النهار
الخميس 19 يونيو 2025 10:25 مـ 22 ذو الحجة 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
مصرع شخص بحادث تصادم سيارتين جامبو بطريق مصر- إسكندرية الزراعي بالقليوبية لتحقيق أرباح.. تفاصيل القبض على المذيع الفرفوش بتهمة بث محتوى خادش للحياء حلم كبير وسقف خان الأمان.. قصة سمير طالب الثانوية العامة ضحية عقار السيدة زينب الذي توفى والكتاب بيده المهندس رامي غالي : التكامل بين التعليم و الصناعة والمواصفات ضرورة لتكوين منظومة إنتاجية ترفع شعار ”صنع... محافظ كفرالشيخ يشارك في اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لمناقشة عدد من الملفات الخدمية والتنموية لأول مرة .. جامعة المنصورة الأهلية ضمن تصنيف التايمز للتعليم العالي 2025 7% من المؤسسات الصناعية لا تعالج الثغرات الأمنية إلا في الحالات الضرورية ”السويدي إليكتريك” تُزوّد أول منتجع سياحي في رأس الحكمة بمحوّلات طاقة جافة متطورة وأنظمة Busway عالية الكفاءة إطلاق برنامج ”بيبسي ستارز” بالشراكة مع ” Right to Dream” علوم الازهر باسيوط تطلق مؤتمرها الدولي السابع للعلوم بالغردقة لتعزيز الابتكار ومواكبة رؤية مصر 2030” محافظ كفرالشيخ: عقد اجتماع الخلية الوطنية للإنذار المبكر من «تسونامي» .. بالتعاون مع معهد البحوث الفلكية لتعزيز منظومة الرصد الزلزالي بالميراس يفوز بثنائية نظيفة على الأهلى فى كأس العالم للأندية

عربي ودولي

مستشار وزارة التربية والتعليم لـ ”النهار”..

”استبعاد الخبراء” و”تدمير المدارس” و”هجرة المعلمين” ثلاث كوارث للتعليم في اليمن

عارف ناجي علي المستشار بوزارة التعليم اليمنية
عارف ناجي علي المستشار بوزارة التعليم اليمنية

رواتب المعلمين انهارت إلى 9 % من قيمتها قبل الحرب… وخلفت اضطراب شبه تام في المنظومة التعليمية

إلغاء امتحانات الثانوية العامة وربط الرواتب بسعر صرف ثابت حلول فورية لإعادة الحياة للتعليم اليمني

نخاطر بمستقبل أجيال كاملة ويجب وقف سرقة القرار التعليمي وإعادة تعريف موقع المستشار ضمن الهيكل الوزاري

أجرى الحوار/ علي عبدالجواد

كشف عارف ناجي علي، المستشار بوزارة التربية والتعليم اليمنية، أن إضراب المعلمين المستمر منذ أكثر من ستة أشهر أدى إلى شلل شبه تام للعملية التعليمية، وذلك بسبب تراجع رواتب المدرسين إلى 9% من قيمتها قبل الحرب، وتحول المدارس إلى فصول خالية بلا أسقف وأخرى باتت ملاجئ للنازحين، وهو ما دفع أيضًا إلى هجرة عدد كبير من المعلمين للعملية التعليمة سواء كان بالسفر إلى الخارج أو العمل في مهن أخرى.

وأكد في حواره لـ"النهار" أن الحلول الترقيعية لم تعد مجدية، وأن أي إصلاح جذري لا يمكن أن ينجح دون الاعتراف بحقوق المعلمين الأساسية وتطبيق آليات تنفيذ واضحة تضمن صرف الرواتب واستقرار الهيكل التعليمي.

وأضاف أن التقييم التراكمي يمكن أن يحل مكان امتحانات الثانوية العامة المرهقة من خلال نظام يعتمد على رصد أداء الطالب الدراسي والأنشطة الصفية، ما يعيد للمدرسة هيبتها ويحمى الطلاب من ضغوط الاختبارات المركزية... إلى نص الحوار...

س ـ كيف تقيم استمرار إضراب المعلمين والجامعات لأكثر من 6 أشهر؟ وهل كان متوقعًا أن تصل الأمور إلى هذا المستوى من الشلل التعليمي؟

ج ـ استمرار الإضراب للعام الدراسي ٢٠٢٤- ٢٠٢٥ هو نتاج طبيعي لإهمال تراكمي دام سنوات، ولم يكن مفاجئًا أن يصل الوضع إلى هذا الشلل، فالمعلمون يتقاضون مرتبات لا تتجاوز 50 دولارًا شهريًا، بينما تكاليف المعيشة تفوقها بعشرات المرات، وعلى المستوى الشخصي حذرت في العديد من المقترحات والتصريحات من أن تجاهل مطالب النقابات والمعلمين المشروعة سيدمر العملية التعليمية، وللأسف، تحولت المدارس إلى ساحات احتجاج لأن الحكومة لم تقدم سوى وعوداً ورقية، مثل صندوق دعم التعليم الذي ظل حبرًا على ورق منذ يناير 2025.

وتداعيات ذلك كانت متوقعة؛ حيث فقد الطلاب ربع عامهم الدراسي، وحرم جيل كامل من التعليم، وانهارت هيبة المدرسة، ولو أن الجهات المعنية استمعت مبكرًا لصيحاتنا بتبني حلول جذرية – كرفع الرواتب أو إصلاح هيكل الأجور – لما وصلنا إلى هذا، فاليوم الإضراب لم يعد خيارًا للمعلمين بل ضرورة للبقاء، والحل يبدأ بالاعتراف بفشل السياسات الترقيعية والبدء فورًا في حوار جاد يلامس جذور الأزمة.

س ـ بصفتك مستشارًا بالوزارة، ما هي الحلول الجذرية التي تراها قابلة للتطبيق الفوري لإنهاء الإضراب، خاصة مع تدهور رواتب المعلمين إلى 9% من قيمتها قبل 2015؟

ج ـ لا بد من تطبيق إجراءين فوريين: أولًا، صرف الرواتب للمعلمين وربطها بسعر صرف ثابت وعادل لضمان وصولها كاملة دون انخفاض القيمة، ووضع ضمانات تنفيذ واضحة لأي اتفاق وجدول زمني ملزم، ثانيًا، لا بد من مخاطبة المعلمين بصدق حول الإمكانيات والبدء بحلول واقعية ولو جزئية تبعث برسالة احترام واهتمام حقيقيين. وهذه الخطوات ستوقف نزيف الثقة وتنهي الإضراب خلال أيام، فإذا لم يشعر المعلم بأن هناك نية فعلية لتقدير جهوده وتحسين وضعه فالإضراب سيستمر، وربما يتوسع وهو ما سيترك أثرا كارثيًا على الأجيال القادمة.

س ـ هل هناك آليات بديلة عن الإضراب تحقق مطالب المعلمين دون تعطيل الدراسة؟

ج ـ نعم، هناك بالفعل آليات بديلة يمكن أن يلجأ إليها المعلمون لتحقيق مطالبهم دون تعطيل العملية التعليمية، وللأسف قد استنفدت كافة الآليات، والحقيقة يجب أن يدرك الجميع أن التعليم لا يجب المساس به، لكن نجاح هذه البدائل يتوقف على وجود قنوات حوار فاعلة وصادقة واستعداد حكومي للاستماع والاستجابة، وللأسف فشلت الحكومة بوعودها. ومن رأيي، كان هناك خطوتان يجب على النقابات تنفيذهما قبل الإضراب، وهما:

  1. الضغط الإعلامي والتواصل مع الرأي العام من خلال حملات إعلامية موحدة ومهنية تبرز معاناة المعلمين وتكسب تعاطف المجتمع، ما يزيد الضغط على الجهات المعنية، لكن دون أجندات سياسية.
  2. اللجوء إلى القضاء وتقديم دعاوى قانونية أمام المحاكم الإدارية، وشكاوى رسمية جماعية إلى المؤسسات الرقابية المحلية أو الدولية، خاصة أن هناك وعودًا حكومية غير منفذة.

س ـ إلى جانب هذا الإضراب.. ما أبرز التحديات التي تواجه المدرسة اليمنية في أداء دورها؟

ج ـ تشهد اليمن أخطر تحد تعليمي في تاريخ المنطقة الحديث؛ وهو الانهيار الشامل لكوادر التدريس، فقد حولت الحرب المدارس إلى مسرح لهجرة جماعية، حيث فر آلاف المعلمين من مهنتهم تحت وطأة الرواتب الزهيدة التي لم تعد تكفي لشراء قوت يومهم، فمنهم من انضم إلى صفوف الجيش أو المليشيات بحثًا عن لقمة العيش، وآخرون هربوا عبر الحدود يجرون أذيال الخيبة، بينما اضطر كثيرون إلى حمل أدوات النجارة والسباكة أو تسلق قوارب الصيد في جنوب البلاد، محولين خبراتهم التربوية إلى مهن تكافح من أجل البقاء.

ولا تقتصر المعاناة على هروب الكفاءات، بل تمتد إلى شح الموارد التعليمية الأساسية، فالكتب المدرسية، والتي هي رمز العلم الأول، أصبحت سلعة نادرة بسبب شح التمويل الحكومي وتداعيات النزاع المسلح، مما أجبر الطلاب على تداول كتب بالية تعود لسنوات مضت، كما يرافق هذا النقص انهيار منهجي في الكادر التعليمي المتبقي، فعمليات التوظيف الرسمية متوقفة منذ عقد كامل، بينما ينسحب المزيد من المعلمين تحت ضغط الغلاء الفاحش، محولين ساحات المدارس إلى منصات لإضرابات متكررة تطالب بحق إنساني أساسي هو كرامة العيش.

وتكتمل حلقة الدمار بتدهور غير مسبوق في البنية التحتية للمدارس، فالمباني التعليمية، والتي يفترض أن تكون حصونًا للمعرفة، تعاني تشققات عميقة في جدرانها ونوافذها المحطمة، دون أي مشاريع جديدة تذكر منذ اندلاع الحرب عام 2015، بسبب تجميد موازنة التعليم لصالح الصراعات، وهذه المباني المهترئة لم تعد قادرة على استيعاب التلاميذ، خاصة مع تحول بعضها إلى ملاجئ للنازحين أو ثكنات عسكرية، أيضًا تتفاقم الأزمة بانقطاع شبه دائم للكهرباء والمياه، وغياب خدمات الإنترنت، مما جعل الفصول الدراسية بلا أدنى مقومات التعليم الحديث.

س ـ في رؤيتك التي وضعتها لإنقاذ التعليم في ظل الحرب دعوت لإلغاء امتحانات الثانوية العامة لتحل محلها التقييم التراكمي.. كيف يمكن تطبيق هذا في ظل انعدام البيئة التعليمية الأساسية، وهل هناك نماذج نجحت في دول مماثلة؟

ج ـ نعم، دعوت لإلغاء امتحان الثانوية العامة بصيغته الحالية؛ لأنه أصبح شكلًا من أشكال العبء النفسي والمالي على الطلاب والأسر، ولا يعكس حقيقة التحصيل العلمي، وفي ظل غياب البيئة التعليمية الملائمة فإن الاعتماد عليه كمؤشر وحيد للنجاح أو الفشل أمر غير عادل وغير تربوي.

التقييم التراكمي ليس بديلاً اعتباطيًا، بل هو نظام قائم على تقييم أداء الطالب خلال سنوات الدراسة، من الصف الأول الثانوي إلى الثالث الثانوي، ويأخذ في الاعتبار درجاته وأنشطته والمشاركة الصفية، لينتج تقييمًا أكثر شمولية وعدالة.

ورغم صعوبة الوضع، فإمكانات التطبيق موجودة من خلال إعداد سجل إلكتروني وورقي بسيط في كل مدرسة لتوثيق أداء الطلاب تدريجيًا تحت إشراف الإدارة والمعلمين، وإعادة تدريب المعلمين والموجهين على آليات التقييم المرحلي والموضوعي، وربطها بمعايير واضحة، واعتماد آلية رقابة وتدقيق من المديريات التربوية لضمان النزاهة وتوحيد المعايير، وأيضًا استخدام أسلوب التقييم المختلط في البداية؛ التقييم التراكمي بنسبة 60%، وامتحان نهائي بسيط بنسبة 40%، إلى أن تتعزز الثقة بالنظام الجديد.

س ـ برأيك، هل يمكن فصل حل أزمة التعليم عن الحل السياسي الشامل في اليمن؟ وما الحد الأدنى من الإصلاحات القابلة للتنفيذ فورًا لحماية ما تبقى من العملية التعليمية؟

ج ـ لا يمكن فصل أزمة التعليم عن السياق السياسي العام في اليمن؛ لأن التعليم لا ينمو في فراغ بل يتأثر بشكل مباشر بالانقسام السياسي، وتعدد السلطات، وغياب القرار المركزي الموحد، ومع ذلك الانتظار حتى الحل السياسي الشامل لم يعد خيارا ممكنًا، لأن كل يوم تأخير يعني جيلا جديدا من الطلاب المحرومين من التعليم.

لهذا من المهم العمل على مسارين متوازيين: الضغط من أجل الحل السياسي، وفي الوقت نفسه تنفيذ الحد الأدنى من الإصلاحات العاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ومن الممكن أن نقول أن أبرز الإصلاحات القابلة للتنفيذ تتمثل في توحيد السياسات التعليمية عبر التنسيق بين المناطق المختلفة على مستوى المناهج مواعيد الامتحانات وسلامة العملية التعليمية ولو من خلال لجان تربوية مستقلة عن الصراع، و إطلاق صندوق طوارئ للتعليم تموله جهات مانحة ومنظمات دولية ويخصص لصرف مرتبات المعلمين والموظفين التربويين كأولوية مطلقة، وأيضًا تفعيل اللامركزية التعليمية من خلال تمكين إدارات المديريات التعليمية من اتخاذ قرارات مرنة تناسب واقع كل منطقة دون انتظار توجيهات مركزية معطّلة.

وإضافة إلى ما سبق نرى ضرورة إدماج التعليم المجتمعي والرقمي عبر دعم مبادرات التعليم البديل والمدارس المجتمعية وتوسيع التعليم الإذاعي أو عبر الإنترنت بما يتناسب مع الإمكانيات المحلية، وأيضًا استغلال الدعم الدولي ليس فقط في البنية التحتية بل في تدريب المعلمين وتوفير المناهج وتطوير آليات التقييم.

س ـ أشرت سابقًا إلى أن المستشارين التربويين "بلا صلاحيات حقيقية". كيف يعيق هذا إصلاح النظام التعليمي؟

ج ـ نعم، هذه حقيقة مؤسفة في أغلب مؤسسات الدولة، ونعاني ذلك للأسف في وزارة التربية والتعليم وبشكل متعمد رغم أن المستشارين يفترض أن يكونوا عقلًا يدير الرؤية، ويقترح السياسات، ويوجه القرارات.

وغياب الصلاحيات الفعلية للمستشارين التربويين هو الورم الخبيث الذي يفشل أي إصلاح، فنحن نقدم الدراسات والحلول (كالتقييم التراكمي وإصلاح الرواتب) لكن القرارات تختطف من قبل كبار المسؤولين الذين يفتقرون لأدنى خبرة تربوية، بل يحولون التعليم إلى ساحة لمصالحهم، والنتيجة أننا تحولنا إلى ديكور بيروقراطي فبينما تستمر الكارثة تدفن خطط الإصلاح في الأدراج، والمعلمون يضربون، والطلاب يغشون في امتحانات بلا مصداقية.

الحل الوحيد هو إعادة تعريف موقع المستشار ضمن الهيكل الوزاري ومنحه الصلاحيات الاستشارية الحقيقية في إعداد السياسات، وتقييم أداء القطاعات، وتقديم تقارير دورية ملزمة للوزارة، والمشاركة في اللجان الفنية والتنفيذية، فبدون ذلك سنظل ندور في حلقة من الفشل الإداري حيث تتخذ القرارات في معزل عن الخبرة، وينفذ الإصلاح بلا توجيه تربوي حقيقي.

س ـ كيف ترى مستقبل التعليم في اليمن في ظل الظروف الحالية؟

ج ـ مستقبل التعليم في اليمن في ظل الظروف الحالية يقف عند مفترق طرق حاسم فإما أن ينظر إليه كأولوية وطنية عاجلة، أو يترك لمصيره المجهول؛ مما يعني تدمير أجيال كاملة وحرمان الوطن من أهم أدوات النهوض.

ويبدو مستقبل التعليم في اليمن قاتمًا في ظل استمرار الحرب والنزاع المسلح، حيث ألحقت هذه الصراعات أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية للمدارس، ودفعت بالمعلمين إلى الهجرة أو امتهان أعمال بديلة، كما تسببت في نقص حاد في الموارد التعليمية والكتب والمستلزمات الدراسية، وهذه الظروف جعلت من العملية التعليمية تجربة هشة وغير مستقرة، تنعكس سلبًا على الأجيال الصاعدة، مما ينذر بتراجع طويل الأمد في مؤشرات التنمية البشرية، ما لم يتم تدارك الوضع بخطط عاجلة وشاملة.

لكن أن لم تحدث تحركات جادة وقرارات مسؤولة على الأقل لحماية الحد الأدنى من العملية التعليمية فإننا نخاطر بمستقبل لا يقل خطورة عن آثار الحرب ذاتها.

ولتحقيق تحول ملموس، لا بد من تبني استراتيجية متكاملة تبدأ بإيقاف الحرب بوصفه المدخل الأساسي لإنقاذ التعليم، والاعتراف السياسي بأن التعليم أولوية وطنية لا تفاوض عليها مع إعادة تأهيل المدارس، وتدريب المعلمين، وإيجاد حلول عاجلة تضمن بقاء المعلم في المدرسة بكرامة وأمان وظيفي، فضلًا عن تعزيز الشراكات مع المجتمع الدولي والمنظمات المانحة لتوفير دعم تقني ومالي مستدام.

كما ينبغي التركيز على تنمية المهارات والقيم الأخلاقية لدى الطلاب، وتفعيل دور الأسرة والمجتمع المحلي في دعم العملية التعليمية، بما يسهم في ترسيخ مفهوم المواطنة والتعليم بوصفه حقًا وأداة لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدلًا.

موضوعات متعلقة