كنوز لم تُعرض من قبل.. المتحف المصري الكبير يفتح أبوابه برحلة عبر 5000 عام من الحضارة

بعد سنوات من الانتظار، يشهد العالم اليوم الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، المشروع الثقافي الأضخم في تاريخ مصر الحديث، والمُقام بتكلفة تتجاوز المليار دولار أمريكي على مساحة 120 فدانًا بالقرب من أهرامات الجيزة. يمثل المتحف، الذي يوصف بأنه أكبر متحف أثري في العالم، رحلة ملحمية تمتد عبر خمسة آلاف عام من التاريخ المصري القديم، ويضم أكثر من 50 ألف قطعة أثرية، إلى جانب تجارب رقمية غامرة تُعيد الماضي إلى الحياة أمام أعين الزوار.

كان المتحف قد فُتح جزئيًا في أكتوبر 2024 ضمن مرحلة تشغيل تجريبية شملت 12 قاعة عرض، لكن أبرز مقتنياته — وعلى رأسها مركب خوفو العظيم وكنوز مقبرة الملك توت عنخ آمون — ظلت مغلقة أمام الجمهور حتى الافتتاح الرسمي في الأول من نوفمبر 2025. ويُعد هذا اليوم حدثًا استثنائيًا، إذ يشهد عرض كنوز فرعونية تُعرض لأول مرة على الإطلاق، بعضها لم يره أحد منذ اكتشافه قبل أكثر من قرن.

توت عنخ آمون... الملك الذي لا يزال يفاجئ العالم

تتألق صالات الملك توت عنخ آمون كجوهرة تاج المتحف الجديد، حيث تُعرض لأول مرة جميع مقتنيات مقبرته البالغ عددها 5398 قطعة، التي اكتشفها عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر عام 1922. إلى جانب القطع الشهيرة مثل قناع الموت الذهبي والتابوت المذهب والكرسي الاحتفالي المرصع بالجواهر، سيكتشف الزوار مجموعة نادرة من الأسلحة والعجلات والدروع التي تكشف جانبًا آخر من شخصية الملك الشاب، باعتباره محاربًا حقيقيًا لا مجرد "ملك فتى" أسطوري.

فقد عُثر داخل المقبرة على ست عربات حربية، وسبعة عصي رمي، وأربعة خناجر، وعشرات الأقواس والسهام، ما وصفه علماء المصريات بأنه "ترسانة كاملة" من الأسلحة. أما الاكتشاف الأبرز، فهو خنجر الملك السماوي، الذي تبيّن أن نصلَه صُهر من حديد نيزكي نادر، ما يربط الملك حرفيًا بالسماء في حياته ومماته.

كذلك جرى مؤخرًا إعادة تجميع 1500 رقاقة ذهبية كانت تُزين أحزمة العربات الملكية، لتظهر الآن في المتحف لأول مرة على شكل لوحات مذهلة تُجسّد مزيجًا من الرموز السورية والإيجية والمصرية، في دلالة على طموح الفرعون الشاب في السيطرة على العالم المعروف آنذاك.

من الأعماق إلى الضوء: كنوز المدن الغارقة

لم تقتصر المعروضات الجديدة على ما جاء من المقابر، بل امتدت إلى أعماق البحر المتوسط.
فمن مدينتي كانوب وثونيس-هرقليون الغارقتين قرب الإسكندرية، يستقبل المتحف مجموعة من 132 قطعة أثرية بحرية اكتشفها عالم الآثار الفرنسي فرانك جوديو وفريقه في المعهد الأوروبي للآثار الغارقة.
ومن أبرزها تمثالان عملاقان لملك وملكة من العصر البطلمي بارتفاع 16 قدمًا، جرى ترميمهما بدقة ليُعرضا في القاعة الكبرى، كأحد أروع الشواهد على الفن الهيلينستي في مصر القديمة. هذه القطع التي جابت العالم ضمن معرض "المدن الغارقة" تجد اليوم موطنها الدائم في المتحف المصري الكبير.

اكتشافات سقارة: مومياوات ووجوه لا تتشابه

أما من قلب مقبرة سقارة القديمة، فقد وصلت مجموعة مذهلة من الاكتشافات الحديثة، تشمل 250 مومياء داخل توابيت مزخرفة و150 تمثالًا برونزيًا كُشف عنها عام 2022.
وتتميّز التوابيت بوجوهها الفريدة التي لا تتكرر، ومشاهد من كتاب الموتى وأسماء أصحابها محفورة بعناية، في واحدة من أغنى الاكتشافات الجنائزية في العصر المتأخر.
وكما صرّح عالم الآثار زاهي حواس: "كل وجه على تابوت من سقارة يحكي قصة إنسان مختلف، إنها لوحة فنية حقيقية لتنوّع المصريين القدماء".

المتحف المصري الكبير... ولادة جديدة للحضارة

بهذا الافتتاح، تتحول الجيزة إلى بوابة العالم على مصر القديمة، حيث يلتقي الزوار بالتاريخ وجهاً لوجه — من خنجر نيزكي لملك شاب، إلى تماثيل انتُشلت من أعماق البحر، ومومياوات خرجت من ظلال سقارة لتروي حكايات جديدة عن المجد والخلود.