الأربعاء 24 أبريل 2024 03:24 صـ 15 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
اللجنة التنفيذية لمبادرة ”التشخيص عن بعد” تتفقد 6 مستشفيات رئيس الإدارة المركزية للتمريض بالوزارة تشيد بأداء الادارة بالمديرية الشباب والرياضة بالدقهلية تطلق فعاليات دورة الإسعافات الأولية لأعضاء أندية التطوع قناة السويس تقرر استثناء اليخوت من رسوم خدمات الرباط والانوار الجديدة العثور على جثة شاب طافية داخل نهر النيل في قنا بريتني جرينر لاعبة السلة الأمريكية: كان لدي أفكار إنتحارية أثناء التواجد بالسجن الروسي عام 2022 على خطى لازمة أحمد العوضي ”أحلي ع الأحلي” ل محسن الشامى يقترب من 100000 مشاهدة أمين عام نقابة المهندسين السابق: سعر صرف الدولار سيشهد تراجعا مقابل الجنيه خلال الفترة المقبلة مصرع سائق دهسًا أسفل عجلات القطار في قنا محافظ الفيوم يعتمد حركة تنقلات لرؤساء المدن محافظ الغربية :ضبط طن وربع رنجة غير صالحة للاستخدام الآدمي وتحرير ٤٣ محضر صحي خلال الحملات التفتيشية محافظ أسيوط يلغي قرارات وكيل وزارة التعليم بتعين قيادات جديدة

مقالات

حلمى النمنم يكتب: عصر «ترامب»

حلمى النمنم- أرشيفية
حلمى النمنم- أرشيفية

انتشر بيننا -داخل مصر- فى السنوات الأخيرة، تعبير «خارج الصندوق»، البعض يتحدث عن ضرورة التفكير خارج الصندوق، وأهمية العمل خارج الصندوق، واتخاذ القرارات خارج الصندوق، والمقصود -على الأغلب- أن يكون التفكير والقرار ومن ثم العمل ليس وفق القواعد التقليدية، والتى باتت معروفة للكثيرين، من كثرة تكرارها ونمطيتها، لكن الخروج من الصندوق فعلياً جرى فى الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع الماضى، بفوز المرشح الجمهورى «دونالد ترامب» برئاسة الولايات المتحدة للفترة من يناير 2017 وحتى يناير 2021، كانت المنافسة بينه وبين السيدة هيلارى كلينتون، التى جاءت من داخل «داخل الصندوق»، أما هو فقد جاء من خارج الصندوق تماماً، ولم يتوقع من هم داخل الصندوق فوزه، وبناءً على هذا كانت السيدة كلينتون تتصرف فى الأسابيع الأخيرة بثقة زائدة، وفى بعض الحالات أخذت تتحدث وكأنها صارت رئيساً بالفعل، تأمل يوم راحت تسخر من اختيار الحزب الجمهورى لـ«ترامب» وتقول «لست متعاطفة معكم، أنتم من اخترتموه».. وكانت معظم الصحف والفضائيات الأمريكية معها قلباً وقالباً، وتهاجمه بضراوة، بما يذكرنا بحال كثير من الصحف والقنوات المصرية فى ديسمبر 2010 وأوائل يناير 2011، لكن الواقع والشارع كانا مختلفين تماماً.

ولعل من يشكون عندنا من أن الإعلام يقوم بـ«شيطنتهم» يستوعبون الدرس، وهو أن الحكم والقرار للشارع، حتى لو كان عكس كل ما يقول به الإعلام، ويذهب إليه كبار المعلقين.

القضية الآن ليست «الإعلام مع من أو ضد من؟»، بل هى «الشارع مع من وضد من؟». دعك من استطلاعات الرأى العام ونتائجها التى تأخذ طابع الدقة المتناهية وعادة تحمل رسالة وتوجيهاً سياسياً أكثر من كونها تقدم معلومة أو ترصد واقعاً، إنها على الأغلب «استطلاعات موجهة» تفتقد الأمانة المهنية والعلمية.

جرت الانتخابات على خلفية ضجر فى الشارع الأمريكى وعدد من الولايات، تم التعبير عنه فى الاحتكاك بين أفراد الشرطة الأمريكية مع المواطنين السود، بلغ ذروته فى مدينة «دالاس»، التى شهدت أحداث عنف حقيقية متبادلة بين الطرفين.

القواعد الديمقراطية سمحت بانتخاب مواطن أمريكى أسود ومن أصل أفريقى رئيساً للولايات المتحدة، والواضح أن المجتمع الأمريكى -خاصة قطاعاً من البيض- لم يتقبل الأمر، وربما كان ذلك أحد أسباب الاحتدام بين بعض رجال الشرطة البيض والمواطنين السود، ولا أتصور أن المجتمع الأمريكى كان مستعداً لتقبل أن تتولى امرأة الرئاسة بعد أوباما، خاصة أنها وعدت أن تسير على نفس سياسات أوباما.. ومن ثم ليس غريباً أن يختار هذا الشارع «المتململ» والغاضب الرئيس النقيض تماماً، وهكذا يأتى «ترامب»، بلونه الأبيض تماماً، وتصريحاته التى عبر فيها عن العقل الباطن داخل كثير من المواطنين الأمريكيين.

والواضح أن الديمقراطية ليست أفكاراً تقدمية ومستنيرة فقط، ولا هى نظريات جيدة ومنمقة الصياغة ومنطقية فقط، لكنها أيضاً أوضاع اجتماعية وإنسانية واقتصادية، تتقبل تلك الأفكار وتتمثلها بحق وبعمق، ولا تكون مجرد قشرة براقة، يخجل الإنسان العادى من رفضها بصوت عالٍ وإن لم يتقبلها فى أعماقه.

ما جرى داخل كل حزب يؤكد حالة التململ، داخل الحزب الديمقراطى تقدم فى المراحل الأولى «بيرنى ساندرز» وهو يمثل اليسار داخل الحزب، بالتأكيد ليس يساراً على غرار الستينات، لكن يحمل القيم العميقة لليسار ممثلة بالمقام الأول فى العدل الاجتماعى ومكافحة التهميش، لكن تغلبت عليه السيدة هيلارى، بما تحمله من روح سيطرة «العائلة»، هى زوجة رئيس سابق، وتولت من قبل وزارة الخارجية، وكانت «سيناتور» فى البرلمان، أى من داخل المؤسسة، وهناك انحياز مطلق لها داخل المؤسسة الإعلامية، باختصار وضح تصميم الحزب الديمقراطى فى مستوياته العليا على السير داخل الصندوق، وأن يستمر بالولايات المتحدة فى الطريق الذى أخذها إليه الرئيس أوباما، قبل 8 سنوات.

لنلاحظ أن الشىء نفسه كان داخل الحزب الجمهورى، كانت هناك رغبة فى ترشيح «جيم بوش»، نجل الرئيس بوش الأب، وشقيق بوش الابن، لخوض انتخابات الرئاسة، ورغم المحاولات والضغوط، كان واضحاً أن ذلك يعنى توريثاً عائلياً للرئاسة، أو ما يمكن أن نسميه «التوريث الديمقراطى»، والحادث أن دونالد ترامب تقدم الصفوف، رغم عدم ترحيب بعض قيادات الحزب الجمهورى، ورفض البعض الآخر، كان ترامب يمثل حالة تمرد على نظم مؤسسية وقواعد جعلت من الديمقراطية عملية «شكلية» أو روتينية.

ولم تكن تلك كل المفاجآت، ترامب رجل الأعمال شديد الثراء وجد جمهوراً داعماً ومسانداً من أبناء الطبقة العاملة وشريحة من الطبقة الوسطى، التى أضيرت من الأوضاع الاقتصادية، خاصة بعد أزمة عام 2008، ثم المزاحمة من المنتجات الصينية وغيرها، وبخلاف ما هو متوقع، وقفت الطبقة العاملة والمتوسطة خلف المرشح الرأسمالى، رجل الأعمال، ترى لو كان هناك مرشح يسارى، هل كانت ستسانده؟!!، وهذه الفئات ربما لا تجد تعبيراً جيداً عنها فى وسائل الإعلام، وبين المحللين المسئولين بقضايا وهموم أخرى.

وكما حدث فى الاستفتاء البريطانى على الخروج من الاتحاد الأوروبى، لم تكن أصوات الشباب المرجحة، نسبة كبيرة من الذين صوتوا لـ«ترامب»، تجاوزوا الخامسة والأربعين عاماً، أى ليسوا شباناً، أى إن المسألة هناك معكوسة، هنا نسمع أصوات الشباب أكثر.

ما حدث فى الولايات المتحدة وُصف بأنه زلزال، وهو كذلك بالفعل، كانت هناك إشارات وشواهد كثيرة على إمكانية حدوثه، لكن أحداً لم يتوقف عندها، وربما لم ينتبه إليها بالقدر الكافى، وكأى زلزال كبير له توابع، بدأت من لحظة إعلان فوز ترامب، حيث تقدم عدد من المواطنين الأمريكيين بطلب الهجرة إلى كندا أو غيرها، كما حدثت مظاهرات فى عدة مدن، تعبر عن رفض الرئيس الجديد، وهذا الزلزال يؤكد أن أحداً فى هذا العالم لا يمكن أن يعيش بمعزل عن الآخرين، ولا فى مأمن مما يتعرضون له، وما حدث فى الاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية سنة 1990، ثم ما جرى فى عالمنا العربى منذ ديسمبر 2010 فى تونس، كان لا بد أن يصل الولايات المتحدة، حتى وإن تأخر سنوات، وإن جاء بأسلوب وشكل مغاير يناسب المجتمع الأمريكى نفسه؛ المهم هو كيف يتعامل المجتمع وتتعامل مؤسسات الدولة مع هذا الزلزال وتوابعه؟!!

نقلا عن الزميلة "الوطن"