النهار
الإثنين 7 أكتوبر 2024 01:51 صـ 3 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: ألغام برلمانية فى قانون الإجراءات الجنائية

أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

بداية أنا أكنَّ كل احترام لزملائى نواب البرلمان على اختلاف توجهاتهم، ولكننا كنا كنواب مستقلين ندعم الدولة المصرية بالمواقف، وننحاز للمواطن الذى جاء بنا إلى البرلمان، سواء خارج مصر أو فى الداخل.

وخير دليل على ذلك ما قمت به كنائب مستقل ورئيس تحرير لجريدة النهار المستقلة، فى لجنة حقوق الإنسان بجنيف التابعة للأمم المتحدة، فى شهر أكتوبر الماضى، فى وجود السفير النابه إيهاب عبد الأحد جمال الدين، رئيس بعثة مصر فى جنيف، من كشف لجرائم إسرائيل فى غزة والضفة الغربية والقدس، والأخطر أيها السادة النواب، هو اعتراض مندوب إسرائيل وبريطانيا على كلمتى أمام 193 دولة، والمسجلة بالصوت بالصورة، وكذلك ما قلته عن أن مصر تتعرض لحملة شائعات وأكاذيب على مدار الساعة يوميًا من الجماعات الظلامية ومن بعض أجهزة الاستخبارات العالمية.

وهذا هو مدخلى للحديث عن الإصلاح التشريعى من خلال قانون الإجراءات الجنائية الذى يناقَش داخل اللجنة النوعية للشئون الدستورية فى مجلس النواب، وأيضًا ضرورة مناقشة أخطر قانون لا يقترب منه أحد وهو قانون تداول المعلومات الذى ما زال حتى الآن ممنوعًا الاقتراب منه، لأن مصر يا سادة تتعرض من خلال مثل هذه الملفات المتعلقة بالحقوق والحريات إلى حملات مسعورة فى الداخل والخارج، وعلى رأسها قانون الحبس الاحتياطى الذى كان أداة مثالية لبعض الجماعات الظلامية لنشر الأكاذيب والشائعات.

وكما قلت كثيرًا وأكررها إنه آن الأوان بعد الاستقرار الأمنى الذى يشهد به الأعداء قبل الأصدقاء أن نفتح الأبواب والشبابيك للآراء المعارضة قبل الموالية طالما أننا جميعًا نعيش فى خندق هذا الوطن، ونحافظ على أمنه القومى من خلال محتوى تشريعى ودستورى وقانونى، وصحفى جديد.

ولكن أن يقوم البعض للأسف الشديد- وهم قلة- بمحاولة شخصنة القوانين والقضايا، والهجوم غير المبرر على مجلس نقابة الصحفيين المنتخب من خلال الصندوق الانتخابى وليس القوائم المطلقة– وكلنا يعلم كيف جاء البعض- وعلى نقيب الصحفيين خالد البلشى الذى يعبر عن رأى الجماعة الصحفية، فهذا يعيدنا للنقطة صفر فى محاولة الوصول لقانون يحظى بقبول الشعب والفئات المتضررة من هذا القانون، والمواطن المصرى العظيم يتابع ويقيم ويفرز، ويعرف فى النهاية من يريد صالح هذا الوطن ومن يريد أن يعبث بمقدراته.

فنحن لن نعيد اختراع العجلة التشريعية، ولكننا نعيد صياغتها لتسير على الطريق الصحيح، وأولى خطوات ذلك هى الفصل بين السلطات، من خلال التوازن الموضوعى الذى يحقق العدالة بشكل واقعى، وأى نظام سياسى يجب أن يقوم على التعددية واحترام الحريات وحقوق الإنسان والاستماع إلى صوت المستقلين الذين لا ينتمون إلى أى أحزاب، وليس لهم غاية شخصية.. وأعتقد أن هذه هى توجهات الدولة المصرية الآن.

أما قانون الإجراءات الجنائية فأعتقد أنه يجب النظر بعين الاعتبار إلى الملاحظات التى أبداها العديد من الفقهاء الدستوريين والقانونيين، ونقابتا الصحفيين والمحامين، فأى قانون فى العالم، وخاصة عندما يكون قانونًا هامًّا وحساسًا ويعالج ثغرات عمرها أكثر من 75 عامًا، لا بد أن تخصص له جلسات استماع مجتمعية ومتخصصة مع الفئات الأكثر تعرضًا لهذا القانون، فإذا كان بعض فقهاء القانون يقولون إن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد يتعارض مع بعض مواد الدستور وبه انتهاك لحق المتهم فى الدفاع عن نفسه، وبه تقييد واسع لحرية المتهم الذى لم يثبت عليه الجرم وبه إطالة لمدد الحبس الاحتياطى، وهو ما يخالف المواد «54، و55، و62 و96 و98» من الدستور، فإنه يجب النظر بعين الاعتبار لهذه التخوفات.

فكرامة المواطن المصرى حق وليست منة من أحد، ويجب ألا تدخل فى مزاد الولاءات، خصوصًا أن هذا القانون يتعلق بآليات ضبط المتهم وآليات التحقيق معه وآليات محاكمته، وبالتالى يجب أن يخرج بطريقة منضبطة ودقيقة، ولا يخلق أزمة قانونية أو دستورية، أو يكون به ثغرات أو مجاملات، حتى يمكن تطبيقه على أرض الواقع، فهو قانون مجتمعى فى دولة تحترم الدستور والقانون، ولِمَ لا؟ ونحن من أوليات الدول التى كان بها برلمان واحترمت ما يصدره من قوانين وتشريعات، لأن الهدف فى النهاية هو خدمة المواطن حتى لا يشعر بأى اضطهاد أو تمييز أو تقييد.

والحقيقة أننى انزعجت من بيان زملائى فى اللجنة التشريعية ضد الجماعة الصحفية، لمحاولة تحييدها وإخراجها من المشهد، رغم أنها فاعل ولاعب رئيسى فى ملف الحريات والحبس الاحتياطى، لأن أول من يدفع ثمن هذا هو الصحفى والجماعة الصحفية، وكما قال شارل ديجول فى فرنسا بعد الثورة (إذا كان القضاء بخير ففرنسا بخير) أقول (إذا كان الصحفيون بخير فصاحبة الجلالة لسان حال الناس بخير أيضًا).

وأخشى ما أخشاه أننا نصدر تشريعًا يخلق أزمة دستورية، أو مخالفة تشريعية، لأن التمييز أثناء إصدار التشريعات هو «جريمة دستورية» وليس مخالفة فقط، ويجب معالجة ذلك من خلال جلسات استماع لكل الآراء قبل إصدار قانون مثل قانون الإجراءات الجنائية، فالنصوص القانونية والدستورية ليست نصًّا مقدسًا ولكنها اجتهادات بشرية تصيب وتخطئ، وهى قابلة للتعديل والتبديل حسب احتياج المجتمع، والواقع هو الذى يفرض التغيير التشريعى.

و«أقترح» إدراج النص على الفصل بين سلطة التحقيق وسلطة الاتهام، كمادة رئيسية فى مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وكذلك النص على حق المتهم فى الطعن على قرارات قاضى التحقيق أمام محكمة النقض كمادة أساسية أيضًا، مع ضرورة مراجعة كافة القوانين ذات الصلة مثل قانون المحاماة، للتأكد من عدم وجود تعارض بين مواد القانون الجديد وهذه القوانين.

كما «أقترح» تشكيل لجنة يرأسها قاضٍ بالمحكمة الدستورية العليا، وتضم ممثلين عن نادى القضاة، ونقابة المحامين، ونقابة الصحفيين، والنيابة العامة، لمراجعة مشروع القانون بصورة دقيقة قبل عرضه على البرلمان، لأننا أمام قانون يحدد مستقبل العدالة الناجزة فى مصر.

وأخيرًا همسة فى أذن زملائى نواب البرلمان: إن الصحافة المصرية تعمل فى خندق الوطن، وكانت صاحبة أول صرخة على سلالم نقابة الصحفيين ضد الجماعات الظلامية من خلال شعار «يسقط يسقط حكم المرشد».