الجمعة 19 أبريل 2024 08:33 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: ميسى وعباءة أمير قطر

النائب أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار
النائب أسامة شرشر- رئيس تحرير جريدة النهار

توقفت كثيرًا أمام لقطة تاريخية أصبحت هى حديث العالم عندما قام الأمير تميم بن حمد، أمير دولة قطر، باستغلال هذا الحدث التاريخى الاستثنائى بإقامة مونديال كأس العالم لأول مرة فى دولة عربية إسلامية، لتدشين الهوية العربية ممثلة فى وضع العباءة العربية، على أحسن لاعب فى العالم (ميسى) أثناء تسلم كأس العالم.

وأصبحت هذه العباءة رسالة قوية للعالم تعطى معنى كبيرًا بأننا نصدّر القيم والأخلاق واحترام الآخر وحقوق الإنسان والتقاليد والعادات العربية المتوارثة؛ لأننا أصحاب حضارة حقيقية ولسنا مدعين جددًا.

وأعتقد أن (عباءة ميسى) هى أهم حدث فى نهائى كأس العالم، وسيتكلم عنها التاريخ الرياضى وستسجلها الذاكرة الرياضية على مستوى العالم، بعدما شاهد هذه اللقطة العبقرية قرابة 5 مليارات إنسان؛ مما يعطى رسالة أخرى أنك بالذكاء والخروج عن قيود المألوف والتقليدى يمكن أن تصدّر مشهدًا يمثل الهوية العربية والإسلامية لم يكن ليتحقق بهذا الإخراج لو أنفقت مليارات الدولارات.

والأخطر أنها رسالة للعالم أن الشعوب العربية والإسلامية ومعها الشعوب الإفريقية توحدت فى مونديال قطر، وأن رئة العالم كله تتنفس أكسجين كرة القدم، وهو ما أفاقت عليه دول أوروبا وأمريكا، بعيدًا عن العنصرية والاحتقار والنظرة الفوقية من دول الشمال لدول الجنوب على مستوى العالم، وعادت لغة التسامح واحترام القيم العربية الأصيلة للواجهة العالمية بعدما كانت مختزلة داخل النطاق العربى المحدود.

وهذا يعطى رسالة على الجانب السياسى أيضًا بأنه على الحكام العرب أن يستوعبوا هذا الدرس من الشعوب العربية بعيدًا عن الولاء والتبعية والخنوع للغرب، وأن يدركوا أن المواطن العربى والإفريقى قادر على الإبداع والتحدى والمنافسة، ليس من خلال استخدام أساليب عنصرية وشائعات واتهامات، وأن هناك بشرًا فوق البشر فى العالم، ولكن من خلال العمل الجاد والتخطيط المنظم واختيار الكفاءات.

كما أن الإعلان الأخير من بعض دعاة الحرية المزعومة بأنه فى حالة فوز فرنسا سيقوم اللاعبون برفع أعلام المثليين، قوبل برد عربى مثالى، وهو العباءة العربية الإسلامية، وافتتاح كأس العالم بالقرآن الكريم، حتى أصبح الأذان فى أذهان وذاكرة لاعبى 32 منتخبًا بالإضافة إلى مليارات المتابعين حول العالم.

فهل نفيق ونستفيق ونبنى على هذا الحدث الكروى الذى يعطى دلالات سياسية وإنسانية أننا نسير فى الطريق الصحيح وليس إلى المجهول؟ ولكن بشرط الاعتماد على إبداعات الشباب العربى الواعد، الذى استطاع أن يطوع التكنولوجيا الحديثة والسوشيال ميديا وسلاح الإعلام لخدمة المصالح العربية وليس الإسرائيلية أو الغربية.

وأهم ما لفت نظرى فى هذا المونديال الاستثنائى أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بشكل قوى جدًّا فى كل الملاعب وبين كل الجماهير، ورفض كل الجماهير العربية التعامل مع الإعلام الإسرائيلى، مما أعطى رسالة قوية لشعوب العالم بأن تفهم وتستوعب وتحترم التقاليد العربية، وأن التسامح واحترام الآخر لدى العرب يأتيان ليس من منطق الضعف كما يتصور البعض، ولكن من منطق القوة المبنية على الحضارة العربية التاريخية التى لا يستطيع أحد أن يشتريها ولو بكنوز الدنيا.

والنقطة الثانية أن ما صنعه وما فعله المنتخب المغربى ليس مجرد الوصول إلى دور الأربعة الكبار فى كأس العالم، ولكنه استطاع أن يعطى رسالة لكل المنتخبات العربية والإفريقية أن هذا المنتخب المغربى حقق المستحيل فى زمن المستحيل الرياضى عندما استطاع أن يبنى قاعدة من المبدعين الرياضيين وأن يؤسس أكاديميات رياضية ويصدّر لاعبين للخارج، لتكون هذه نتيجة هذه السياسة العلمية والتخطيطية المبنية على العلم والمعرفة وتطويع الطاقات الشبابية المغربية فى الملاعب العالمية ليتشكل منتخب وطنى كاد يصل إلى نهائى كأس العالم، واستطاع أن يقدم نموذجًا رياضيًّا حقيقيًّا؛ فليت الاتحادات العربية، وخاصة الاتحاد المصرى لكرة القدم، تستفيد من هذه التجربة العملية والواقعية، وأن يكون هناك نواة وقاعدة انطلاق لتصدير الموهوبين رياضيًّا للخارج لصقلهم وزيادة احتكاكهم بمدارس قوية، وليكون لدينا بدلًا من محمد صلاح واحد، عشرة أو عشرون محمد صلاح آخر منتشرون فى أكبر الدوريات الكروية على مستوى العالم.

والنقطة الأخيرة هى: هل تستطيع دولة عربية أخرى فى المستقبل أن يتم اختيارها من خلال البنية التحتية من ملاعب واستادات رياضية، لاستضافة كأس العالم الذى سيصبح عدد المنتخبات المشاركة فيه 48 منتخبًا؟!.

وهل نبنى على مؤتمر المناخ الذى تم عقده فى شرم الشيخ واستضافت فيه مصر كل رؤساء دول العالم لمناقشة ما يسمى التغيرات المناخية والبيئية، ليكون هناك حدث فى الرياضة المصرية وإحداث نوع من التغيرات الرياضية الحقيقية، وإبادة كل الأشخاص الذين أثبتوا بالأرقام والنتائج فشلهم فى كل الملفات من ملف المونديال، حتى تراجعت الكرة المصرية إفريقيًّا وعربيًّا، وبعدما كانت فى سنوات تحصد الذهب أصبح منتخبنا فاشلًا ومتراجعًا، لأن الرياضة المصرية حاليًّا مبنية على الفاشلين وعدم اختيار الكفاءات، وأصبح التصالح مع الفساد هو شعارها الرسمى، خصوصًا بسبب تعارض المصالح الذى يجعل أصحابها يدافعون عن مصالحهم ومكاسبهم الشخصية ولا يبحثون عن تطوير الرياضة، والضحية هو منتخبنا الوطنى.

ولا ننسى هنا السعودية التى استضافت مؤخرًا القمة العربية الصينية، ومنتخبها الوطنى الذى استطاع أن يفوز على منتخب الأرجنتين بطل العالم.

فهل نبنى على كل هذا ويكون لدينا قاعدة رياضية عربية فيها نوع من التنسيق والتعاون المشترك الحقيقى وليس منصات واتحادات منعزلة عن بعضها البعض؟!.

أتمنى أن يجتمع وزراء الشباب والرياضة العرب وأن ينسقوا ليكون هناك بنية رياضية عربية حقيقية تؤكد لشعوب العالم أن هناك نهضة رياضية عربية، قادرة على تصدير الموهوبين، وأن تكون رقمًا فاعلًا فى الرياضة العالمية وليس مفعولًا بها كما يجرى الآن.

على قدر نجاح قطر فى تنظيم هذه اللوحة الرياضية الرائعة التى أذهلت الأصدقاء قبل الأعداء، لكن الشارع المصرى الذى يمثل ثلث سكان العالم العربى تقريبًا يدور فى ذهنه وعقله وقلبه سؤال حائر هو: لماذا لم تصل مصر إلى كأس العالم؟ وهل لو وصل منتخبنا إلى كأس العالم كان أداؤه سيقارب أداء المنتخب المغربى الشقيق؟!.

إجابة هذه التساؤلات تحتاج إلى تشريعات حقيقية تعيد هيكلة الرياضة المصرية، وإلى بنية تحتية، وخطط علمية، والاستعانة بالكفاءات المهملة على المستويات وفى كل الاتحادات الرياضية.

ولا يمكن أن أختم مقالى دون أن أذكر اللواء الدهشورى حرب، رئيس اتحاد كرة القدم الأسبق، الذى كون فرقًا للشباب والناشئين من خلال تخطيط مدروس، واستطاع منتخبنا الوطنى أن يفوز ببطولة الأمم الإفريقية ثلاث مرات متتالية فى 2006 و2008 و2010، ولكن للأسف الشديد دخلت المجاملات والمحسوبيات الرياضة وكرة القدم فسقطنا جميعًا فى بئر الفساد المادى والاستديوهات التحليلية التى أصبحت وبالًا على كرة القدم المصرية.

أفيقوا يرحمكم الله.