بين مطرقة الأب وسندان الأم.. «الخلافات الأسرية» قنبلة موقوتة تهدد مستقبل الأطفال
تُعد الخلافات الأسرية من أكثر القضايا الشائعة التي تهدد استقرار الأسرة، والتي لا يقتصر تأثيرها على الأبوين فقط بل تمتد للأطفال ليجدوا أنفسهم هم الضحية الأولى لهذه الخلافات، نتيجة غياب الاستقرار الأسري، وكثرة المشاحنات والخلافات بين الأزواج أمام الأبناء، وعدم القدرة علي التفاهم، مما يفقد الكثير من الأطفال الشعور بالأمان والطمأنينة داخل الأسرة، وهو ماينعكس سلبا علي سلوكهم وتصرفاتهم داخل المجتمع، تقودهم إلى العداونية والأنطوائية من الصغر.
فبين مطرقة الأب وسندان الأم، طفت العديد من وقائع الخلافات الزوجية داخل الأسرة، التي لم ينتهى بعضها عند حد العتاب اللحظي ولكنها تتوغل لتنتهى بكارثة ودماء محدثة شرخ آليم داخل نسيج الأسرة الواحدة وتشريد الأطفال أو اقتيادهم إلى العنف منذ الصغر.
فمع تزايد وقائع الخلافات الأسرية في الآونة الأخيرة والتي ترتب عليها وقوع الكثير من جرائم القتل والعنف، مثلما حدث في منطقة فيصل بمحافطة الجيزة، حيث انتشر مقطع فيديو صادم علي السوشيال ميديا يظهر فيه شخص يلقي جثتي طفلين في مدخل إحدي العمارات السكنية، وقد أثارت الجريمة حالة من الغضب والاستنكار بين المواطنين، الذين طالبو بتشديد العقوبة علي مرتكبي جرائم القتل، وقام بقتل الطفل التالت وإلقاءه جثته في الصرف الصحي، وكشفت التحقيقات أن الجاني كانت تربطه علاقة مع أم الاطفال بعد انفصالها عن زوجها فتخلص منها ومن أبنائها الثلاثة ولا زالت هذه القضية الشائكة التي هزت الرأي العام قيد التحقيقات لتكشف طلاسمها الغامضة .
وأمام هذه المأساة ومن قبلها الكارثة التي ارتكبها طفل في بورسعيد وقتل زميله وقطع جثته إلى أشلاء، وتبين أن الطفل مرتكب الواقعة يعيش في أسرة مفككة لأب وأم منفصلين، وغيرها من الوقائع والجرائم والعنف الأسري التي تسبب لها الولدان تدق ناقوس الخطر.
ومع تزايد جرائم العنف الأسري والاقتتال بين بعض الأزواج والتناحر داخل ساحات محاكم الأسرة ، تواصلت «النهار» مع عدد من الخبراء النفسيين والمتخصصين لمعرفة اسباب الخلافات الأسرية وتأثيرها على سلوك الأطفال، حيث أوضح الدكتور "جمال فرويز"، استشاري الطب النفسي، أن شخصية الفرد تتكون من ثلاثة عناصر أساسية، أولها التربية والعلاقة مع الأهل ومدي التواصل معهم، فعندما يفتقد الطفل هذا العنصر يصاب بحرمان عاطفي وقلة الثقة بالنفس واحتياج نفسي، مما يجعله شخصا عدوانيا وعنيفا، بالإضافة إلى تأثير الخبرات الحياتية والعوامل الوراثية علي تشكيل شخصيته.
وشدد فرويز على أن الخلافات الأسرية لها تأثير كبير على سلوك الأطفال، فعندما ينشأ الطفل في بيئة مليئة بالتوتر والخلافات، قد يشعر بعدم الأمان مما يؤثر على ثقته بنفسه وعلاقاته مع الآخرين، ويمكن أن يظهر الأطفال سلوكًا عدوانيًا تجاه الآخرين نتيجة للتعرض المستمر للخلافات الأسرية، إضافة إلى أن الطفل قد يعاني من القلق والاكتئاب نتيجة للضغوط النفسية التي يتعرضون لها في المنزل.

وتابع: الأطفال هم من يدفعون ثمن خلافات وصراعات والديهم، لذا يجب على الأبوين تفادي ذلك والحفاظ على استقرار الخلافات والعمل على خلق بيئة أسرية مستقرة ومحبة تدعم نمو الأطفال بشكل إيجابي.
وعن تأثير الألعاب الإلكترونية على سلوك الأطفال، نوه أستشاري الطب النفسي أن الألعاب الإلكترونية العنيفة وتكرار مشاهدتها لفترات طويلة، لها تأثير سلبي علي سلوك الأطفال، فهي تؤدي إلي تدمر الخلايا العصبية في المخ وتقلل القدرة علي التركيز والانتباه ، إلي جانب اضطرابات النوم.
مشيرا إلي أهمية دور الأسرة في مرتقبة أبنائهم الأطفال ومتابعتهم بشكل مستمر وتوعيتهم بمخاطر هذا العالم الافتراضي المليء بالعنف والمخاطر التي قد تؤثر على سلوك الطفل.
كما أكد الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية، أن الخلافات الزوجية المتكررة بين الأبوين تؤثر بشكل كبير على نفسية الأبناء، والتي تؤدي إلى انعدام شعور الأطفال بالأمان وحرمانه من الدفء العائلي، كما انهم يفتقدون الشعور بالحياة الطبيعية من صغرهم بسبب كثرة نشوب الخلافات في المنزل، وهو ما يؤدي إلى إصابة الصغار بالقلق والتوتر مما يؤثر على سلامتهم الجسدية والنفسية وتجعلهم عرضة للإصابة بالاكتئاب، وانخفاض التحصيل الدراسي والمعرفي للأطفال، حيث أن مناخ التوتر الذي يعيش فيه الطفل في منزل اعتاد فيه الوالدان على الشجار قد يُضعف شخصيته ويدمر مستقبله وتحصيله الدراسي والمعرفي.

وقال الدكتور وليد هندي إن كثرة الخلافات والمشاكل بين الزوحين تؤدي في بعض الأحيان إلى أن يكون الطفل عدوانيًا ، حيث يحاول تفريغ طاقة غضبه من تصرفات والديه عن طريق سلوك وحشى رغم صغر سنه من خلال التهجم على الآخرين سواء على إخوته في البيت أو على أصدقائه في المدرسة أو مع العائلة.
وأكد «هندي» أن تعرض الطفل للقسوة قد يؤدي إلى انطواءه على نفسه وتجنبه الاختلاط بالآخرين، مما يجعله فريسة سهلة للأفكار المتطرفة التي تستهدف العقول المنعزلة، وفي بعض الحالات، قد يتحول الطفل الضحية إلى جلاد، فيلجأ إلى العنف والتطرف.
وحذر استشاري الصحة النفسية من مخاطر مشاهد العنف التي يتعرض لها الأطفال على السوشيال ميديا أو الانخراط في الألعاب الإلكترونيه العنيفة ، إذ قد يجهل بعض الآباء الأثر السلبي للعنف على نفسية الطفل وتطوره.
مشدد على دور الأسرة في عدم ترك الأبناء فريسة للمحتوي العنيف ومخاطر المجتمع بل يجب على الآباء التدخل في حياة الأبناء بحوار تشاركي توعوي بناء، ومنحهم فرصة التعبير عن ارائهم وثقتهم بأنفسهم ومشاركتهم إيجاد حلولًا للمشكلات التي يواجهها، لنخلق جيلا واعيا قادرا على مواجهة الحياة.


.jpg)
















.jpg)


.jpg)
.jpg)
