الخميس 9 مايو 2024 12:08 مـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

فن

المخرج الفلسطيني محمد فرحان الكرمي لـ”النهار”: ” غراب البين ” يفضح أطماع المستوطنين

المخرج الفلسطيني محمد  فرحان الكرمي
المخرج الفلسطيني محمد فرحان الكرمي

تتميز السينما الفلسطينية بخصوصية واقعها ودلالات الفلسفة البصرية التي تزدحم بتفاصيل الواقع المعاش في فلسطين، نظرًا للاحتلال الإسرائيلي الجاثم على صدر الشعب هناك، ومحاولاته الغاشمة في استهداف الأرض والإنسان على مدى 75 عاما، من المعاناة والمواجهة حتى هذه اللحظة، حيث لاحظنا أن هذا الواقع المرير حاضر في السينما الفلسطينية بقوة، فعلى مدى سنين عديدة تبوأت السينما الفلسطينية مكانة متميزة بالأعمال التي تحكي تفاصيل الحياة بمختلف مناحيها في مكتبة السينما العربية، بل تجاوزت حدود المنطقة العربية، لتصل هذه الأفلام الى العالمية وتزاحم في جوائز عالمية مرموقة.

"النهار" حاورت أحد فرسان السينما الفلسطينية المخرج محمد فرحان (الكرمي) ليحكي لنا الواقع المرير بالأراضي المحتلة وعن أعمالة التي جسدت مسار القضية الفلسطينية وامتازت بهذه الخصوصية التي تحدثنا عنها في مستهل الحديث.

حدثنا عن نشأتك وبداياتك الفنية بمجال الاخراج السينمائي ؟

بداية أتقدم بالشكر الجزيل لك شخصيًا "أستاذة عبير" ولجريدتكم الغراء التي أتاحت لي فرصة التحدث عن هذه التجربة، فأنا فلسطيني ولدت في مخيم طولكرم للاجئين، وهي مدينة تقع الى الشمال من الضفة الغربية في فلسطين، ترعرعت وتعلمت وكبرت في زقاق هذا المخيم، ومن ثم سافرت الى السودان، لأكمل دراستي الجامعية في مجال الاعلام، ومكثت سنوات، وبعدها عملت في عدد من القنوات والاذاعات في فلسطين، والأردن، اعلامي ومقدم برامج، وأخرجت وقتها العديد من الأفلام الوثائقية، التي حازت على جوائز وتقدير من عدة جهات ودول، الا أن حبي للإخراج السينمائي ظل يلح على، حيث توجهت الى مصر ودرست الإخراج السينمائي، فامتهنت الصنعة وأخرجت العديد من الأعمال السينمائية.

وما الدافع الذي جعلك تتجه نحو الإخراج ؟

كان الشغف هو الدافع لأن أمتهن هذه الصناعة، فالمخرج من المفترض أن يكون حالة شعورية تتأثر كثيرًا بمايحدث حولها، لأنه نصف شاعر ونصف رسام، بل هو نصف مجنون أحيانا، لكنه حالم هائم، فالواقع الذي نحياه له خصوصية، وطالما نحن نرزح تحت إحتلال وحشي يتحكم بتفاصيل حياتنا، فهي خصوصية واقع خارج عن المألوف، اذ نعيش نصف حياة، لكن بألم كامل نعانيه بتفاصيل حياتنا، هذه التفاصيل المتصدعة والمشرعة بالوجع، فالمحتل دائمًا يصر بكل ما أوتي من وحشية وسادية بايقاع أشد المعاناة لشعب كامل، فمشهديتنا مدماة ونازفة، والذاكرة مكتظة بالصور المتشظية، المثخنة بالذكريات الجريحة، فكل هذا حتما سيدفعني كمخرج إلى صناعة مشهدية من نوع خاص، أحاكي بها واقعًا أعيشه بكل تفاصيله، وأصنع منه نسيجا سينمائيًا كما أراه في مخيلتي.

رغم مشاهدتنا حاليًا لفظاعة المناظر التي نشاهدها في غزة وبفلسطين عمومًا، ألا تتفق معي أننا بحاجة أن نصنع أعمالاً سينمائية تعزز الأمل بغد أفضل ؟

حتما نحن حريصون على أن لا يموت هذا الأمل، فشعبنا شعب حي متفائل دائمًا، ومقوماته في الصبر والصمود هو الأمل، فكما قال الشاعر محمود درويش، نحب الحياة ما استطعنا اليها سبيلا، وأيضا قال: على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وما يحدث اليوم هو دفاع عن الحياة التي نحبها ونريدها، وليس التي فرضها علينا المحتل، وفي كل أعمالي تجدين هذا الخيط المضيء من الأمل المنشود بالانعتاق والحرية حاضرًا وبقوة. فرغم سوداوية المشهد في الأعمال السينمائية، والذي ينعكس من خلال الوضع الراهن، تشاهدين البسمة والفرح والأمل أيضًا في السياق الدرامي بشكل ملحوظ.

حدثنا عن أبرز الأعمال التي قمت بها وماهي القصص التي تتمحور من خلالها هذه الأفلام ؟

سأذكرها غير مرتبة زمنيًا، لقد قمت بإخراج العديد من الأفلام السينمائية، مثل فيلم (ستائر العتمة) وهو يتحدث عن واقع الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وفيلم (ضوء رمادي) وهو فيلم قصير، أتطرق فيه إلى العدوان على غزة وتدور القصة حول امرأة مقعدة كبيرة في السن، ولها ابنة تعمل ممرضة في أحدى المستشفيات الفلسطينية، يتعرض بيتها إلى القصف ليتصاعد الفيلم طرديًا مع معاناة هذه المعدة الجريحة.

وماذا عن فيلمك غراب البين؟

فيلم قصير، كوميديا سوداء، يتحدث عن أطماع المستوطنين في الأرض، واختلاقهم خرافات وأساطير مكذوبة لتبرير سرقة الأراضي من الفلسطينيين.

حدثنا عن فيلم ميلاد مر؟

هذا الفيلم شارك فيه نخبة من الفنانين الفلسطينيين والأردنيين، تم تصويره في الأردن وفلسطين، وتتمحور قصة الفيلم حول امرأة متزوجة حملت بعد 15 عامًا، فيما كان الزوجان فرحان جدًا بهذا الحمل، إلا أن قوات الاحتلال تداهم القرية التي يسكناها، فتقتحم بيت الزوجين، وتمارس قوات الاحتلال أبشع صنوف العذاب بحقهما دون ذنب، مما يسفر عن اجهاض المرأة لجنينها بنهاية مأساوية، كما يجسد الفيلم وحدة الحال ما بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين.

وماذا عن فيلم نافذة ؟

نافذه هو فيلم قصير اجتماعي صامت، تم تصويره في الأردن، تدور قصة الفيلم حول ظلم زوجة من قبل زوجها ومنعها من زيارة أبيها المريض، كما يبرز الفيلم ذكورية هذا الزوج الغاشم، بحبس زوجته في البيت ومنعها من الخروج نهائيًا وهناك تفاصيل أخرى.

حدثنا عن ليلة على الحاجز؟

فيلمي الذي أرصد فيه معاناة الفلسطينيين الذين يتنقلون من مدينة إلى مدينة او من مكان إلى آخر، حيث ينصب جيش الاحتلال الحواجز الأمنية في الطرقات، للتنكيل بالمدنيين الأبرياء، حيث تسمى هذه الحواجز بحواجز الموت، فالكثير ممن قتل على تلك الحواجز، ثم تتصاعد الأحداث في الفيلم من خلال امرأة حامل تسكن في قرية، يقترب مخاضها لتضع مولودها، فيصحبها زوجها إلى المستشفى في المدينة، ليتفاجأ الزوج بحاجزلقوات الاحتلال، وتتصاعد الاحداث تباعا في المكان.

وفيلم أنا لست لي؟

تدورقصة فيلم أنا لست لي حول صحفي له تأثيرعلى مجتمعه، يتم الضغط عليه ليقبل العمل مع الدولة العميقة العالمية، مقابل التنازل عن مبادئه، فيكون في صراع مابين يخسر نفسه ومبادءه، أو يخسر حياته، وتتصاعد الأحداث دراماتيكيا، تم تصوير معظم المشاهد، حيث اضطررنا إلى عدم استكمال تصويره نظرًا للأحداث الجارية لدينا في فلسطين.

كيف يمكن للمخرج أو الفنان الفلسطيني أن يعمل في ظل الاحتلال وممارساته الغيرانسانية والتضييق الذي يفرضه عليكم؟

واقع الاحتلال في وطننا، ليس جديدًا علينا، نشأنا في ظل قتامته وصلفه، ومورس علينا كل أساليب البطش والتنكيل، وبالرغم من ذلك ليس أمامك غير خيار واحد، وهو الإصرار والتحدي والتكيف بطريقة ما، تستطيع خلالها وبالرغم من تعقيدات الواقع ،أن تصنع ما تريد، فالمخرج عندما يفكر أن يصنع فيلما، يهيء نفسه إلى رحلة من العقبات والتحديات، والمخاطر أحيانًا ، ففي كل مرحلة من مراحل انجاز فيلم، أو أي عمل فني، تجد جدارًا شاهقًا من تلك العقبات، وعليك أن تخترقه وتنفذ من خلاله، لتنجز المرحلة الأخرى، وهكذا، نعاني من ضغوط نفسية هائلة، حتى نستطيع أن ننجزفيلما مكتمل الأركان، وكم من المواقف التي تعرضت لها كادت أن تنهي العمل برمته وتفشله، بسبب صعوبة تنقل الكادر الفني، أو اقتحام قوات الاحتلال مكان التصوير، أو اعتقال أحد من الفريق الفني، لذلك أنا شخصيًا أضع خطة، بمعنى أن أجعل بدائل سواء للفنانين في حالة عدم تمكن حضور أحدهم، أو حتى اختيارموقع تصوير آخر، اذا استحال التصوير في المكان المعين، بسبب جعله منطقة عسكرية إسرائيلية مثلا، أو اغلاق الشوارع والطرق التي تؤدي اليه.

كيف يمكن للفن أن يساند ويدعم القضية الفلسطينية من وجهة نظرك؟

الفن هو القوة الناعمة، فلك أن تتخيلي أهمية السينما ومختلف الدراما بشكل عام وتأثيرها على الرأي العام، ولا سيما في صراع روايتين، هناك رواية المحتل الطارئ على هذه الأرض، وما اوتي من دعم غير محدود ماديًا ولوجستيا، ورواية الحقيقة العادلة، بالحق الفلسطيني، وكشف زيف هذا المحتل واجرامه، اذن فالهوية مكمن الصراع، ونحن رأينا في هذه الفترة كم غيرت الصورة الفظيعة من المجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ، مفاهيم ونمط حياة في العالم كله تغيرت، وأسقطت زيف ادعاء قوى الاستكبار المتشدقة بحقوق الانسان، هي الصورة اذن ومفاعيلها، فالأمر بات ملحا في هذه المرحلة أكثر مما مضى لترسيخ الحق الفلسطيني في ذهنية المشاهد، ولدينا القصص الإنسانية الكثيرة، التي تحتاج الى القاء الضوء عليها، مايحدث في غزة وفي فلسطين ككل الآن، لربما لم يحدث في التاريخ من حجم المجازر ووحشية فاقت كل حدود لهذا المحتل الغاصب، لذلك علينا كأبناء لهذه الصناعة السينمائية تعزيز الوعي، وتوظيف القصص التي فاقت التصور لخدمة قضيتنا الفلسطينية، عبر أعمال سينمائية، وتعرية هذا المحتل الذي يدعي الديمقراطية والإنسانية، ومن هذا المضمار أقول يجب مساندة الرواية الفلسطينية، وهي في أخطر وأحلك مراحلها، والعمل المشترك عربيًا وليس فلسطينا لانتاج أعمال تصب في اسناد القضية الفلسطينية، بمعنى أدق نحتاج الى المنتج العربي ، للعمل على انتاجات ترقى ومستوى الحدث.

ختامًا المخرج المتميز "محمد الكرمي" هل هناك أعمال فنية جديدة في الفترة القادمة تنوي القيام بها؟

هناك بعض الأعمال لدي التي توقفت بسبب عدم توفر الإنتاج المالي، أذكر منها: عمل فني يتحدث عن المجاهد الشهيد (فرحان السعدي)، الذي كان من أبطال حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث كان ثائرا ضد بريطانيا التي احتلت فلسطين آنذاك، وقامت في تمكين المشروع الصهيوني لاحتلال فلسطين مكانها، قصة درامية مثيرة، تستحق أن ترى النور، وعمل آخر توقف أيضا وهو(المعصرة) قصة مثيرة تلقي الضوء على بطلها وهو اسماعيل الذي يعيش حياة يتم بائسة، ليكبرهذا البطل ويلتحق بالثوار لمجابهة بريطانيا والمجموعات الصهيونية، هذه القصة تعتبر جامعة لكل الشخصيات التاريخية مثل: الشاعر إبراهيم طوقان، والشاعر عبد الرحيم محمود، وأبطال كثر، يعتبر هذا العمل ملحمة اذا تم انجازه ، لأنه يشكل علامة فارقة في فترة الثلاثينيات، نظرا للأحداث المفصلية التي آلت اليها القضية الفلسطينية، وزخم الأبعاد الاجتماعية والإنسانية في تلك الحقبة، وهناك أيضا بعض الأعمال المهمة ،التي تنتظر الانتاج لانجازها كما تنتظرالقنوات العربية لتسويقها، أتمنى أن يكون منبركم هذا فرصة تتاح لاسناد الأعمال السينمائية والدرامية في اطار تعزيز الرواية الفلسطينية.

ختامًا أشكر المخرج الفلسطيني المبدع على هذا الحوار الثري الشيق، متمنية أن يكون هناك مبادرات حقيقية للانتاج العربي في دعم السينما الفلسطينية، وأن يلقى حديثه صدى عند المنتجين العرب والقنوات العربية لتعزيز الرواية الفلسطينية.

موضوعات متعلقة