عبد الحميد بيليجي للنهار: 50 % من الأتراك يرفضون حزب العدالة والتنمية

عندما بدأت الثورات العربية من تونس, تساءل فتح الله كولن، مهندس الفكر فى حركة "الخدمة" المعارضة لحزب العدالة والتنمية التركية هل هذا ربيع أم خريف عربى؟ معتبرا أن التدمير سهل أما البناء صعب, وأن الطاقة التى تحتاجها لبناء نظام جديد يتوافق عليه المجتمع كله هى عشرة أضعاف الطاقة التى تحتاجها للإطاحة بنظام قائم, وقال إن مصر من أهم مراكز الإسلام السنى, ولديها خبرة عريقة وتجربة قديمة فى إدارة الدولة والسياسة, ومن الضرورى أن يكون من يحكم مصر يحترم القيم الديمقراطية وسيادة القانون, كما ينبغى احترام خصوصيات جميع الشرائح المجتمعية وتحاشى تعريض أى منها إلى المظالم, والإنصات إلى المطالب الشرعية لتحقيق الأمن والاستقرار.
ليس هذا هو الشخص الوحيد المستنير فى تركيا, بل هناك الآلاف من أبناء الشعب التركى الذين يدركون تماما خطورة سياسة أردوغان المتعنتة تجاه مصر وتجاه ممارسة الديمقراطية ومن هؤلاء أيضا المسئول عن وكالة "جيهان" الإخبارية التركية والذى من خلال مشاركته فى إحدى الندوات على أرض مصر أكد "أن الحنكة الدبلوماسية ضرورية وغاية في الأهمية في مواقف عديدة وهذا ما كان يفعله رئيس جمهورية تركيا السابق عبد الله جول والذى كان يبذل جهودا جبارة في هذا الصدد؛ لكن لم يتم التوصل إلى نتائج ملموسة بسبب مواقف الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان إلى حد ما. فتوظيف السياسة الخارجية في اللعبة السياسة الداخلية في البلاد أضرَّ بمصالح تركيا "كلمات مقتضبة" لخص بها "عبد الحميد بيليجى" مدير وكالة جيهان الإخبارية التركية, ما يجرى على أرض الواقع من قبل رجب طيب أردوغان الرئيس التركى الحالى تجاه مصر وقيادتها السياسية.. وشدد على ضرورة ألا تنجرف العلاقات الأخوية الطيبة العريقة بين الشعبين المصري والتركي في دوامة الصراعات والخلافات السياسية المتصاعدة بين البلدين في الفترة الأخيرة مشيرا إلى أن حالة الانسداد التي وصلت إليها العلاقات بين الطرفين لا تصب في مصلحة كليهما ولا حتى في مصلحة المنطقة..
وقال إن تركيا تفقد هيبتها لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط وتزداد عزلة كلما ابتعدت عن الديمقراطية.
النهار تحاوره ونص الحوار فى السطور التالية ...
* ماهى طبيعة العلاقة بين مصر وتركيا فى ظل وجود أردوغان؟
** قد تتغير السياسات أو الحكومات فى البلاد ولكن لا تتغير الإخوة بين الشعبين الشقيقين تركيا ومصر، وأنا سعيد أن أوضح رؤيتى كصحفى يعرف كل الأحداث التى تدور بالمنطقة ويتابعها، .
الشعب التركى يستطيع أن يتابع ما يحدث فى تركيا فالرؤية أو المشاهدة عن بعد ليست مثل اللمس عن قرب، وأكثر من 50 % من الأتراك يرفضون حزب العدالة والتنمية وأريد أن أوضح أغلب الذين قتلوا فى ميدان تقسيم كانوا من الطائفة العلوية، فالرئيس أردوغان جلب لتركيا العداء من الدول العربية مثل مصر وسوريا والعراق، وذلك بسوء تصرفاته التى لا تصب فى مصلحة العلاقة بين الشعبين.
* ما رأيكم من السياسة التركية الحالية ؟
** المجتمع التركى به العديد من الشرائح ككثير من المجتمعات - فهناك اليساري، اليمينى، السنة، العلويين، ومن أجل الحفاظ على هذه الأطراف جميعها، لابد من اتباع الديمقراطية كمنهج أساسى للتعامل وتسيير الأمور بين الفئات جميعها، لكن للأسف، هذا لا يتم.
الغريب أن تركيا أول من تقدمت من الدول الإسلامية لتكون ضمن الاتحاد الأوربى، وذلك من أجل الارتقاء بمستوى حقوق الإنسان والسير فى مصاف العالم المتقدم، وفى نفس الوقت عدم البعد عن هويتنا الإسلامية، لكن للأسف ما يحدث على أرض الواقع لا يستقيم مع ما تدعو إليه الحكومة التركية، وأغلبنا عاش مرحلة حكم الرئيس الأسبق الراحل تورجورت أوزال والذى كان ينتمى لأكبر حزب مدنى وكان يؤيده كثيرون، وكثير من الأتراك أيدوا أردوغان لأنه ادعى أنه سيسير على نفس نهج "أوزال".
* كيف ترون حزب العدالة والتنمية فى تر كيا ؟
** لابد وأن يعلم الجميع أن خط سير "عبدالله كول " و"أردوغان" مرجعيته الإسلام السياسى وقد كان لأردوغان مقولة شهيرة عندما ابتعد عن الإسلام السياسى"اخلع ردائى القديم".
وقد خدعنا بقولته هذه، حيث إننا قمنا بتأييده تأييدا مطلقا، ظنا منا أنه خلع بالفعل رداءه القديم والذى يجعله منتميا ومتحيزا لتيار بعينه "تيار الإسلام السياسي" وظننا أن ما يقوله من قيم ومثل عليا فى خطاباته سيصبح منهجا فى الحياة يسير عليه، وبذلك سيقوى المجتمع وتسود الديمقراطية ونراعى حقوق الإنسان فيما بيننا وسيكون لتركيا علاقات قوية مع دول العالم الإسلامى والأوربى من حولها، ولكن للأسف وجدنا أردوغان بعد خطاباته الأولى يبتعد عن خط سيره الذى ادعى أنه سيسير عليه وكان كاذبا فيما أعلنه..
* هل استكان الشعب التركى لهذا التغيير ؟؟
** أطياف المجتمع التركى اليسارى والديمقراطى أيدوا هذا التحول من قبل أردوغان ولكن سرعان ما انتفض الأتراك وقامت حملة ضد حزب العدالة والتنمية من الليبراليين بسبب الوعود الكاذبة التى سبق وأن تم إطلاقها من قبل الحكومة التركية، وخاصة بعد تدهور علاقة تركيا بالعديد من الدول العربية والجمود الذى سيطر على علاقة تركيا بالاتحاد الأوربى والمظاهر العديدة التى تؤكد تراجع تركيا للوراء فى تطبيقها لحقوق الديمقراطية وسيادة القانون وحرية الإعلام وممارسة العديد من الضغوط على الصحفيين وقمع الآراء واتهام الحكومة التركية للصحفيين الشرفاء بأنهم يدشنون وينضمون لمنظمة إرهابية مسلحة، فى حين أن الصحفيين الشرفاء المعارضين لسياسة أردوغان لا يمتلكون سوى القلم ومؤخرا تم اعتقال صاحب جريدة بسبب تغريدة على موقع التواصل الاجتماعى"تويتر"، فتركيا أصبحت أكبر سجن للصحفيين.
* ما تأثير كل هذه السياسات القمعية على الاستقرار فى تركيا ؟
** مؤشرات الاستقرار فى تركيا تتجه نحو السالب، فتركيا كانت تحتل رقم 17 فى العالم اقتصاديا والآن حصلت على رقم 19، طبقا لآخر الإحصاءات حيث زاد التضخم مما أدى إلى انخفاض سعر الليرة التركى، كما أن تدهور علاقتنا مع سوريا ومصر وبقية الدول العربية. كان له تأثير سلبى على الاقتصاد التركى وبالتالى على الاستقرار.
* بصفتك صحفيا تركيا وراصدا لأحوال الأتراك، هل أحوال الأتراك المعيشية تأثرت بسياسة أردوغان الخارجية؟
** من الطبيعى جدا أن تتأثر الأحوال الداخلية بسياسات الحكومة الخارجية، وخاصة أن البلدان الآن سواء العربية أو الغربية أصبحت تربطها علاقات متشابكة، وهناك مثال حى شاهدته فى رحلتى وأنا قادم إلى مصر، حيث تقابلت مع مواطن تركى بالطائرة يعمل سائقا وأخبرنى أنه لم يتمكن بعد توتر العلاقات الأخيرة بين تركيا ومصر وتركيا وسوريا- من نقل الشاحنة التى يقودها بالبر، فسلك طريق البحر من ميناء الأسكندرونة التركى إلى مصر وبعدها تسير الشاحنة بالدول العربية بدلا من المرور بسوريا برا إلى الدول العربية، وهذا تكلف مصاريف إضافية عن المعتاد حوالى 3600 دولار بالإضافة لثمن تذكرة طائرة السائق وبدلا من المدة الزمنية التى تستغرقها الشاحنة 10 أيام أصبحت شهرا، وهذا أكبر دليل على تأثر حياة الأتراك بما يحدث من سياسات خارجية لأردوغان .
* هل هناك سياسات داخلية لأردوغان لا يرضى عنها الشعب التركى؟
** نعم هناك العديد من السياسات الداخلية للرئيس التركى والتى من شأنها تقليل فرص حرية التعبير وتقييد الحريات الأخرى كما أنه كانت هناك محاولات من أردوغان لإغلاق 160مدرسة أسستها حركة الخدمة المعروفة بجودة كفاءتها التعليمية المنتشرة فى أنحاء العالم، لطمس أى جهود لآخرين، كما حاول وضع يده على بنك آسيا لتكون له السيطرة الاقتصادية عليه وتسيير أموره بدلا من القائمين عليه..
* هل وضع تركيا بالنسبة للعالم تغير بعد تولى أردوغان الحكم ؟؟
** تركيا كان كلامها مسموعا فى أنحاء العالم منذ عام 2008 حيث كانت تدعمها العديد من الدول ولها مواقف مشرفة مع جيرانها على جميع المستويات، وكانت هذه الفترة وما قبلها يطلق عليها الفترة الذهبية فى حكم تركيا وعلاقتها بجيرانها حيث كانت لها علاقات طيبة بأكثر من 114دولة، أما فى2014 لم تدعمها إلا 60 دولة فقط من خلال مواقف عديدة وهذا مؤشر خطير يؤكد هبوط الثقة فى تركيا، وهذا بسبب الاتجاه الأردوغانى الذى يضر بتركيا وشعبها ومؤشر ملموس على تدهور الأوضاع فى تركيا وهذا أمر يحزنا.
وتركيا لم تكن عبارة عن حزب واحد يتحكم فيها شخص واحد، كما أنها تعيش الآن حالة من الاستقطاب الداخلى واستهداف إقليمى ودولى.. تاريخنا ليس مثل تاريخكم لكن هناك تاريخ قوى لتركيا، ورغم كل الظروف هناك حقوق إنسان ورواد فكر يراجعون هذه الأخطاء ونتمنى رجوع العلاقات التركية المصرية إلى ما كانت عليه فى الأيام الجميلة .
* كيف تقيم علاقة أردوغان على المستوى الإقليمى والدولى؟
** أردوغان يحاول يقديم نفسه للآخرين سواء الغرب أو المسلمون على أنه حامى المصالح الغربية وفى نفس الوقت يقوض العالم العربى وهناك العديد من المؤشرات والشواهد التى تؤكد ذلك ومنها موقفه من الأزمة السورية وحواراته وتصريحاته العديدة ودعمه لداعش الإرهابية، فنجده فى البداية اعتقد أن نظام بشار الأسد سينتهى بعد فترة قصيرة ولذلك دعم الأطراف المسلحة ضد نظام بشار الأسد وهذا يدل أن تركيا قامت بعملية أكبر من قدرتها وكانت تريد تغييرالنظام السائد فى سوريا إلى نظام قريب منها ولكن لم يكن فى قدرة أردوغان هذا التحويل، والآن هناك بعض قوى المعارضة السورية التى كانت تتلقى مساعدات ودعما من أردوغان تتساءل إذا لم تعطنا دعما إلى أن ننتهى من مشوارنا ..فلماذا شجعتنا ونزلنا الشوارع، كذلك محاولات أردوغان لشق الأوضاع فى مصر ربما لأنها حجر الأساس ومركز الدائرة للبلاد العربية.
* في النهاية.. ماهى مطالبكم من القيادة التركية؟
** نحن نرفض تطرف الإسلام السياسى ونريد مجتمعا يقوم على بناء الإنسان وتقديم الغذاء الفكرى والروحى ونرى ذلك فى كتاب جولدن نور الخالد والذى قدم رؤية عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يغذى بها الفرد المسلم ، إلا أن سياسة أردوغان هى الأقرب للتيارات الإسلامية المتطرفة التى تتجسد فى داعش والتى خرجت من عباءة الإخوان المسلمين، وليس أمامنا الآن سوى مراقبة الصراع الدائر بين أردوغان وباقى الدول حتى تتضح الرؤية وتصبح جلية، فليس أمامنا إلا التحدث والانتظار حتى يتغير الوضع وتعود تركيا إلى سابق عهدنا بها.