الخميس 28 مارس 2024 02:42 مـ 18 رمضان 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

حوارات

وزير الصحة الأسبق في حوار لـالنهار: مصر قادرة على النهوض من كبوتها

 

يستقبلك برؤية لمواجهة المشكلات التى طالما عاصرتنا، وبملامح تنم عن خبرات الزمان التى قضاها سواء أثناء تدريسه بكلية الطب جامعة القاهرة حتى تولى رئاستها أو أثناء عمله وزيراً للصحة أو أثناء عمله بالعديد من المراكز البحثية القومية، وغيرها من وسائل البحث عن مشكلات البلاد. إنه الدكتور إبراهيم بدران الذي حدثنا باكيا عن مشكلات الدولة، وقال: سامحونى.. أصلى لما بتكلم عن مصر بدوب.. ويارب أكون عملتلها حاجة في فترة عمرى دى كلها.. ومهما عملت مش هرد واحد على ألف من فضلها.

وزير الصحة الأسبق يرى أن بناء المستقبل يبدأ من إعادة تكوين الأسرة بدخل كاف يمكنها من قيامها بمهمة تنشئة الأبناء، وكذلك إصلاح حال التعليم سواء من المناهج، أو بالتدريس، قائلاً: لو المدرس مطلعش تلميذه أحسن منه 100 مرة يبقى فشل.

بدران اقترح عدة حلول للمشكلات التى تواجهها الدولة، مطالباً بالاهتمام بالدراسات المستقبلية، ووضع خطط بحثية، وخطط للبعثات القومية للخارج لنستفيد من الخبرات العلمية فى بناء مصرنا الجديدة، ولتجنب عيوب الماضى، وإلى نص الحوار:

* نواجه مشكلات كثيرة وتحديات تستهدف الدولة المصرية.. كيف ترى التعامل معها؟

من المؤكد أن هناك علوم جديدة تظهر باستمرار، ومثلما تتزايد المشاكل تتزايد علوم المواجهة؛ لذا لابد وأن يطمئن الجميع، كما أنك لو فكرت بمنهجية علمية سليمة، وتوافرت لك الإمكانات ستستطيع مواجهة أى مشكلة تواجهك، وتتغلب عليها؛ لذا فلابد أن نحضر للمستقبل، وأن نجهز خططا بحيثة لأجل بناء مصر الجديدة، مع وجود خطط قومية للبعثات، لكنى أقولها لك أن مصر تحملت وستتحمل الكثير، وستظل بعون الله دولة قوية؛ فبلادنا أم وعيالها كتير، ونحن مسئولون على مواطنينا، والأمة العربية من بغداد حتى الرباط.

* كنت وزيراً للصحة والسكان.. واهتممت فى أبحاثك ودراساتك بأحوال الشباب والأطفال.. فكيف ترى إمكانية استغلالها لبناء المستقبل؟

ربنا أعطانا ذخيرة هامة تفتقدها كثير من دول العالم حالياً، وهى الأطفال فى مصر؛ ولو اهتممنا بهم عبر خطة منظمة تمتد لـ10 سنوات على سبيل المثال، فإنك ستستطيع أن تبنى أرقى دولة فى العالم.

* وكيف يمكننا ذلك؟

- عبر الاهتمام بالأسرة والمدرسة، فهما البيئتان اللتان تشكلان أسس ووجدان الطفل، ولابد أن يتم تنشئتهم بشكل صحيح لتستطيع الدولة الاستفادة منهم.

* كيف يكون هذا الاهتمام فى رأيك؟

- عبر تكوين الأسرة بالدخل، وهنا نحتاج لإصلاح دخل الموظفين.

* وكيف يكون هذا؟

- عبر المشروعات المنتجة، واستصلاح الأراضي، وإصلاح حال التعليم؛ فالتعليم الجيد سيأتى بالأموال لنا؛ فمثلاً حينما كنت فى كلية الطب كان معنا طلاب من 42 جنسية يدفعون مصاريف للكلية، وكان يتم إدخال عشرات الألوف من الجنيهات لميزانيتها، كما أن الارتقاء بالمدرسة والجامعة يمكننا من إعداد وزراء وقادة ومسئولى الغد بشكل أفضل ليقودوا مصرنا إلى بر الأمان مثلما نرجو لها جميعاً.

ثم غلبه البكاء وقال: معلش.. أصلى لما بتكلم على مصر بدوب.. عشت ده كله.. ويارب أكون قدرت أعملها حاجة.. إحنا يا ابنى مهما ادينا مصر مش هنوفيها حقها عليها.. هى إدتنا السماء الجميلة، والأرض الطيبة الخضراء، وأكرمتنا، وعملنا بها، وعلمتنا، ولبستنا، ووقفتنا على رجلنا، وعملتنا وزراء؛ فهل أعطيناها واحد على ألف من فضلها؟!.. يارب أكون قدرت أعمل حاجة لبلدى.

وبالعودة لحديثنا، فإن تربية الأسرة مهمة جداً، فالتدين ومعرفة ربنا لدى الأسرة وأبنائها هى دراسة وقائية، وما يمكننا أن نسميه التربية الإيمانية تحوش عنا وعن الشباب بلاوى كتير منها الضياع، والخمر، والمخدرات، والتسكع.

* وما نصيحتك للشعب المصرى بدوره فى تقدم بلادنا؟

- أقول إن اليوم العادى فيه 24 ساعة، منها ثمان فقط للأكل والنوم، والباقى لتحمل المسئولية؛ فإذا حدث ذلك ستشهد بلادنا نقلة هامة تحتاجها، فعلى التلميذ أن يعرف أن لديه مسئولية، والصحافة أن تعى أنها تربى الشعب وتثقفهم، ويمكننى أن أقول إنكم لا تشعرون بذلك، إلا أنه فى صغرى مثلاً فإن الصحف هى من ربتنا، ولم يكن الشعب كله متعلما مثل الآن، لكن حالياً الإعلام مع الجامعات وغيرها هم من يشكلون وجدان الشباب.

* وكيف ترى تعامل أساتذة الجامعات مع الطلاب.. وبناء وعيهم؟

- لابد وأن يعى السادة أعضاء هيئات التدريس بالجامعات أن عليهم دوراً هاماً فى بناء الوطن، فمحاضراتهم ليست لإعطاء مادة علمية فقط للشباب، فيجب على الأستاذ الجامعى أن يعطى الشباب جزءا من خبراته فى الحياة..  فأنا مثلاً تعلمت من أحد أساتذتى وقت دراستى فى إنجلترا أن المظهر يحمل رسالة عن كفاءتك، وهنا كان يريد أن يعلمنا أن نهتم بمظهرنا، وشكلنا الخارجى؛ فإذا التفتنا لأنفسنا، وشخصيتنا فى التعامل مع الناس، وأدائنا الاجتماعى يعكس ذلك مدى كفاءتك وقدرتك حتى تثبت عملياً.

وهنا لابد وأن أشير إلى وجود ظاهرة لدينا هى أن حامل المعرفة يقولها ويأخذ مهيته رغم أنه لا يحتاجها فى الغالب وإنما لا يعطى قلبه للطالب مع أن أمتع شىء فى العالم للمدرس أن يأخذ بيد طلابه ليشعر بأنهم من سيبنون مصر، ولكن عجلة الحياة وصلت سرعتها لدرجة أنه لم يعد هناك وقت لأحد كى يفكر.

* لكن القيادات الجامعية يقولون إن المشكلة فى تكدس الطلاب؟

- بالتأكيد هذا شق هام؛ فعندما تدرس لـ 6أفراد لن يكون الأمر مثلما تدرس لـ60 طالبا.

* لكن البعض يرى وجود تقصير فى تكوين المدرس ذاته؟

أعتقد أن هناك تقصيرا فى تكوين المدرس الذى يدرس فى المدارس، ولذا كنت أريد أن تكون كليات التربية معسكرة لكى يتعلم المدرسون الانضباط؛ فمثلاً فى الكلية الحربية فى تمام الخامسة والنصف صباحاً يجب على الطلاب جميعهم أن يستحموا، وحينما سألت قديماً عن الحكم فى ذلك قالوا ليتعلموا أنهم لم يصبحوا ملك أنفسهم بل ملك الوطن، ولأن النظافة من الإيمان والإيمان بالوطن، ومن يقبل أن يتسخ جسده سيتنازل فيما بعد عن حق الوطن.

* وبماذا تنصح أساتذة الجامعات فى أداء مهمتهم بإعداد وتأهيل الشباب لوظائفهم فيما بعد التخرج؟

 - لو أعطيت نفسى حق النصيحة، سأقول للسادة أعضاء هيئة التدريس من المعيدين حتى منصب العميد أن يتقوا الله فى الطالب المصرى ليعطوه معرفتهم وخبراتهم كى يستطيعوا بناء مصرنا الجديدة، ولو لم تعط روحك مع المعرفة التى تنقلها للطالب، والسلوك الذى اكتسبته بفضل خبرتك فيها مع العلم فلا تعمل فى تلك الوظيفة، وذلك يكون على قدر استطاعتهم؛ فأنا أعلم أن اليوم لم يعد 24 ساعة كما كان بل أصبح 24 دقيقة فقط، لكن السادة أعضاء هيئة التدريس سيستمتعون إذا أخلصوا فى تعليم أبنائهم من الطلاب.

* لكن لم يعد هناك من يخلص لهذه الدرجة؟

 - سابقاً كان هناك الاستعمار فى مصر، وهو ما وحد جميع أبناء الشعب المصرى، وكان دافعاً رئيسياً ليتعلم الجميع معنى كلمة الوطنية، لكن منذ رحل الاستعمار وإحساس أبنائنا فى مصر ضعف قليلاً، وعليهم أن يستجمعوا الهمم لبناء دولة رائدة قوية يكون لها دورها على الساحة المحلية والعالمية مثلما تعودنا من مصر وشعبها الذى علم العالم أجمع، لكن فى العموم مصر عاشت خلال الفترة الماضية تغيرات اجتماعية مع تطور العصر، والله أعلم هل هذه التغيرات أفادت وطننا أم لا.

* وما نصيحتك للرئيس عبدالفتاح السيسى والمهندس إبراهيم محلب؟

- السيد الرئيس والمهندس رئيس مجلس الوزراء لديهم من الوسائل أكثر مما أراها؛ فأنا حكمت كلية، وجامعة، لكن الوطن أكبر كثيراً من ذلك.

* لكن فى إطار خبرتك.. ما الواجب على المسئولين انتهاجه خلال الفترة المقبلة؟

- علينا التركيز على الدراسات المستقبلية، ودورها فى بناء وطن قوى.

* وما الذى ستستفيده الدولة من الدراسات المستقبلية؟ 

الدراسات المستقبلية هى منهج حقيقى لإحداث التغيير، وعلينا أن نعى أن التغيير الإيجابى لا يأتى من الهواء، لكن يجب توقع المستقبل، وتحديد مدى التغيير المستهدف والمطلوب تحقيقه خلال فترة زمنية ولتكن من 10 إلى 25 عاماً، لنحدد كيفية تحقيقها لتكون هدفاً قومياً للدولة تسعى لتنفيذه على الأرض خلال تلك الفترة، فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية درست منذ أواخر الثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضى كيف ستكون الطاقة الاستيعابية للمدارس وأحوالها فى عام 2025، وسعت لتغيير الواقع ليتواكب مع احتياجاتها فى تنشئة الأجيال الجديدة.

* وهل علماؤنا وخبراؤنا قادرون على التخطيط المستقبلي؟

- بالتأكيد، فلدينا مراكز أبحاث ودراسات متقدمة، ولدينا كيان قيم جداً أنشأه أستاذنا الدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن الذى أصنفه كمنشئ لمصر الجديدة، حينما أنشأ معهد التخطيط القومى، فالمعهد وغيره من مراكز الأبحاث والجامعات، والمجالس المتخصصة هى كتلة حرجة لو أحسنا استغلالها فى التخطيط هتشوف مصر بعد 25 سنة هتكون مكانتها عاملة إزاى وسط العالم، وأشير للسادة المسئولين بذلك ليتحركوا بناء عليه منذ الآن.