي الضاغط لإنهاء هذه الحرب، باعتبارها المحفز الرئيسي لحالة التصعيد العسكري، وعدم الاستقرار الإقليمي الذي تشهده المنطقة في الوقت الراهن، والذي تتزايد مخاطره في ظل التأزم الذي يعيشه الائتلاف الإسرائيلي على نحو يدفع قادته لانتهاج سياسات متطرفة مدفوعة بحسابات سياسية انتخابية ضيقة.
سيناريو التهجير القسري
قدّم مهاب عادل، باحث مشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تحليلاً دقيقاً للمشهد الحالي، موضحاً جمود المشهد التفاوضي الراهن الذي تتعنت فيه تل أبيب بشأن مرونة موقفها للذهاب إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، يعزز من الذرائع التي تحاول الحكومة الإسرائيلية نسجها للتمادي في مخططاتها بشأن احتلال القطاع، ودفع سكانه نحو سيناريو التهجير القسري، خاصة في ظل تمسك حركة حماس بموقفها من مسألة نزع سلاحها وتحييد وجودها العضوي بشكل كامل، على نحو ستكون له تداعياته على ديناميكيات الصراع التي قد تمتد إلى دول الجوار، لما ستشكله هذه التوجهات من تداعيات مباشرة على أمنها القومي.
بحسب تحليل «مهاب»، تُثير هذه المعطيات بدورها التساؤل حول حدود التصعيد الإسرائيلي بشأن الخطط المعلنة لاحتلال القطاع، والتي تزامنت مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي ارتباطه الشديد برؤية الأرض الموعودة وإسرائيل الكبرى، وهو ما سيتولد عنه تداعيات ستضر بمعادلة الاستقرار الإقليمي على المستوى الاستراتيجي، الذي سيعد خصمًا مباشرًا من حسابات البقاء التي رسخها جيل الآباء الصهاينة المؤسسين.
انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة
ذكر مهاب عادل، أنه لاح في الأفق خلال الأيام الماضية أمل تجدد بشأن تحريك جمود المشهد التفاوضي، ارتباطًا بمرونة موقف حركة حماس والقبول بالتوصل إلى اتفاق شامل يُطلق بموجبه سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، في مقابل الإفراج عن عدد يتم الاتفاق عليه من السجناء الفلسطينيين، على أن يتضمن ذلك وقفًا دائمًا لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وإعادة فتح المعابر، وبدء جهود إعادة الإعمار، بالإضافة إلى الموافقة على تشكيل إدارة وطنية مستقلة تتألف من التكنوقراط لتولي مسئولية إدارة الشئون المدنية في وكانت قد سبقت ذلك أيضًا بالموافقة على اتفاق جزئي لوقف إطلاق النار، في الشهر الماضي، يتضمن هدنة أوّلية لمدة 60 يومًا مقابل إطلاق سراح جزئي للرهائن على دفعتين، وذلك اتساقًا مع مقترح طرحته الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام، وأبدت تل أبيب مرونة لقبوله.
وأوضح الباحث في رؤيته، أن هذا الأمل تبدد مع تعنت موقف إسرائيل التي أبدت رفضها لهذه المقترحات متمسكة بإنهاء الحرب بشروطها التي حددها مكتب رئيس الوزراء في خمسة بنود، تتمثل في: نزع سلاح حركة حماس؛ ونزع السلاح من قطاع غزة؛ بالإضافة إلى السيطرة الأمنية الإسرائيلية في غزة؛ وإنشاء إدارة مدنية بديلة، هذا فضلاً عن إطلاق سراح جميع الرهائن، وهو ما لم تبد الحركة مرونة في تقبله.
استهداف كامل البنية المدنية داخل المدينة
في مقابل ذلك، استمرت الحكومة الإسرائيلية في إجراءاتها التصعيدية في إطار ما أسمته بعملية «عربات جدعون 2» بحسب «مهاب»، وأعلنت في هذا الإطار عن استهداف المتحدث باسم كتائب القسام المعروف إعلاميًا بـ «أبو عبيدة»، هذا فضلاً عن استكمال الإجراءات العسكرية لاحتلال كامل مدينة غزة التي أعلن الجيش الإسرائيلي عن سيطرته على 40% منها، لتصل بذلك إجمالي مساحة الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية إلى ما يعادل نحو 75% من مساحة القطاع، وذلك بحسب بيانات الجيش الإسرائيلي ومن بين هذه الإجراءات البدء في استهداف كامل البنية المدنية داخل المدينة، وخاصة الأبراج السكنية التي كانت تأوي العديد من الأسر، وذلك لفرض الضغط على ما يقارب مليون مدني ودفعهم للنزوح إلى ما يسمى بالمناطق الإنسانية في جنوب القطاع.
وذكر مهاب عادل، أن الموقف الإسرائيلي ينطلق وفقًا لمعطيات اللحظة الراهنة من ناحية التمادي في المسار العسكري، من حسابات ترتبط بإدارة الضغوط الداخلية المرتبطة بهشاشة استقرار الائتلاف والرغبة في الحفاظ على تماسك حاضنة الدعم التي توفرها أحزاب اليمين الديني. هذا فضلاً عن الاتجاه عبر التصعيد العسكري الراهن لتحييد الآثار المحتملة للضغوط الدولية خاصة تلك المرتبطة بإعلان عدد من الدول نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر انطلاقها خلال الشهر الجاري، نظرًا لتأثير تلك التحركات على زيادة درجة انكشاف سردية الحكومة الإسرائيلية بشأن النصر المطلق والقدرة على حسم المعركة عسكريًا وفرض الأمر الواقع بالقضاء على فرص قيام دولة فلسطينية.
تعمل الحكومة الإسرائيلية على إقرار هذا الوضع عبر تعزيز سيطرتها العسكرية على مساحات واسعة من القطاع، والتي بلغت بحسب ما يتم إعلانه 70% من مجمل مساحته، للإبقاء على سردية الانتصار والتقليل من أية آثار سياسية لهذه الاعترافات على نحو يُمكن توظيفه ضد الائتلاف الحكومي والترويج لفشله في تحقيق الأهداف التي حددها لنفسه ومنها منع قيام دولة فلسطينية، وهو ما يحاول إثبات قدرته على تحقيقه عبر مسار التصعيد العسكري في الوقت الراهن، وفرض واقع جديد يضمن تغيير جغرافيا القطاع وتقطيع الأواصر بينه وأي دولة مستقبلية ممكنة مع الضفة الغربية، بحسب الباحث المشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
إحكام دائرة الضغط ضد حركة حماس
تعمل الحكومة الإسرائيلية على تهيئة الداخل خاصة أهالي الأسرى والمتضامنين معهم، لتقبل التكلفة المحتملة لاستمرار المسار العسكري في مقابل الهدف الاستراتيجي المرتبط بالقضاء على فرص قيام دولة فلسطينية في الجوار، وهو ما يتجلى في الوقت الراهن في ضوء ما يتدفق من تقارير بشأن التواصل الذي يحدث بين المسئولين العسكريين وأهالي الأسرى التي تؤكد على احتمالية عدم نجاة ذويهم، حسبما أكده «مهاب»، وتراهن الحكومة الإسرائيلية على أن تعكس عبر هذه الإشارات القدرة والمرونة على التعامل مع عامل التكلفة سواء المرتبط بالضغوط الدولية أو بالضغوط الداخلية، لإحكام دائرة الضغط ضد حركة حماس، وتحييد جبهات الضغط المضاد المتشكلة تحت وطأة انتهاكاتها الجسيمة ضد المدنيين الفلسطينيين، تعويلاً منها على أن يدفع ذلك الحركة للقبول بالشروط التي وضعتها لإنهاء الحرب على نحو تحافظ معه على سردية الانتصار، وترسخ لواقع يصعب معه قيام دولة فلسطينية.