إبراهيم نصر :منزلي كان مقرًا لإفطار أحمد زكي في رمضان

داخل منزله بوسط البلد، يجلس الفنان إبراهيم نصر مشدوها ناحية التليفزيون، يتابع عن كثب كل ما يُعرض عليه، خلال ساعات ما قبل الإفطار، يشاهد المسلسلات والبرامج الجديدة، وبجواره ورقة وقلم، يدون بهما أسماء الأعمال التى تُعجبه ليستكمل مشاهدتها باقى أيام شهر رمضان الكريم، يقول نصر: «باتابع كل حاجة فى الأسبوع الأول، وباشوف الحاجات اللى تشد انتباهى وأعلم عليها»، وبعد الإفطار والصلاة يغادر منزله متجها إلى مكانه المفضل فى منطقة الحسين، «أحب أقعد جدا فى قهوة الفيشاوى»، عند وصوله يلتف حوله الناس، يتندرون على أيام «الكاميرا الخفية»، يبدون إعجابهم بحلقة عَلقت فى ذاكرتهم، يطالبونه بتنفيذ حلقات جديدة، بينما يبادلهم الابتسامات والحديث، «باعرف أتعامل فى الزحمة ومع الناس اللطيفة، وباضحك معاهم لأنى ماقدرش أزعلهم.. أنا من شبرا أساسًا».
كان نصر يملك صيتا جيدا فى الوسط الفنى، لكن لقاء قصيرا داخل مبنى الإذاعة والتليفزيون فى عام 1991 نقل دفة مسيرته إلى النجاح الكبير، عندما اصطدم بالأستاذ عبد المنعم غالى المنتقل حديثا من الأرشيف إلى القناة الثانية، فى أثناء مروره من أمام المبنى، بعد السلامات والتحية، عرض عليه الصعود إلى مكتبه فى الدور الثانى لطرح فِكرة طرأت فى رأس الأخير، وعند وصولهما إلى الغرفة، شرح لـ«نصر» حاجة التليفزيون الشديدة إلى عمل كوميدى قصير يلتف حوله المشاهدون، صمت للحظات قبل أن يقول فِكرته: «قولتله نعمل كاميرا خفية، بس ماتعملتش قبل كدا فى العالم بحاله»، وافق رئيس القناة الثانية على الفور، وأمر بتوفير سيارة وكاميرا له، والبدء فى تنفيذ برنامج «انسى الدنيا»، باكورة أعمال الكاميرا الخفية، التى صارت فى ما بعد البرنامج الأكثر مشاهدة فى شهر رمضان الكريم لسنوات عديدة.
فور بث الحلقة الأولى من «انسى الدنيا»، بدا واضحا أن النجاح حليف تلك التجربة، خصوصا أن نصر كان يملك كثيرا من الأفكار، يرافقهما موهبته الشديدة وحماسه للعمل، فأنهى الموسم الأولى من الكاميرا الخفية بمكاسب معنوية تفوق توقعاته، مما دعا طارق نور، صاحب شركة إعلانات حينذاك، إلى عقد اتفاق مع النجم الكوميدى على صناعة الجزء الأول من الكاميرا الخفية فى العام التالى، «عملى عقد محترم جدا، ووفرلى كاتب مميز زى فداء الشندويلى، ومخرج كبير زى رائد لبيب، وكاميرا وكل حاجة كنت باطلبها»، واتفق على إذاعة الحلقات فى شهر رمضان الكريم، ليصبح واحدا من الطقوس الثابتة لدى المصريين فى رمضان.
«سنة كاملة بتضيع من عمرى فى التحضير للحلقات»، كلمات يذكرها نصر بفَخر، بعد انتهاء رمضان، يجتمع بفريق العمل من الكاتب والمخرج، يقضى معهم عاما بأكمله فى البحث عن أفكار، وصياغتها، والبحث فى طريقة تنفيذها، ويمكن الاستقرار على عدد من الأفكار لكن لا يتم تصويرها فى النهاية، «باكون حافظ السكة وعارف أنا هأعمل إيه وييجى يوم التصوير وألغيها لما أحس إنها مش عجبانى»، يهتم الرجل بأن تخرج الحلقات صادقة لتصل إلى قلوب الناس، ويجرى العمل على قدم وساق طوال شهور السنة للانتهاء من كل الحلقات حتى تكون جاهزة للعرض قبل شهر رمضان الكريم. «النزول فى رمضان محك حقيقى لمدى حُب الناس ليك.. ولو كنت عملت حاجة مش لطيفة بيقولهالك».
فى ساعات عرض «الكاميرا الخفية» فى شهر رمضان، يتفرغ أفراد الأسر المصرية لمشاهدة الشخصيات الجديدة التى سيقدمها نصر فى برنامجه الشهير، ينصتون بكل اهتمام إلى الإفيهات المختلفة التى سيطلقها الفنان الكوميدى بلكنته الشبيهة للشخصية التى يؤديها، بعد الضحك وانتهاء الحلقة تنتقل كلماته إلى ألسنة الجميع «يا نجاتى انفخ البلالين عشان عيد الميلاد»، «كشكشها ماتعرضهاش» وغيرها من الكلمات الغريبة المضغوطة «عدد من الجُمل دى بتكون ارتجالية بتطلع على الهوا فجأة، ومنها حاجات بتبقى متحضرة قبل التصوير، بس بتكبر مع الوقت، زى بخ بخ بخ لو ماقولتش بخ هتبخ».
فرحة دبت فى قلب مُقدم الكاميرا الخفية، عندما أُعيدت إذاعة الحلقات فى السنوات الأخيرة خلال شهر رمضان، على إحدى القنوات الخاصة «كنت مبسوط جدا، وأنا شايفها لسه الناس بتابعها وجايبة إعلانات كأنها بتتذاع لأول مرة»، لم يكن الموضوع مفاجئا لـ«نصر»، لأن عقده مع طارق نور يسمح للأخير ببثها فى أى وقت وأى مكان، رحب بالخطوة، ووجد لها صدى فى الشارع المصرى لدى الجمهور، خصوصا مع وجودها وسط زحام من البرامج الجديدة التى تعتمد على المقالب «اكتشفت حاجة غريبة.. أنا بانسى الجمل بتاعتى، لكن الناس مش بتنساها خالص ولسه بترددها».
لا يتابع الكوميديان الكبير برامج الكاميرا الخفية المنتشرة فى شهر رمضان «باحس لحد كبير إنها مش مريحانى»، يفتقد كوميديا الموقف الجميلة البسيطة الخالية من العنف والضرب والخطورة، يتذكر مشاهدة لحلقة من أحد البرامج حينما تعرضت فنانة للإغماء من الصدمة وبكائها الشديد، ومطالبتهما لها بالضحك والحديث إلى الكاميرا فى نهاية الحلقة، تأثر لحظتها «أنا كنت هأعيط لما شوفتها بالمنظر دا.. معقول فيه كدا؟!». تكرار الأفكار أيضًا يغضبه، وهو ما تعرض له كثيرا بعد أن سُرقت أفكار حلقاته واستنسخت منها برامج كاملة «دا نوع من الإفلاس.. يعنى إيه الناس تقلد بعض».
منذ توقف برنامج الكاميرا الخفية، والبرامج الأخرى التى قدمها على عدد من القنوات المصرية والعربية، لم يتوقف أبدًا نصر عن البحث عن عمل جيد يعود به إلى الجمهور فى شهر رمضان، هناك مشاريع لم تكتمل، وأفكار حبيسة الأدراج، غير أنه قرر أخيرًا أن يُعيد البسمة على وجوه محبيه بعمل كوميدى قصير ومختلف قضى 5 أشهر فى الإعداد له، تحت اسم «الحقونا» من تأليف محمد كمال، بالاشتراك معه، وإخراج الشقيقين «سيد وعمرو سرور»، انتهى من تصويره هذا العام ويُذاع على القناة الرسمية للمغرب «قدمناه على قنوات مصرية حتى تعرضه، بس كان فيه تعنت»، قالها بحزن.
رغم أن إنتاج الأعمال الكوميدية مُكلف، لكن نصر تحمس للتجربة حتى تخرج إلى النور، حمل على عاتقه الأعباء المادية لتنفيذ «الحقونا»، «مدة الحلقة 15 دقيقة من أول ثانية لآخر ثانية ضحك»، تم تصوير 33 حلقة خلال 4 أشهر داخل مكتبه، وفيلا فى مدينة نصر، ومكان آخر يطل على النيل. «البرنامج بعيد عن السياسة، والنوع دا من البرامج اسمه استاند أب كوميدى»، ولا يزال فى انتظار انتهاء عرض حلقاتها للتفكير فى الخطوة الجديدة، «مش عارف لسه هأعمل إيه.. هأكون محتار فى العمل الجاى».
منزل الفنان الستينى لا يخلو فى رمضان من الفنانين المقربين إلى قلبه، وعندما يرى موهبة جديدة فى شهر رمضان، يطرح الأسماء على أصدقائه من صناع الأعمال خلال لقائه بهم فى غرفة مكتبه، يشكر ويرشح ويطالبهم بالانتباه للموهبة، «مثلا محمد رمضان لما شوفته قولت دا هيبقى مستقبله كويس، وكذلك سامح حسين، أول ما اتفرجت عليه قولت دا مولد نِجم كوميديان»، ورغم كثرة المعارف فإنه لا يسمح لأحد بدخول بيته إلا القليل، كان أبرزهم الراحل الكبير أحمد زكى، يقول بحنين: «كان ييجى فى رمضان مش أقل من 7 أو 8 أيام»، حينها كان الفتى الأسمر ينطلق من الفندق الذى يعيش به فى وسط البلد، ويتجه إلى منزل نصر القريب منه، ليجلس بأريحية حتى موعد الإفطار، بات نجم الكاميرا الخفية يفتقده كثيرا هذه الأيام.