المبيدات لا تزيد الإنتاج بل تحمي المحصول.. الدكتور هالة أبو يوسف في حوار ”للنهار” تكشف حقائق الاستخدام الآمن وخطة توطين الصناعة في مصر

المبيدات لا تزيد الإنتاج.. لكنها تقلل الفاقد وتحافظ على الأمن الغذائي
"المبيدات" في قفص الاتهام.. لكنها بريئة حتى تثبت إدانتها
توطين صناعة المبيدات ضرورة.. والبدء يكون بتكامل القطاع الخاص مع الدولة
الغش التجاري في المبيدات موجود.. والمزارع يتحمل جزءًا من المسؤولية
يلعب المعمل المركزي للمبيدات التابع لمركز البحوث الزراعية في وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، دورًا محوريًا في ضبط جودة المبيدات، وتحليلها، وضمان استخدامها الأمثل بما يحقق السلامة للإنسان والبيئة.
وفي حوار خاص مع «النهار»، كشفت الدكتورة هالة أبو يوسف، مدير المعمل المركزي للمبيدات، عن التطورات التكنولوجية الحديثة في تصنيع المبيدات، وكيفية ضبط جودتها وتحليلها داخل المعمل، ودور الرقابة في مواجهة الغش، إلى جانب آليات التفتيش والتسجيل، كما تطرقت كذلك إلى أهمية التوعية والتدريب، وأجابت بصراحة عن علاقة المبيدات بالأمراض، ووضعت خريطة واضحة لمستقبل المبيدات في مصر في ظل التحول الزراعي والنمو الاستثماري في القطاع الزراعي، كما تحدثت عن تجربتها كأول سيدة تتولى إدارة هذا المعمل الحساس، مؤكدة أن النجاح لا يتحقق إلا بتضافر الجهود…… وإلى نص الحوار.
س: بدايةً.. ما الدور الذي يلعبه المعمل المركزي للمبيدات في المنظومة الزراعية المصرية؟
المعمل المركزي للمبيدات؛ يلعب دورًا محوريًا في حماية الزراعة والصحة العامة، من خلال الرقابة على جودة المبيدات المتداولة، وتحليلها وفق معايير علمية دقيقة، لضمان استخدامها الآمن والسليم، فهو ليس مجرد جهة تحليل فني، بل يُعد الذراع الرقابي والعلمي للدولة في مواجهة الغش التجاري، والحد من الاستخدام العشوائي للمبيدات، ودعم جهود التصدير من خلال فحص متبقيات المبيدات ومطابقتها للمعايير الدولية، كما يضطلع بدور توعوي وتدريبي واسع، يستهدف رفع وعي المزارعين والمهنيين، ونقل الخبرات الفنية في هذا المجال الحساس، في ظل رؤية الدولة لتوطين صناعة المبيدات والنهوض بالقطاع الزراعي بشكل مستدام.
س: ما حجم العمل داخل المعمل؟ وكم يصل عدد العينات التي يتم فحصها وتحليليها داخل الأقسام؟
خلال عام واحد، نفذ المعمل المركزي للمبيدات عددًا ضخمًا من التحاليل تجاوز 78 ألف عينة، توزعت بين عينات مسحوبة من الجمارك والمصانع، والمبيدات المهرّبة، والمبيدات المطلوب تجديد صلاحيتها، إلى جانب عينات واردة من شكاوى المزارعين أو حالات الاشتباه، فضلًا عن دراسات بسمية المبيدات، وتحاليل متبقيات المبيدات في الخضر والفاكهة، واختبارات جودة العبوات، ودراسات ما قبل الحصاد.
وتُظهر هذه الأرقام حجم الدور الرقابي والعلمي الذي يقوم به المعمل في مواجهة الغش، وحماية الزراعة والصحة العامة، ودعم حركة التصدير من خلال التأكد من مطابقة المنتجات المصرية للمعايير الدولية.
س: كيف يتعامل المعمل مع المبيدات غير المسجلة أو المتداولة بشكل غير قانوني؟
قسم الرقابة في المعمل يتابع المحال التجارية والتداول في السوق، لكننا بحاجة إلى التوعية أيضًا، الغش التجاري موجود في كل السلع، لكن المستخدم عليه مسؤولية كبيرة في معرفة ما يشتريه، والتأكد من أن المنتج مسجل، هناك ترخيص يتم منحه لتجار المبيدات يتم تجديده كل 4 سنوات، وعلى التاجر تعليق الشهادة داخل المحل لتأكيد مشروعيته.
س: هل يقوم المعمل بتحليل أي مبيد يطلب المزارع تحليله؟
لا يمكن تحليل أي عينة غير مسجلة، لأنه إذا كانت العينة غير مدرجة لدى لجنة مبيدات الآفات، فإن إصدار شهادة من المعمل يُعد إضفاء شرعية على منتج غير قانوني، لذلك لا يتم تحليل إلا ما هو مسجل رسميًا، حفاظًا على نزاهة العملية الرقابية.
س: ما الحالات الغريبة التي واجهتموها أثناء فحص المبيدات؟
في إحدى الحالات، اكتشفنا أن المبيد الذي أتى به المزارع كان مبيدًا للصحة العامة، وليس مبيدًا زراعيًا، وتسبب له في خسائر فادحة في إنتاجية محصول الرمان لمساحة كبيرة، ومثل هذه الأخطاء الكارثية تؤكد ضرورة الوعي الكامل بالمادة المستخدمة ومصدرها وطريقة تطبيقها.
س: هل يتحمل المزارع وحده مسؤولية هذه الكوارث؟
المزارع بالتأكيد ليس وحده المسؤول، لكنه يتحمل جزءًا كبيرًا من الخطأ، والمطلوب هو نشر ثقافة شراء المبيد من مصدر موثوق، وفهم تشخيص الآفة والمحصول قبل الشراء، لأن كل مبيد له تسجيل مستقل حسب المحصول والآفة.
س: ما الأقسام التي يضمها المعمل المركزي للمبيدات؟
يضم المعمل عشرة أقسام متخصصة، تتعامل مع المبيد منذ دخوله كمادة فعالة، مرورًا بالمستحضر، ودراسة خواصه، وجوانب السمية، ودراسة فترة ما قبل الحصاد، والتأثيرات البيئية على الكائنات غير المستهدفة مثل النحل والأسماك والطيور، وكذلك دراسة صفة المقاومة التي قد تنشأ عن الاستخدام المفرط.
س: ما دور المعمل في تحليل متبقيات المبيدات الخاصة بالصادرات؟
الرقابة على متبقيات المبيدات في الصادرات والواردات تتم عبر المركز الوطني للرصد، الموجود داخل المعمل، وفي حال طلب المصّدر تحليل العينة قبل التصدير، يتم ذلك وإبلاغه بنسبة المتبقيات لتحديد مدى مطابقة المحصول للمعايير الدولية، وهذه الخدمة تساهم في دعم المصدرين وتجنب رفض الشحنات.
س: هل التكلفة المرتبطة بتحليل العينات مرتفعة على المصدرين؟
التكلفة محددة بشكل يتناسب مع كوننا جهة حكومية، وهناك التزام مشترك في التسعير مع المعامل المجاورة مثل معمل المتبقيات، ورغم ارتفاع أسعار الأجهزة والكواشف والكيماويات، نحرص على استمرار تقديم الخدمة بسعر مناسب كمساهمة في المسؤولية الوطنية، خاصة في ظل غياب التمويل الخارجي والاعتماد على الموارد الذاتية للمعمل.
س: ما ملامح التطور الذي شهده تصنيع المبيدات مؤخرًا؟
حدثت طفرة كبيرة في تكنولوجيا تصنيع المبيدات خلال السنوات الأخيرة، شبيهة بتلك التي شهدتها صناعات أخرى مثل الهواتف المحمولة، فاليوم وعلى سبيل المثال لم نعد بحاجة إلى استخدام لتر كامل من المبيد للفدان، بل تكفي جرعة صغيرة بحجم 350 إلى 400 سنتيمتر فقط، مع الحفاظ على الفعالية، وهذه النتيجة لم تأت من زيادة تركيز المادة الفعالة وحدها، بل من خلال إضافات تكنولوجية دقيقة ترفع كفاءة الاستخدام وتحسن الامتصاص وتقلل الفقد.
س: هل الكميات التي تدخل مصر من المبيدات تتجاوز الاحتياج الفعلي؟
الوضع في مصر مضبوط بشكل دقيق، الكمية التي تدخل السوق المحلي لا تتجاوز الاحتياجات الفعلية، بل يتم التحكم بها من خلال لجنة مبيدات الآفات الزراعية، تقريبًا، يتم استيراد ثلثي الاستخدام على هيئة مواد خام يتم تصنيعها في المصانع المحلية، بينما يتم إنتاج الثلث الآخر محليًا.
س: متى سيتم توطين صناعة المبيدات داخل مصر؟
الدولة تتبنى نهجًا واضحًا لتوطين الصناعات، والمبيدات على رأس هذه الأولويات، ومنذ أسابيع ناقشنا في ورشة عمل حضرها وزير الزراعة علاء فاروق، الخطوات الفعلية والعملية من أجل تحقيق ذلك وكانت هناك إشادة كبيرة بدور الباحثين المصريين، وتم التأكيد على ضرورة توحيد جهود الدولة والقطاع الخاص والمستثمرين لتحقيق هذا الهدف، وأوكد أنه وبدون هذا التكامل، لن ننجح في الوصول إلى إنتاج محلي متطور ومنافس عالميًا.
س: هناك ظاهرة خاطئة تتمثل في خلط المبيدات في الاستخدام الميداني؟ ما خطورة ذلك؟
خلط المبيدات بطريقة عشوائية يمثل خطرًا كبيرًا، لأنه يسبب تفاعلات بين المواد ينتج عنها مركبات شديدة السمية قد تضر الإنسان والبيئة، وحتى إن كان المبيد نفسه مسجلاً، فإن استخدامه بشكل خاطئ يؤدي إلى فشل المكافحة أو إلى ظهور صفة المقاومة في الآفة، ما يجعل المكافحة لاحقًا أصعب وأقل فعالية.
س: ما تأثير الاستخدام العشوائي للمبيدات على الأمن الغذائي؟
الاستخدام غير السليم للمبيدات يؤدي إلى فقدان المحصول وليس إلى زيادته، وهنا لابد ان نعلم أن الهدف من المبيد هو الحفاظ على الإنتاج وليس زيادته، وإذا تم استخدامه بعشوائية، فنحن نخسر رؤوس أموال، ونهدد الأمن الغذائي، خاصة إذا أدى ذلك إلى رفض المحاصيل المصدرة نتيجة بقاء متبقيات غير مطابقة.
س: كيف يمكن التفرقة بين عبوة المبيد السليمة والمغشوشة؟
الخطوة الأولى أن يدخل المستخدم على موقع لجنة مبيدات الآفات الزراعية للتأكد من أن اسم المبيد ورقم تسجيله مطابقان، حيث لا يمكن لأي غشاش أن يضع رقم تسجيل صحيح على عبوة غير مسجلة، لذا فغالبًا ما يكون هناك تلاعب في حرف من الاسم أو غياب الرقم، وقراءة البطاقة الاستدلالية على العبوة ليست مجرد خطوة للتحقق من الأصالة، بل هي دليل الاستخدام الأمثل للمبيد، ومن خلالها يتضح التخصصية أي آفة يعالجها وعلى أي محصول.
س: إذاً، في رأيك، أين تحدث أغلب حالات الغش؟ وأين تقع الثغرة في الرقابة؟
المعمل جهة رقابية فنية، وليس له صفة الضبطية القضائية، وعند تنفيذ حملات تفتيش على المحال، لابد من وجود ممثل عن شرطة المسطحات المائية، وهذه الثغرة القانونية هي ما يعيق التدخل المباشر، وقد طالبنا كثيرًا بمنح الضبطية القضائية لأعضاء قسم الرقابة في المعمل، ليصبح لهم حق التفتيش والضبط.
س: بالعودة لعمل المعمل ودوره.. هل يطلق المعمل المركزي للمبيدات مبادرات توعية؟
العمل الأساسي يتركز على التدريب ونشر الوعي، كما أننا نؤمن أن التدريب هو وسيلة التطوير المستمر، ووسيلة أساسية لنقل الخبرة والمعرفة، ويتم ذلك من خلال مركز تدريب معتمد أنشئناه وفق النظم والمعايير المعتمدة، ويجب أن أنوه هنا أن التدريب لا يقتصر على العاملين بالمعمل فقط، بل يشمل كل من يعمل في القطاع الزراعي.
س: هل يتلقى المعمل زيارات تدريبية من طلاب كليات الزراعة؟
خلال فصل الصيف نستقبل أعدادًا كبيرة من طلاب كليات الزراعة من مختلف الجامعات، ونحرص على تعريفهم بطبيعة عمل المعمل بتخصصه النادر، ولا يوجد في مصر جهة مماثلة تقدم نفس مستوى التخصص في مجال المبيدات، ونستهدف منحهم فكرة مبسطة وواضحة عن طبيعة التحاليل والرقابة ودورة المبيد منذ دخوله حتى استخدامه وتقييمه.
س: لماذا كان من الضروري إنشاء مركز تدريب معتمد داخل المعمل؟
الخبرات المتراكمة لدى العاملين في المعمل لا تقدر بثمن. هؤلاء متخصصون في مجالات شديدة الدقة تشمل المبيد كمادة، وجودته، وسميته، وأثره البيئي، وصفة المقاومة، والتقييم الحيوي. كل هذه الجوانب يصعب جمعها في جهة واحدة، ولذلك كان من المهم أن نوثق هذه الخبرات وننقلها عبر التدريب المستمر، سواء للعاملين أو للمهتمين في القطاع الزراعي.
س: كيف يتم التخلص من المبيدات منتهية الصلاحية؟ وما هي الآليات التي يتبعها المعمل المركزي في هذا الشأن؟
المبيدات التي تنتهي صلاحيتها لا تُستخدم بأي حال من الأحوال، لما لذلك من خطورة بالغة، وهناك ثلاث طرق رئيسية للتعامل الآمن معها، الأولى: التصدير إلى فرنسا، حيث تُعدم داخل محارق مخصصة لهذا النوع من المخلفات، وتصل درجة حرارة هذه المحارق إلى مستويات مرتفعة جدًا تضمن القضاء الكامل على أثر المبيد.
وثاني تلك الطرق؛ من خلال الدفن الآمن، ويتم ذلك وفق اشتراطات محددة بالتنسيق مع وزارة البيئة وهيئة النظافة، لضمان عدم تسرب أي من مكونات المبيد إلى التربة أو المياه الجوفية، وأما الطريقة الثالثة، فهي الأحدث، وتتمثل في تطبيق وسائل مبتكرة عالمية لمدّ صلاحية بعض المبيدات التي تسمح خصائصها الكيميائية بذلك.
س: هل يعني ذلك أنكم تعملون على مد فترة الصلاحية للمبيدات؟
بواسطة طرق معتمدة، يمتلك المعمل القدرة على ذلك ويتم هذا تحت رقابة شديدة ووفقًا لمعايير منظمة دولية معترف بها، حيث يعتمد المعمل على دراسة إمكانية استمرار فاعلية بعض المبيدات بعد انتهاء مدة صلاحيتها الاسمية، دون التأثير على سلامة الإنسان أو البيئة، وهو نهج يُطبق حاليًا في المعمل ضمن التطوير المستمر.
س: كثيرون يتصورون أن المبيدات ترفع الإنتاجية، فما تعليقك؟
المبيدات لا ترفع الإنتاجية، لكنها تقلل الفقد، دورها حماية المحصول مما قد يضيع من آفات أو أمراض، وبالتالي فهي وسيلة للحفاظ على الأمن الغذائي وليس لزيادته. مفهوم الأمن الغذائي لا ينفصل عن الاستخدام الرشيد والآمن للمبيدات.
س: في نظر المواطن والمزارع، المبيدات دائمًا ينظر لها بعين الجاني والمتهم.. هل هي المتهم أم الضحية؟
التشبيه الأدق أن المبيدات "في قفص الاتهام.. والمتهم برئ حتى تثبت إدانته".. فهي مثل الأدوية، لا يمكن الاستغناء عنها، لكن استخدامها الخاطئ هو ما يحولها إلى خطر، والخطر لا يكمن في المبيد ذاته بل في سوء استخدامه دون تشخيص الآفة أو دون معرفة المحصول أو توقيت الرش، سيتسبب ذلك في مقاومة الآفة وتراجع فعالية المبيد، تمامًا كما يحدث مع المضادات الحيوية لدى الإنسان.