أوروبا تعيد حساباتها وواشنطن تغيّر أولوياتها.. صدام بارد يعيد تشكيل العالم
تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا توتّرات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، أثّر الصراع الروسي الأوكراني والسياسات الأميركية الجديدة على شكل التحالف عبر الأطلسي، وطرح تساؤلات واسعة حول مستقبل النظام الدولي، ودور أوروبا في مواجهة التحديات الكبرى من دون الاعتماد الكامل على واشنطن.
خلافات أم بداية تفكك التحالف؟
العلاقة عبر الأطلسي بين واشنطن وبروكسل كانت حجر الزاوية في الأمن الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأُسّس حلف الناتو على أساسها لمواجهة التهديدات الخارجية.
ومع ذلك، شهدت هذه العلاقة توترات متصاعدة، خاصة بعد حرب أوكرانيا، إذ أبدت واشنطن أحياناً مواقف متفاوتة مع دعوات أوروبية لموقف موحّد تجاه موسكو، وهو ما أثار تخوفات من أن أمريكا قد تقلّص دورها في أوروبا أو تعيد ترتيب أولوياتها الاستراتيجية.
هناك من يرى أن الخلافات الحالية لا تهدف إلى تفكيك التحالف بالكامل، بل هي مرحلة من إعادة النظر في الدور الأميركي الأوروبي، خصوصاً في ظل اختلافات في الاستراتيجية، مثل نهج أوروبا الدفاعي مقابل تحركات أميركية أكثر تصعيداً في مناطق أخرى.
استقلال استراتيجي أوروبي؟
بدأت أوروبا تناقش بجدية مفهوم الاستقلال الاستراتيجي، وهو ما تجلّى في توجهات لتعزيز القوة الدفاعية الأوروبية وتقليل الاعتماد الكامل على واشنطن في مجالات الأمن والدفاع. في مارس 2025، ارتفعت ميزانيات الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي وتوسعت الخطط لبناء قدرات عسكرية مشتركة، وهو مؤشر على سعي أوروبا لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة في هذا المجال.
لكن استقلالًا استراتيجيًا كاملاً يحمل ثمنًا، إذ يتطلب من أوروبا زيادة إنفاقها الدفاعي، وتعميق التنسيق بين دولها، ومواجهة تهديدات روسيا دون حضور أميركي قوي، ما يشكّل تحدياً غير بسيط خصوصاً في سياق الحرب في أوكرانيا.
الشرق الأوسط: إعادة توزيع النفوذ؟
الشرق الأوسط لطالما كان متأثرًا بتحولات القوى الكبرى. الانقسام الأوروبي الأميركي قد يدفع دول المنطقة إلى إعادة مواقفها، مع تعزيز أوروبا حضورها الدبلوماسي والاقتصادي، في حين تحرص الولايات المتحدة على الحفاظ على نفوذها التقليدي، إضافة إلى تنامي دور القوى الإقليمية الجديدة وتحالفات متعددة الأقطاب، كما يبرز في تحركات دول الخليج.
سياسات اللجوء: تعبير عن صراعات دولية
أصبحت سياسات اللجوء جزءًا من ديناميكية القوى الدولية؛ فالأزمات في الشرق الأوسط وأفريقيا تدفع موجات من اللاجئين نحو أوروبا، ما يثقل ضغوط الداخل الأوروبي ويؤثر على القرارات السياسية. التوتر الأوروبي–الأميركي قد يجعل أوروبا أكثر تشدداً في استقبال اللاجئين أو يدفعها للبحث عن شراكات جديدة في إدارة هذه الملفات خارج إطار القواعد الأميركية.
الخليج والاستراتيجية الأوروبية
أوروبا ترى في التعاون مع دول الخليج فرصة لتعزيز أمن الطاقة والاستقرار الإقليمي، خاصة مع تراجع الاعتماد على الولايات المتحدة في بعض المجالات. لكن النفوذ الآسيوي المتزايد، لا سيما الاقتصادي، يضيف بعداً جديداً للعبة الجيوسياسية، ويجعل أوروبا في موقع يحتاج لتوازن بين الشراكات التقليدية والجديدة. ﹡
الانزياح الأميركي نحو آسيا والصدام مع روسيا
تركيز الولايات المتحدة على منطقة آسيا–الهادئ وصراعها مع روسيا والصين يطرح تساؤلات حول مدى استعداد أوروبا لتحمّل تداعيات مواجهة مع موسكو من غير دعم أميركي كامل. أوروبا تسعى للبناء على قدراتها الدفاعية، لكنها تدرك أن غياب الدعم الأميركي قد يضعف ردعها.
في النهاية، يبدو أن التحالف الأوروبي–الأميركي لا ينهار كليًا، لكنه يدخل مرحلة إعادة ترتيب استراتيجية تتطلب توافقًا جديدًا بين القوى الكبرى، وتفتح الباب أمام نظام دولي متعدد الأقطاب لو نجحت أوراق أوروبا في فرض نفسها في مناطق النفوذ الدولية المتحولة.


.jpg)

.png)



.jpg)



